القامشلي – إبراهيم إبراهيمي/عباس علي موسى – NPA
يلجأ سائقو سيارات الأجرة في مدينة القامشلي منذ شهر إلى الاعتصام والإضراب عن العمل، كحلّ للمشكلة التي لا يجدون لها حلّا سوى برفع الأجرة تفاديا للتعرّض للخسارة، في مهنة يراها مزاولوها أنّها الأكثر غبناً بين المهن الأخرى.
في السادس من أيار/مايو، وقبلها في العشرين من نيسان/أبريل قام سائقو سيارات الأجرة في خط الهلالية – مركز المدينة (يربط حي الهلالية غربي مدينة القامشلي بمركز المدينة) بالاعتصام والإضراب عن العمل لساعات، احتجاجا على تعرفة الركوب والمحددة بـ /50/ ليرة سورية(أقل من عشر سنتات أمريكية)، والمطالبة برفعها إلى 75// أو /100/ ليرة سورية، كما قام سائقو خط الكورنيش في الثاني من أيار/مايو أيضا بإضراب عن العمل، وكانت المطالب والحديث عن غلاء أسعار الصيانة في المدينة الصناعية، وعدم أهلية البنية التحتية لشبكة الطرقات، وغلاء البنزين السوبر مؤخرا والتي تفاقم من أزمة السائقين.
وتعمل أكثر من /1200/ سيارة أجرة (تكسي) على خطوط الخدمة الأساسية لربط الأحياء بمركز السوق، فيعمل على خط الهلالية /225/ سيارة أجرة، وخط الكورنيش /400/ سيارة، خط الكراجات /160/، العنترية /125/، قناة السويس (تاخا جودي) /250/ سيارة أجرة، تضاف إليها خطوط أخرى لسيارات الأجرة التكسي وسيارات الأجرة الميكرو، حيث يبلغ إجماليها حوالي /2000/ سيارة أجرة (تكسي – ميكرو) لعشر خطوط تخدّم المدينة وتربط الأحياء بمركز المدينة.

القامشلي – موقف سرافيس هلالية
“الرمد أفضل من العمى”
وتعمل معظم سيارات الأجرة بدوامين، وتكون غالبا مملوكة لشخصين، أو لأشخاص يضعونها تحت تصرّف سائق بنظام المحاصصة، ما يعني أنّ كل سيارة تقتات عليها عائلتان وأحيانا ثلاثة بشكل كلّي أو جزئي.
غسان الرفاعي وهو سائق تكسي على خط الكورنيش نازح من مدينة حمص، يقول لـ”نورث برس” أنّه يتقاسم السيارة مع شريكين آخرين، وأنّه يعيش بشكل رئيسي على عمله كسائق وشريك في سيارة الأجرة هذه، ويؤكد الرفاعي أنّ جلّ السيارات يعمل عليها على الأقل اثنان، أو تكون مملوكة لواحد ويعمل عليها سائق، وهو ما أكّده السائقون الآخرون ممن التقت “نورث برس” بهم أثناء إعداد التقرير.
وبسبب البنية التحية المتردية لشبكة الطرق داخل المدينة، والتي فاقمت الهطولات المطرية الغزيرة في تخريبها بشكل أكبر، فإنّ السيارات تتعرّض لأعطال كثيرة، يُضاف إليها نوعية البنزين ذات الجودة المنخفضة، وغلاء البنزين السوبر ليصل إلى /410/ ليرة سورية (70 سنت أمريكي) لليتر الواحد.
يشتكي السائقون من الأعطال الكثيرة التي تواجههم بسبب الطرقات والبنزين، حيث يوكّد غسان الرفاعي أنّه تكلّف في الشهر الفائت بمبلغ /140/ ألف ليرة سورية (حوالي 250 دولار) لتغطية الأعطال، ويؤكد أنّ وسطي الأعطال الشهرية لا تقلّ عن مبلغ /30/ ألفا (50 دولار) لسيارات الأجرة.
بينما يقول حسين وهو سائق على خط الكراجات إنّه وضع مبلغ /100/ ألف ليرة سورية (175 دولار) لتصليح سيارته، وأنّه تكلّف منذ فترة ليست ببعيدة مبلغ /150/ ألف ليرة سورية (260 دولار) لتصليح دوزان السيارة.
وتواجه سيارات الأجرة أعطال متكرّرة مثل (البواجي – البخاخات – الغطاسات) وهي أعطال لها علاقة بنوعية البنزين، حيث يضطر سائقو السيارات لخلط البنزين السوبر ببنزين أقلّ جودة للتخفيف من سعره الغالي، ليستطيعوا أن يوازنوا بين تكاليف السيارة وعملها، وأما الأعطال الأخرى فتتمثّل بأعطال مختلفة لدوزان السيارة والتي تتأثر بحالة الطرقات المليئة بالحفر.
يؤكّد صابر محمود لـ”نورث برس” وهو سائق على خط الهلالية بأنّه تكلّف بمبلغ /185/ ألفا (325 دولار) في الشهر الفائت، فسيارته حديثة – كما يقول – وقد كلّفته حين شرائها بمبلغ /5/ ملايين ليرة سورية (8770 دولار)، ويرى أنّ السيارات الحديثة تتضرر أكثر من نوعية البنزين التي يقول بأنّها تحتوي كميات مازوت، ويقول بأنّ رفع الأجرة إلى /100/ ليرة سورية لن يحلّ المشكلة نهائيا لكنّه سيخفّف منها، فـ “الرمد أفضل من العمى”.
ويغامر سائقو سيارات الأجرة بأخذ “أجرة زائدة” من الركاب، مع أنّ مخالفتها هو /65/ ألفاً (115 دولار)، ويعدّونها مطلبا مشروعا إلى حين موافقة الجهات المسؤولة على مطالبهم، وخلال إعداد التقرير تم مصادفة عدد من السائقين وهم يتقاضون مبلغا زائدا عن التعرفة المحدّدة.
ماذا عن نقابة السائقين؟
وينتظم السائقون نقابياً في “نقابة السائقين في قامشلو – اتحاد سائقي الجزيرة” والتي تنظّمها حركة المجتمع الديمقراطي (تأسست في 16 كانون الأول/يناير 2011، هدفت لتنظيم المؤسسات المختلفة قبل إعلان الإدارة الذاتية عام 2014)، وتعمل النقابة على فضّ النزاعات بين السائقين ومتابعة قضاياهم ومحاولة حلّها دون اللجوء للمحاكمات، وكذلك نقل مطالبهم للهيئات والمؤسسات في الإدارة الذاتية الديمقراطية.
وعادة ما تقوم النقابات بالإضرابات والاعتصامات بهدف الضغط على السلطات لتنفيذ مطالبهم أو استصدار قرارات يرون فيها مصالحهم، إلا أنّ الاعتصامات والإضرابات التي قام بها سائقو سيارات الأجرة في خطي الهلالية والكورنيش لم تكن بتنظيم منهم.
ويعلّق نجم الدين عثمان (الرئيس المشارك لنقابة السائقين في قامشلو) على اعتصامات وإضرابات السائقين وقيامهم بالاحتجاجات دون الرجوع إليهم، شارحا لـ”نورث برس” “كيف سندافع عنهم وهم خارجون عن العمل النقابي ولا يستشيروننا فيما يفعلونه”، وبحسب عثمان فإنّهم رفعوا مطالب السائقين بطلب رفع الأجرة إلى الجهات المعنية أصولاً وهي (اتحاد السائقين في الجزيرة وهيئة الاقتصاد)، إلا أنّ الأمر يحتاج إلى دراسة بحسب عثمان، الذي يختم قوله “نحن مع السائقين لأنّنا نعرف همومهم”.

