غازي عنتاب – NPA
لم تعد تهديدات المعارضة التركية بالتضييق على اللاجئين السوريين في تركيا، مقتصرة على برنامجها الانتخابي فحسب، حيث بدأت تترجم إلى تصريحات صارمة تصدر عن رؤساء بلديات فازوا خلال انتخابات البلديات مؤخراً، الأمر الذي قوبل برد من قبل الحكومة التركية, تأكيداً منها على مواصلة دعم السوريين في تركيا.
إلا أن التطمينات هذه رافقتها مخاوف لدى كثير من اللاجئين السوريين، سواء من التقتهم “نورث بريس” أو الذين عبروا عنها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالرغم من رفض عدد من السوريين الذين تواصلت معهم الوكالة الحديث عن الموضوع, إلا أن آخرين عبروا عن هواجسهم مفضلين عدم البوح باسمهم الصريح خوفا من أية تبعات.
هواجس
ميرنا الأحمد لاجئة سورية (30 عاماً) تحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة حلب ومقيمة بولاية اسطنبول, تقول أنها كانت تراقب التصريحات والمواقف الصادرة عن الأحزاب التركية فترة الانتخابات، مؤكدة “كان لدينا شعور إيجابي بفوز الحزب الحاكم بالانتخابات ما يبعد خطر تهديدات المعارضة حول اللاجئين السوريين وإعادتنا إلى سوريا”.
إلا أن إعلان اللجنة العليا للانتخابات فوز مرشح حزب الشعب المعارض أكرم إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول الكبرى الخميس، زاد من هواجس السوريين حسب ميرنا، متسائلة “هل سيحذو من سبقه من رؤساء بلديات أخرى وعلى رأسها بلدية بولو بمنع تصاريح العمل عن اللاجئين وإيقاف أية مساعدات عنهم؟”
ويقدر عدد اللاجئين السوريين في اسطنبول بحسب بيان صدر مؤخراً لـ”المديرية العامة للتعلم مدى الحياة” التابعة لوزارة التربية التركية، /559/ ألف شخص، وهذا يعني أن المدينة تستضيف سوريًا واحدًا من كل /6/ سوريين موجودين في عموم تركيا.
وكان تانجو أوزكان مرشح حزب “الشعب الجمهوري” الفائز برئاسة بلدية بولو ، قد وجه رسالةً شـديدة اللهجة للسوريين حول اتخاذه قراراً بمنع منحهم أي تراخيص عمل في المدينة، فضلاً عن منعه تقديم المساعدات المالية أو العينية لهم من قبل بلدية المدينة.
وسبق لأوزكان أن نشر عبر حسابه الخاص في “تويتر” مقطعاً مصوراً، يعد فيه الناخبين الأتراك بعدم إعطاء قرش واحد من ميزانية البلدية للسوريين المقيمين في الولاية، متوعداً بإيقاف منح رخص العمل لهم”.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في “بولو”، /1677/ لاجئاً، بنسبة تبلغ %0.55 مِن مجموع سكان الولاية الذين يبلغ عددهم /311.810/ حسب آخر إحصائية رسمية صادرة عن الداخلية التركيّة.
ومحافظة بولو إيلي هي مقاطعة تقع في شمال غرب تركيا، وهي عبارةٌ عن نقطةٍ حيويّةٍ مهمة بين العاصمة أنقرة وإسطنبول.
هل سيعيدوننا إلى سوريا؟
معظم الذين التقتهم “نورث بريس” وحسب رصد مراسلها في تركيا لوسائل التواصل الاجتماعي، يظهر تساؤل يشكل الهاجس الأكبر للاجئين، وهو “هل سيعيدوننا إلى سوريا؟” في إشارة إلى تصريحات سابقة عن المعارضة بنيتها إعادة اللاجئين حال فوزها بالانتخابات التركية.
أما محمد السيد(25 عاما)، لاجئ سوري مقيم في ولاية هاتاي, متفائل على عكس الكثير من السوريين، ويقول “نحن لاجئون بصفة إنسانية, لن تسمح الحكومة ولا حتى الشعب التركي بدفعنا لنموت داخل سوريا، الحرب متواصلة وانعدام الأمن أيضاً.”
