ميقات العبادة والحياة.. الإمام الساعاتي يستهل رمضانه الـ 86 بين ساعاته

القامشلي-  إبراهيم إبراهيمي/ عباس علي موسى – NPA                            
من خلال نظارته المزدوجة؛ والتي صنعها خصيصا كي تسعفه في العمل, يحدّق الإمام محمد الساعاتي بعينه اليسرى إلى الأجزاء الصغيرة للساعة, وبيديه المرتجفتين يدفع بالمفكّ الصغير بين أجزائها الدقيقة, يشدّ بعضها ويفكّ أخرى.
إنه الإمام محمد شيخ صالح البالغ من العمر /86/ عاماً, قضى /63/ منها وهو يمارس مهنة تصليح الساعات, وإماما للمصلّين.
جرس البداية
وعن البدايات في تلقّي العلوم الشرعية ومهنته كساعاتي يقول الإمام محمد شيخ صالح “تعلّمت قراءة القرآن وأنا في السابعة من عمري, في قرية جاغر بازار بريف عامودا, من ثم زاد شغفي بقراءة الكتب الدينية, ومن ثمّ عشقت تصليح الساعات وتعلمت المهنة في دمشق خلال أربعة أيام فقط”، يبتسم الإمام لهذه المعلومة التي يسرّ بها في كلّ مرة؛ وكأنّه يقول أربعة أيام في مقابل 63// عاماً.
عايش الإمام حقبة الانتداب الفرنسي في سوريا، وكان يومها طفلاً في قريته قحفكا بريف عامودا, فيقول “ما زلت أتذكر العسكر الفرنسيّ جيدا” وعاصر الإمام كذلك الحرب العالمية الثانية, ويوجز ظروف الحرب بقوله “في تلك السنين جعنا وعطشنا كثيرا”.
مارس الإمام مهنته كساعاتي منذ العام 1956 في مدن عديدة, حيث أجبرته الظروف, السكن مع الأسرة في كوباني/عين العرب وريفها 12// عاماً, ساعاتيا وإماما لجوامعها, قضى مثلها في عامودا, من ثم استقرّ به المُقام في مدينة القامشلي، ولا يزال إماما لجامع النور فيها إضافة لمزاولته لمهنته.
ينظر الإمام بعينه اليسرى لأنّ اليمنى فقدت وظيفتها منذ زمن بعيد, ويرتكز في المشي على عكازته جيئة وذهابا، ما بين الجامع ودكانه الصغير, يقول الإمام “كنت في السابق أصلّح جميع أنواع الساعات حتى الصغيرة منها, أما الآن وقد غلبني الزمن, أقوم بتبديل البطاريات والقشاطات وبلّور الساعات فقط”.
 ويضيف شارحا وضعه الصحيّ “إنّ عيني لم تعد كما في السابق كما أنّ يديّ ترتجفان, وركبتاي توجعاني, إنّه الزمن” إنّه الزمن الذي لن يستطيع تبديله ببطارية أو يُصلحه فيمضي به قويا من جديد.
مواقيت للصلاة والصوم
يحكي الإمام عن ثقافة الساعات في حياة الناس، فيشرح لنا مواقيت الصلاة قبل الاعتماد على الساعات، ويُشير بعكّازه إلى الظلال، ويشرح الفجر الصادق والكاذب والغسق، والزوال ومواقيت العصر والغروب وغياب الشفق، قبل أن تحلّ ساعات الجيب محلّ عين الأئمة والمؤذنين.
ويشرح الإمام كيف أنّ الناس في وقته كانوا يستخدمون ساعات الجيب لغاية معرفة مواقيت الصلاة، ولم يكن لها موديلات كثيرة، كما كانوا يستخدمون الساعات التي تحمل جرسا منبِّها لغاية الاستيقاظ في السحور.
يوضح الساعاتي: “لم تكن هناك سوى ساعات الجيب, وكذلك تلك التي توضع في المنازل, وأغلبها كانت لغاية التنبيه في سحور رمضان, وكانت أسعارها ما بين 5-7 ليرات سورية”.
وفي مستقرّه الأخير في مدينة القامشلي لم ينفكّ محمد شيخ صالح عن إمامة جامع النور، وذلك منذ عام 1981، حيث تم بناء الجامع وتلاه بناء دكانه بعد عدة سنوات، ولا يزال إماما وساعاتيا منذ /38/ عاماً فيقول “كان سكني وعملي دائما بجوار الجامع”.
يمارس الإمام عباداته كاملة كما أنّه يصوم شهر رمضان إلى جانب عمله في تصليح الساعات, فيقول ” أنا أصوم وأعمل في أيام رمضان دون أن أكترث”، ويبدو أنّ جَلَده أمام الصوم نابع من صبره في التعامل مع الأجزاء الصغيرة للساعات.
 يداوم الإمام الساعاتي في دكانه طيلة النهار، عدا أوقات الصلاة واستراحات الطعام, ويفتح دكانه من الساعة الثامنة صباحا وحتى موعد صلاة العشاء. 
ولا زال الإمام محمد شيخ صالح يفحص الساعات بعينه اليسرى, ويحتفظ منذ العام 1956 ببعض معدّاته في تصليح الساعات, وهي مطرقة ومفك صغير, يفكّك ويركّب بهما أجزاء الساعة, ويعود بعقاربها إلى الدوران.