هبوط الليرة التركية يزيد أعباء اللاجئين السوريين

اسطنبول – سامر طه – NPA
لم تتمكن تركيا من الحفاظ على توازنها الاقتصادي في الآونة الأخيرة، وأدى ذلك لانخفاض حاد بعملتها، بلغ نحو /7/ ليرات مقابل الدولار الواحد، في عام 2018، لتستمر بعدها في وضع متأرجح، إلى أن استقرت في الأسابيع الأخيرة، عند سعر يتراوح بين /5.95 – 6.10/ ليرة، مقابل الدولار الواحد.
رياح التأرجح هذه، مرت باللاجئين السوريين، الذين تأثر وضعهم الاقتصادي والمعيشي بهذا الارتفاع والانخفاض، وما رافقه من تصاعد لأسعار المواد الغذائية، وكان لـ “نورث برس” لقاء مع لاجئين سوريين تحدثوا عن أحوالهم، في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها الأسواق التركية.
“حالة توتر” أثرت على السوق التركية 
تحدث محمود عثمان وهو كاتب مقيم في تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويملك عملاً خاصاً، بأن المعطيات التي يطرحها السوق التركي اليوم، توضح “حالة التوتر السياسية والعسكرية التي تعيشها المنطقة”، والتي تلقي بظلالها على الحالة الاقتصادية، وربط عثمان ذلك، بـ “الحشود الأمريكية وفرض العقوبات على إيران، وفرض رسوم مضاعفة على بعض المواد التركية المصدرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.”
عثمان أضاف في حديثه أن “ذلك كله خفض في سعر الليرة التركية، فيما يعد فرض العقوبات على إيران، ذو تأثير كبير، لكون إيران تعد ثاني مزود لتركيا بالغاز الطبيعي، كما أن التبادلات التجارية لتركيا كدولة إقليمية مهمة، تأثرت بهذه التخبطات السياسية والعسكرية”.
فيما اعتبر عثمان أن الليرة التركية عملة حرة، وتخضع لتجاذبات الأسواق العالمية، وتأثرت بذلك كما تأثُرت العملات الروسية والأرجنتينية وغيرها، ولفت إلى أن “العمالة السورية تخضع للعرض والطلب وعلى اللاجئين السوريين التعامل بخبرة أكثر من السابق مع السوق التركية اليوم، لأنهم باتوا ذوي خبرة في التعامل مع الوضع الاقتصادي ومتغيراته في تركيا.”
وأكد عثمان أن ارتفاع الأسعار يشمل الموطنان التركي والسوري على حد سواء، إلا أن حالة عدم الاستقرار والشعور بها، يجعل من السوريين ذوي أعباء أكبر، وأشار إلى أن “قلة من السوريين يتقاضون رواتب تحت الحد الأدنى للأجور، وغالبيتهم وصل لهذا الحد المتبع في تركيا والبعض تجاوز ذلك.”
تسابق في رفع الأسعار
غياث العامل في محل أغذية بمنطقة أفجلار في القسم الأوربي من مدينة اسطنبول، تحدث لـ “نورث برس”، عن أن “ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمستلزمات، نجم عنه تراجع المبيعات اليومية، واكتفاء الزبائن بشراء المستلزمات الضرورية، فيما باتت الكماليات، أموراً ثانوية” وأكد بأن التجار السوريون “يعمدون لرفع أسعار المواد الغذائية بشكل أكبر من التجار الأتراك”.
انخفاض في تحويل الأموال لسوريا
فيما يتحدث عبد الرحمن العامل في مكتب للصيرفة وتحويل الأموال، والمقيم منذ 6 سنوات في تركيا، عن أن “الحوالات التي ترسل إلى الداخل السوري، انخفضت نسبتها بنحو 15% عن السابق”، ولفت إلى أن “الانخفاض جاء بشكل تدريجي، مع شكاوى من فرق سعر الصرف في كل مرة، والذي بات واضحاً قياساً للأشهر والسنوات الفائتة.”
كذلك تحدث الرسام التشكيلي نهاد سراج، والذي يعمل في مصنع بمدينة اسطنبول, التي يقيم فيها منذ /4/ سنوات، عن “التأثير السلبي لانخفاض الليرة التركية، على الشعب التركي والمقيمين من اللاجئين السوريين والعرب في أكثر من ناحية”.
وشملت هذه النواحي وفقاً لـ سراج: “الاستغناء عن مواد مستهلكة في المنزل والمطبخ السوري، والاقتصار على الرئيسية منها والرخيصة، بالإضافة إلى أن راتب العامل بقي كما السابق، دون استجابة لطلبات الزيادة من قبل أرباب العمل، أو حتى رفع الراتب للحد الأدنى للأجور المحددة من قبل الحكومة التركية.”
وأضاف: “انخفاض الليرة التركية، أثر على قيمة ما نرسله لذوينا في سوريا، كما أن عدم الحصول على راتب يناسب هذا التضخم الحاصل، لم يمكننا من زيادة قيمة المبلغ الذي بات فرقه واضحاً عن السابق”، وسلط الضوء على مشكلته الشخصية بارتفاع أسعار المواد اللازمة للرسم، ما أثر على مهنته الرئيسية ودفعته لممارسة أعمال جانبية لإعانة نفسه مادياً.
هبوط الليرة التدريجي
كذلك تحدث شابان آخران, رفضا الكشف عن اسمهما, عن “عدم رضاهم” عن الحياة اليوم في تركيا، مع هذا الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، وتحدثوا عن رغبتهم في العودة إلى سوريا، إلا أن الوضع الأمني يمنعهم، وبخاصة أن أحدهم منشق  سابق عن القوات الحكومية السورية، وأضافا بأنهما كانا يعيشان في مدينة غازي عنتاب، قبل أن ينتقلوا إثر تعرضهم لمضايقات، ويشعرا بالفرق الكبير في المعيشة والأسعار بين اسطنبول ومدينتهم السابقة.
خبراء اقتصاديون مطلعون على الوضع التركي كانوا قد تحدثوا عن أن “العام 2005 يعتبر من أهم التواريخ في مراحل تطور الليرة التركية، إذ جرى اتخاذ قرار باتجاه الحد من التضخم، وإصدار قرار بحذف ستة أصفار من العملة، وطباعة أوراق نقدية جديدة للتداول.”
وأضافوا بأن “ثبات الحالة الاقتصادية ومعدل سعر الصرف أمام الدولار بقي مستقراً حتى العام 2011، حيث كان الدولار يعادل 1.50 ليرة، لتتسبب التوترات السياسية والعسكرية والأمنية بارتفاع تدريجي في سعر الدولار مقابل الليرة التركية، وبقي التأرجح مستمراً إلى العام 2016، ووصل الدولار الواحد لـ /3.5/ ليرة تركية، قبل أن تتصاعد التوترات بين واشنطن وأنقرة وتزيد من انخفاض الليرة التركية إلى وصلت لسعر أعلى بلغ 6.10 ليرة للدولار الواحد.