الفصائل المسلحة في السويداء.. قصة حاجة وأمان

السويداء – NPA
تبدو الحياة طبيعية في السويداء، فالحركة في الأسواق كثيفة، والموظفون في مؤسساتهم، وحتى شرطة المرور تتواجد في الشوارع  وتنظم حركة السير، الذي يشهد حالة من الاختناق المروري خلال ساعات ما قبل الظهيرة، ما يثير العديد من الأسئلة عن تواجد الفصائل المسلحة المحلية، التي يتم الحديث عن شبه سيطرتها على السويداء.
وحتى بعدما أن تغلق الأسواق أبوابها في التاسعة مساءً، تبدو الشوارع هادئة في حين تستمر المطاعم والمقاهي المنتشرة في المدينة بفتح أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل، في حين يلحظ منْ يسير في شوارع المدينة الرئيسية، تواجد سيارات الشرطة تركن على جانب الطريق وداخلها عدد من العناصر يراقبون الحركة في الشارع دون أن يتدخلوا بأحد.
كما يبدو أن قسم شرطة المدينة وفرع الأمن الجنائي في وسط المدينة، يعيش حركة يومية طبيعية، فالحرس يقفون أمام أبوابهما، إضافة إلى وجود بعض الحواجز الاسمنتية، في حين يتردد العديد من المواطنين عليها، لإنجاز معاملاتهم من الحصول على ورقة غير محكوم، التي تدخل في كثير من المعاملات الرسمية إلى الموافقات الأمنية وعقود الإيجار وغيرها.
وقالت مصادر محلية مطلعة في السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها، في حديث مع “نورث برس”، إن “حياة المجتمعات لا تقبل الفراغ، ومع انكفاء المؤسسات المختصة عن قيامها بدورها في حفظ أمن أهالي المحافظة منذ عام 2013، كانوا يواجهون تهديدات من المجموعات المسلحة المتشددة في عدة مناطق محاذية للريف الغربي للمحافظة، التابعة لريف درعا، والتي كانت تحت سيطرة مناطق من محافظة درعا، إضافة إلى وضع مشابه في الريف الشرقي المطل على البادية، أدى لتوجه شريحة من شباب المحافظة للتسلح ليدافعوا عن الناس، ترافق ذلك إلى توجه مجتمعي لعدم إلتحاق الشباب بالخدمة العسكرية للحكومة”.
وأضافت المصادر أن تلك الأسباب و غيرها “دفع إلى زيادة التسلح وتشكيل مجموعات مسلحة محلية، لتشكل كتلة ضد هذه المخاوف، ومع تدهور الوضع الاقتصادي تفاقم انتشار الأعمال غير المشروعة وخاصة تجارة المحروقات والأسلحة، بالمقابل تشكل مجموعات مرتبطة بالأجهزة الأمنية وهي أدواتها أيضا في الأعمال غير المشروعة وقبلها في عمليات قمع الحراك المناهض للسلطة”.
وتابعت: “من أبرز التحديات التي ساهمت بتبلور هذه المجموعات، مسألة عمليات الخطف والخطف المضاد مع الفصائل في درعا، إضافة إلى مسألة الاعتقالات الهادفة إلى إجبار الشباب المستنكفين عن الخدمة العسكرية، حيث بدأت تلك الفصائل بالعمل على منعها، وعلى رأسها حركة رجال الكرامة التي ترأسها وحيد البلعوس، والذي وصل في عام 2015 ليكون أكبر تشكيل عسكري في المحافظة غير تابع لأحد الأجهزة”.
ولفت إلى أنه “في ذلك الوقت انتشرت في عدة مناطق عمليات تبادل المعتقلين والأسرى بين الأجهزة والفصائل المسلحة، فكان عمل تلك الفصائل في ذات الإطار”، مبينا أن “تلك الفصائل لم تشكل من يوم تأسيسها إلى اليوم أي خطر على مؤسسات الدولة على اختلاف مستوياتها، حيث لم تهاجم أو تخرب أي منها، بل انحصرت المواجهات مع الجهات الأمنية”.
وقالت ذات المصادر إن “واقع الفصائل المسلحة في السويداء هو مشابه لحال الوضع السياسي والعسكري في سوريا، فبعد عملية اغتيال البلعوس عام 2015، تشتت مجموعاته على خلفية تعدد الجهات المتهمة إضافة إلى تنازع القيادة، بالوقت ذاته كانت تتشكل مجموعات مسلحة عائلية ومناطقية”.
وقال أبو عمر، خمسيني العمر وناشط اجتماعي في السويداء، في حديث مع “نورث برس”، إن “الفصائل المسلحة في السويداء، ليست كحالها في المناطق السورية الأخرى، فهي ليس لديها هدف تسلّم إدارة مؤسسات الدولة، وليس لديها حواجز أو مقرات، إذا استثنينا فصائل مثل الدفاع الوطني وكتائب البعث والحزب القومي السوري وحماة الديار”.
وأضاف أبو عمر: “عناصر الفصائل في الغالب يحتفظون غالباً بأسلحتهم معهم، في منازلهم أو أمكان خاصة أخرى، وقد تشهد في بعض الأحيان سياراتهم أن تحمل شعاراتهم ورموزهم، وبعض منها تحمل رشاشات متوسطة، في حين لا يكون لهم تحركات جماعية إلا عند وقوع أحداث أمنية، أو تحركات لإخراج معتقل من أبناء المحافظة، ما يجعل حركتهم داخل حدود المحافظة الإدارية”.
وبيّن أن “اللافت في الفصائل المحلية في السويداء، أنها تجمعت ضد هجوم تنظيم داعش الأخير في 25/7/2018، متناسين كل الخلافات بينهم، وذلك لوجود عصب واحد يجمع أبناء المحافظة، حيث تربط عائلات المحافظة علاقات قوية من قربة ونسب وانتماء ديني واحد، وللأمانة يُعرف تاريخياً عن أهل السويداء أنهم يشكلون كتلة واحدة ضد أي تهديد لمجتمعهم”. 
من جهته، قال مصدر مقرّب من السلطة في السويداء، طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع “نورث برس”، “في السويداء لا تشعر الدولة أنّ هناك خطر على استقرارها، وما يحدث هي مشاكل جنائية في غالبيتها، وهناك قرار من القيادة السياسية بعد إطلاق طلقة واحدة في السويداء بحل كل المشاكل عبر القوى والمرجعيات الاجتماعية، وما زال الوضع في السويداء أفضل من عدة محافظات أخرى”.
ولفت إلى أن “الحكومة تتابع الوضع في السويداء، وهناك جهود أثمرت عبر الكثير من التسويات، كما التحق آلاف الشباب بالخدمة العسكرية، وفي وضع مشابه لما يجري في سوريا من الطبيعي أن يكون هناك أشخاص لا يلتحقون بالخدمة أو يفرون منها” حسب قوله.