تحليل- التوتر الأمريكي الإيراني يكرّس العراق بلداً محايداً
الرياض ـ NPA
قبل بضعة شهور، كانت الولايات المتحدة تتطلع لاستخدام العراق في مواجهة النفوذ الإيراني، أو هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في شباط/ فبراير الماضي، من أن الولايات المتحدة ستبقي على قواتها في العراق بهدف “مراقبة إيران”.
لكن بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى العراق، أول أمس (الثلاثاء)، بدا أن إبقاء العراق “بلداً محايداً” أصبح مطلب واشنطن نفسها.
والتقى بومبيو، خلال زيارته المفاجئة إلى بغداد، الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
وقال بومبيو للصحفيين بعد اجتماعه مع عبد المهدي: “تحدثنا معهم عن أهمية أن يضمن العراق قدرته على حماية الأمريكيين في بلادهم بالشكل المناسب”.
وكان مسؤولون أمريكيون قد نقلوا تحذيرات استخباراتية من هجمات وشيكة تطال القوات الأمريكية، من دون أن يتم الكشف عن موقع التهديد، إلا أن الزيارة الأخيرة للوزير الأمريكي إلى بغداد توضح أن دائرة الخطر تكمن في العراق.
ويتمركز نحو أربعة آلاف جندي أمريكي في العراق، غالبيتهم في قاعدتين عسكريتين، هما الحبانية غرب بغداد، وعين الأسد في الأنبار.
وذكر بومبيو أن الهدف من الاجتماع أيضاً هو إطلاع المسؤولين العراقيين على “الخطر المتزايد الذي رصدناه حتى يتسنى لهم أن يوفروا الحماية بشكل فعال للقوات الأمريكية”.
وتنتشر في العراق فصائل مسلحة ضمن “الحشد الشعبي”. ففي 13 حزيران/ يونيو، عام 2014، أصدر المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، فتوى “الجهاد الكفائي” بالتطوع لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الذي احتل ثلث البلاد، ونجحت هذه الفتوى في وقف زحف “داعش” نحو بغداد، إلا أنه بعد إلحاق الهزيمة بالتنظيم، بدور فاعل من قبل متطوعي الحشد الشعبي، باتت لهذه الفصائل الكلمة العليا في العديد من مفاصل الدولة.
وخلال زيارته بغداد، لم يتطرق بومبيو بالاسم إلى فصائل الحشد الشعبي، لكنه ذكر أن الولايات المتحدة حثت العراق على التحرك بسرعة لإخضاع الفصائل المستقلة التي تقع تحت النفوذ الإيراني لسيطرة الحكومة المركزية، مشيرا إلى أن هذه الفصائل تجعل العراق “بلداً أقل استقراراً”.
وتنقسم فصائل الحشد الشعبي بين ثلاث مرجعيات رئيسية، أقواها هي الفصائل التي تتبع لنظام ولاية الفقيه، في “قم” الإيرانية، ومن أبرز هذه الفصائل “عصائب أهل الحق” ومنظمة بدر” و”النجباء”.
وقد استطاعت هذه الفصائل الحصول على المركز الثاني في عدد المقاعد بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، العام الماضي، حيث يقود هادي العامري، كتلة الفتح.
وهناك فصائل ذات مرجعية عراقية، وتنقسم إلى فصائل موالية لمرجعية النجف، بزعامة السيستاني، وهي فصائل تعاني من أوضاع مادية سيئة بسبب عدم استيلائها على الموارد العامة، وهو ما فعلته الفصائل الموالية للمرجعية الإيرانية.
وهناك فصائل تتبع رجل الدين مقتدى الصدر، بقيادة “سرايا السلام”.
ورغم الطابع المستقل للتيار الأخير إلا أنهم يشاركون الفصائل الموالية لإيران في الموقف السلبي تجاه القوات الأمريكية في العراق.
ويطلق قادة صغار في الحشد الشعبي، بين فترة وأخرى، تهديدات باستهداف القوات الأمريكية في العراق إذا استخدمت واشنطن الأراضي العراقية لمهاجمة إيران.
ولم يسبق أن أخذت الولايات المتحدة هذه التهديدات بجدية. ويمكن لأي هجوم يلحق خسائر بالقوات الأمريكية في العراق أن يسبب حرجاً كبيراً للرئيس الأمريكي الذي يكافح للفوز بولاية رئاسية ثانية.
ولا تملك إيران مكاناً أكثر ملاءمة لمهاجمة المصالح الأمريكية أكثر من العراق.
والأرجح، بعد زيارة بومبيو، سيتم تكريس العراق بلداً محايداً، على علاقة وثيقة بالطرفين.
وحملت زيارة بومبيو بعداً اقتصادياً. فقد أشاد بـ”قرار مجلس الوزراء العراقي دعم مساعي وزارة النفط للاتفاق مع شركة أكسون موبيل الأمريكية حول مشروع الجنوب المتكامل”.
وقبيل زيارة بومبيو، قال رئيس الوزراء العراقي إن العراق يقترب من توقيع اتفاق في مجال الطاقة مدته /30/ عاما مع “إكسون موبيل” و”بتروتشاينا” مقابل /53/ مليار دولار.
ويتضمن المشروع العملاق في جنوب العراق تطوير حقلي “نهر بن عمر” و”أرطاوي” النفطيين، وزيادة إنتاجهما إلى /500/ ألف برميل يوميا من نحو /125/ ألف برميل يوميا في الوقت الحالي.
ويتوقع العراق جني /400/ مليار دولار على مدى الأعوام الثلاثين التي سيسري فيها الاتفاق، بحسب ما صرح به رئيس الحكومة عادل عبد المهدي.
وكانت تقارير صحفية وتسريبات قد تحدثت قبل زيارة بومبيو، أن العراق طرح صفقة لتوقيع الاتفاق مع “إكسون موبيل” مقابل إعفائه من العقوبات الأمريكية على إيران.
ونفى مسؤولون عراقيون الارتباط بين الملفين، بشدة.
إلا ان زيارة بومبيو ترجح الارتباط، فقد نقل موقع “السومرية نيوز” عن مصدر عراقي، أنه خلال اللقاء بين برهم صالح وبومبيو، “تم التأكيد على تمديد استثناء العراق من العقوبات على ايران فضلاً عن عدم التصعيد معها”.
هكذا يكون العراق قد عزز موقعه كبلد محايد، واشترى الإعفاء من العقوبات بصفقة ضخمة مع الشركة الأمريكية.