تحليل – سوريا ومرحلة أستانا: ألاعيب ما وراء الكواليس

موسكو – فرهاد باتييف – NPA
انعقدت بتاريخ (25 و 26) من نيسان/أبريل 2019 في عاصمة كازاخستان نور سلطانة (آستانا سابقاً) الجولة الثانية عشر من مباحثات آستانا. حيث حضر المباحثات الممثلين الرئيسيين للمباحثات (روسيا, تركيا, إيران) بالإضافة لحضور ممثلي الأمم المتحدة والأردن. 
ويكمن الاختلاف بين هذه الجولة والجولات الإحدى عشر السابقة، في أن الحوار في الجولة الــ/12/ لآستانا، دار تحت مظلة قرارات الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر جيش الثورة الإسلامية الإيرانية “منظمة إرهابية”, وتعتبر منطقة الجولان الواقعة في جنوبي سوريا جزء من الأراضي السورية, وتمنع شراء البترول من إيران. 
وكانت أزمة نظام الدفاع الجوي /S-400/ والطائرات الحربية /F-35/ والتي تزيد من حدة الجدال والتوتر بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية ومشكلة نقص المحروقات في سوريا، خطاً آخر لنقاشات هذه الجولة. 
وتعقد الدول الضامنة لمباحثات أستانا هذه الاجتماعات باسم “حل الأزمة السورية”، ولكن في الأساس كل طرف ينفذ أجنداته.
وترى روسيا أن الشرق الأوسط له مكان خاص في نظام الاقتصاد العالمي والذي يؤثر بشكل مباشر على السياسة المحلية والدولية. 
يُعتبر الشرق الأوسط مصدراً كبيراً للطاقة ومنطقة مهمة، وفي نفس الوقت يعتبر سوقاً مهمة لشراء وبيع الأسلحة. فالخروج أو الابتعاد عن هذه المنطقة يعني الابتعاد عن مركز السياسة والسلطة العالمية. لذا تعتبر الدول التي تريد أن يكون لها في الساحة الدولية شأنٌ وتأثير في الخروج أو الابتعاد عن الشرق الأوسط خطرٌ يهدد وجودها.
فبعد سقوط دول الاتحاد السوفييتي وصمت موسكو والتي غالباً ما كانت تنشغل بالمشاكل الداخلية والدول المجاورة لها, ببداية “الربيع العربي” وبالأخص ببداية الحرب في سوريا، غيّرت روسيا من سياستها الخارجية. وترى روسيا أن الأحداث في سوريا والحلقة الأخيرة لوجود روسيا في الشرق الأوسط ماهي إلا محاولة لإبعادها عن المنطقة الاستراتيجية.
 ونجحت محاولات روسيا بالعودة إلى منطقة مصر وليبيا ولكن محاولتها في السودان بإسقاط نظام عمر البشير باءت بالفشل.
في الوقت الحالي تُعتبر سوريا المكان الأكثر سيطرة من قبل روسيا والتي تستمر في السيطرة عليها. 
بتاريخ 20 من نيسان/أبريل 2019، وقعت كل من روسيا وحكومة دمشق على عقد تسليم ميناء طرطوس إلى روسيا لــ/49/ سنة. وفي آب 2015 تم توقيع عقد تسليم قاعدة حميميم العسكرية لروسيا لـ49 سنة وفي كانون الثاني 2017 تم أيضاً توقيع عقد توسيع قاعدة الدعم المادي والتكنيكي لقوات البحرية الروسية في طرطوس لــ/49/ سنة. 
كان من المفترض أن تكون تركيا هي الرابح الأكبر في “الربيع العربي”، ولأجل تنفيذ ذلك المشروع تم إعطاء تركيا الدور الأبرز، وكانت تركيا تُعرف كنموذج مقبول “للدولة الإسلامية المعتدلة”, لكن نشوة النصر وعدم الثقة بالبديل التركي في هذه اللعبة الكبيرة جعل تركيا تقع في أخطاء كبيرة.
ومن بين تلك الأخطاء التي وقعت بها تركيا هي محاولتها اتباع سياسة مستقلة في المشروع العالمي والتي جعلت بعض الأمور تمشي خارج الخطة المرسومة ويتسبب في تناقض بين الجهات الراسمة للخطة. أما الخطأ الثاني, فقد عاندت تركيا الكرد واستغلت الإمكانيات غير المحدودة التي قدمتها القوى العالمية لها ضد الكرد حتى وصلت إلى مرحلة تقديم الدعم علناً لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
الخطأ الثالث, أن تركيا أرادت في وقت قصير أن تكسب الربح الأكبر لشراء النفط من تنظيم “الدولة الإسلامية” والذي ارتطم بحائط المصالح الروسية، فزيادة النفط الرخيص في السوق العالمية جعل في وقت قصير سعر النفط ينخفض درجتين، ولأن اقتصاد روسيا يعتمد على سعر النفط والغاز، فقد تأثرت ميزانية الاقتصاد الروسي مما سبب انزعاجاً كبيراً لدى روسيا.
أما الخطأ الرابع, فهو ثقة تركيا الكبيرة بمساندة القوى الدولية لها, فتركيا لم تُعر اهتماماً للانزعاج الروسي وقامت باستهداف طائرة عسكرية روسية.
في الوقت الذي انكشفت فيه علاقة تركيا بتنظيم “الدولة الإسلامية” والأسباب الجدية التي بين الحلف الأطلسي وروسيا بسبب الأخطاء التي قامت بها تركيا, لم تتلقَ تركيا الدعم من القوى الدولية وبقيت مع المشاكل التي خلقتها بنفسها بشكل دائم.
الحرب من أجل مصادر الطاقة
شروط تقدم التكنولوجيا, هي زيادة احتياج للطاقة, لذا فالدول أو المناطق التي تمتلك مصادر الطاقة تُعتبر ذات أهمية بالغة، ففي هذه الحالة، الدول أو المناطق التي تمتلك مصادر الطاقة أمامها خيارين، إما أن تقوى لدرجة تتمكن من البقاء على قدميها في السياسة العالمية وتلعب دور البائع الرابح أو تصبح  ضحية الدول التي تريد السيطرة على مصادر طاقتها.
في قارة آسيا-أوروبا، هناك مكانين مهمين لمصادر الطاقة، هما روسيا والشرق الأوسط، وفي نفس القارة المستورد الأكبر للنفط والغاز هي أوروبا. في هذه الحالة تتوجه أعين روسيا ودول الشرق الأوسط والتي تعتبران مصدرين للغاز والنفط  صوب السوق الأوروبية. 
في هذا الوضع روسيا ودول الشرق الأوسط منافسان لهذه السوق, وخطوط الطاقة (النفط والغاز) لدول الشرق الأوسط نحو المستورد الأكبر (الدول الأوروبية) تعتبر بديلة عن الخطوط الروسية.