ويشير السيد في الوقت نفسه إلى أن “الظروف السياسية ليست ملائمة حتى اللحظة لقرار كهذا”، مؤكداً “حتى الدول الغربية ستدفع لمنع خطوة كهذه من التنفيذ”.
وخلافاً لـ”السيد” يرى لاجئ سوري مقيم في اسطنبول (27 عاما) رفض الكشف عن اسمه، أن بإمكان الحكومة التركية إعادة لاجئين إلى سورية كما حصل في عشرات الحالات السابقة, حيث تمت اعادة سوريين بحجة دخولهم بطريقة غير شرعية واخلالهم بالأمن.
يشار أنه سبق لكمال دنيز بوزكورت, مرشح حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، والفائز برئاسة بلدية أسنيورت باسطنبول، أن أكده بلديّته ستتخذ جملة من القرارات الجديدة فيما يتعلّق بالمحال التجارية الخاصة بالسوريين، الأمر الذي يثير مخاوف السوريين.
“ليست كل المساعدات من الحكومة”
محمد صالح (29 عاماً) مقيم في ولاية غازي عنتاب، يقول رداً على تصريحات رئيس بلدية بولو، إن السوريون معظمهم لايعتمد على المساعدات, “نعمل لساعات طويلة وبجهد كبير وبمدخول أقل من أقارننا الأتراك وعلى الرغم من ذلك نحن قادرون على تأمين لقمة عيشنا”.
ويؤكد صالح تقتصر المساعدات المقدمة من البلديات التركية عادة على كميات من الفحم المخصص للتدفئة في فصل الشتاء وبعض الوجبات الغذائية للعائلات الفقيرة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المساعدات المالية التي يقدمها الهلال الأحمر التركي هي منح من دول الاتحاد الأوروبي وبالتالي ليس للحكومة التركية شأنٌ فيها، خلافاً لما روجته أحزاب معارضة خلال حملتها الانتخابية.
وينوه صالح “لسنا عالة على المجتمع التركي لكننا نثمن في الوقت نفسه أية مبادرات وجهود من الحكومة والشعب التركي في الوقوف بجانب اللاجئين”.
ردود و مبادرات
وعكست تصريحات رئيس بلدية بولو تجاه السوريين ردود افعال لدى مرشحين فازوا ببلديات تركية, وحتى لدى الرئيس التركي أردوغان، إضافة إلى مبادرات أطلقتها جمعيات تركية لدعم اللاجئين.
وأكد أردوغان في تصريحات صدرت الخميس, 18 نيسان/ ابريل الحالي، مواصلة حكومته دعم السوريين الذين تستضيفهم تركيا على أراضيها، قائلاً: “سنواصل دعم السوريين عبر قناة الحكومة والولايات، بالرغم من اعتزام زعيم أكبر أحزاب المعارضة إرسالهم إلى بلادهم”.
ووجّه صافجي صايان رئيس بلدية “أغري” في تغريدة له على “تويتر”، رسالة لـ السوريين الموجودين في ولاية “بولو” قائلاً لهم “إلى السوريين الموجودين في ولاية بولو.. ننتظركم في ولاية أغري، نحن نتقاسم رغيف خبزنا”.
ووبّخ “صايان” عبر تغريدته، زميله الرئيس الجديد لـ بلدية بولو, تانجو أوزجان، إذ نشر صورة له وهو يقبّل المصحف، قائلاً “لا يكفي تقبيل المصحف، ولكن يجب أن تطبق ما جاء فيه أيضاً”، وذلك ردّاً على تصريحاته حول قطع المساعدات عن السوريين.
بدورها رفعت 9 جمعيات تركية بينها جمعية “حجر صدقة Sadakataşı” دعوى قضائية ضد رئيس بلدية بولو بسبب تهديده العنصري للسوريين القاطنين في نطاق بلديته, مؤكدة تحضيرها لبرنامج رمضاني جامع بين السوريين والأتراك في منطقة بولو خلال شهر رمضان القادم.
يشار أنه حسب إحصاءات إدارة الهجرة التركية، فإن نحو 3.2 ملايين سوري معظمهم يخضعون لـ قانون “الحماية المؤقتة” وينتشرون في جميع الولايات التركّية، وخاصة الولايات القريبة مِن الحدود مع سوريا.