نجم الدين عثمان (الرئيس المشارك لنقابة السائقين في القامشلي)
ومنذ العشرين من نيسان/أبريل كانت هناك ثلاثة اعتصامات وإضرابات عن العمل لساعات، كما أنّ أحد السائقين قال لـ”نورث برس” أنّهم رفعوا هذه المطالب منذ أشهر، ولم ترد أية إجابات بشأن هذه المطالبات حتى اللحظة.
سرفيس أم خصوصي؟
سعر تعرفة ركوب سيارات الأجرة في خطوط (هلالية – الكورنيش – العنترية – الكراجات) هي /50/ ليرة سورية، ويطالب السائقون برفعها إلى 75// أو /100/ ليرة سورية، ومع أنّهم لم يلقوا استجابة لهذه اللحظة لمطالبهم إلا أنّ الكثيرين منهم يودون فرضها عبر الأمر الواقع، فمنذ أيام يأخذ السائقون في هذه الخطوط مبلغ /75/ ليرة سورية.

تعميم صادر من نقابة السائقين في القامشلي
وقد أصدر الاتحاد العام للسائقين تعميماً يقضي بعدم رفعهم تعرفة الركوب بحسب ما قال داوود عبد الله، وقد تمت مشاهدة التعميم الذي تم تعليقه في موقف خط الهلالية أثناء إعداد التقرير، والذي تم تمزيقه بعد يوم من إصداره.
ويقول نشوان محمود (يعمل مدرساً) إنّ مرتّبه الشهري هو /40/ ألف ليرة سورية(70 دولار)، وأنّه يرتاد السوق ثلاث إلى أربع مرات يوميا، وأنّ أي زيادة في تسعيرة سيارات الأجرة ستؤثر في حساباته، وأنّه سيفكر قبل المجيء إلى السوق فيما إن تم رفع الأجرة.
بينما يرى أسعد – موظّف لدى الإدارة الذاتية ويتقاضى/70/ ألف ليرة سورية(122دولار) – أنّ “رفع الأجرة هو الحلّ” ويعلّل ذلك بقوله “سيارات الأجرة تتنصّل من العمل على الخط وتبحث عن الـطلبات (الخاصة) لذا نضطر للوقوف لنصف ساعة أحيانا حتى يأتي سرفيس”.
والعمل بالطلبات (الخاصة) ليست من حقّ سيارات الأجرة على خطوط السرفيس إلا أنّهم يلتجؤون إليها لأنّها تكون ضعف ما يقبضونه فيما إذا أخذوا ركاب على الخط، فيتقاضون مبلغ /500/ ليرة سورية (تقريباً دولار) في “الخصوصي” بينما يحملون في النقلة الواحدة في السرفيس خمسة ركاب بـ /250/ ليرة سورية (تقريباً نصف دولار).
وفي سيارة الأجرة بين الكراجات ومركز المدينة تتناقش سيدتان مع السائق وتؤكدان على حقه في طلب الزيادة في الأجرة، وتدفعان /75/ ليرة سورية، وتقولان، هذا أفضل من أن نتأخر بانتظار سيارات الأجرة أو اللجوء لاستئجار سيارة خصوصية.
ويبدو أنّ سائقي السيارات يبحثون عن رفع أجرة التنقلات كحلّ مضمون فيما يتنازلون عن مطلب ضبط الأسعار في الصناعة وتحسين جودة البنزين، والتي ربما يجدونها أصعب بكثير من رفع تعرفة الأجرة.