عودة مقاتلي التنظيم الأجانب تقلق الاستخبارات الأمريكية.. وخبراء يؤكدون: حادثة جسر لندن تعقّد إمكانيته

واشنطن – هديل عويس –NPA

 

أعاد هجوم جسر لندن من قبل سجين سابق مؤيد لتنظيم "الدولة الاسلامية" الحديث في الأروقة السياسية الغربية عن سجناء التنظيمات المتطرفة وطريقة التعامل معهم الى الواجهة، لينعكس القلق من هذه الحادثة على حديث ماكرون التصعيدي مع الرئيس ترامب على هامش اجتماعات الناتو في لندن.

حيث يقول الخبير الأمني الأمريكي نيكولاس هاريس لـ"نورث برس"، إن حادثة لندن ستأخذ بعداً كبيراً في العالم الغربي بالنسبة لطريقة التعامل مع سجناء التنظيم المتطرف مستقبلاً، فالإرهابي الذي قام بحادثة جسر لندن كان سجيناً بتهم الإرهاب ويخضع لعملية تأهيل مكثفة في سجون بريطانيا ورغم ذلك قام بحادثة ارهابية هزت المجتمع الغربي فور خروجه من السجن ما يطرح أسئلة كثيرة اليوم حول مدى نجاح القوانين الغربية في ردع هؤلاء الارهابيين وخطورة تواجدهم في الدول الغربية التي لا تملك حكوماتها قوانين تمكنهم من سجن المتهمين بالإرهاب إلى الأبد، كما تثبت البرامج التأهيلية مع هؤلاء على أنها مغامرة وإنفاق لأموال دافعي الضرائب دون نتيجة مؤكدة من أنهم سيغيرون سلوكهم.

من جانبه يقول ديفيد بولوك، كبير الخبراء في معهد واشنطن، لـ"نورث برس" إن عشرات الالاف من سجناء تنظيم "الدولة الاسلامية" يبقون معضلة كبيرة بالنسبة للغرب والعالم برمته، والعالم لازال يتذكر كيف خرج زعيم "الدولة الاسلامية" وغيره من وجوه التنظيم من سجناء القاعدة في العراق حين انفلتت الامور الأمنية في العراق وخرجت الولايات المتحدة في العام 2011.

 مضيفاً؛ "هؤلاء السجناء يتحينون الفرصة لأي انفلات أمني لكي ينقضوا مجدداً على المنطقة ويمضون بمشاريعهم التصديرية للفكر الإرهابي إلى أمريكا ودول أوروبا وبالتأكيد الخطر القائم لا يأتي فقط من السجناء من أصول غربية وبالتالي الحديث عن اعادة هؤلاء وتجاهل كل تعقيداته ليس أكثر من موضوع للتراشق السياسي بين الدول والزعماء. "

ويرى بولوك أننا لن نسمع عن دفعات كبيرة تعود الى اوروبا من سجناء تنظيم "الدولة الاسلامية", مردفاً "هذا أمر بعيد جداً عن امكانية تحقيقه ولا أحد بإمكانه اجبار هذه الدول على استقبالهم فعلياً حتى الولايات المتحدة، فواحدة من التحديات التي تخشاها أمريكا أصلاً هي أن مستقبل هؤلاء الاوروبيين المؤمنين بالتنظيمات المتطرفة حين يصبحون أحراراً ويعودون مواطنين أوروبيين بجوازات سفر أوروبية لن يحتاجوا للوصول الى الولايات المتحدة إلى أكثر من تذكرة طيران الى نيويورك أو غيرها من الولايات الامريكية".

 ويؤكد بولوك إن هذا مصدر قلق لأجهزة الاستخبارات الأمريكية مثل وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي" واستخبارات وزارة الدفاع الامريكية التي تقدم للرؤساء الأميركيين الاحاطة الكاملة والمعلومات حول مدى خطر التنظيم على الأمن الأمريكي.

ويفيد نيكولاس هاريس بان ترامب محق في المبدأ حول وجوب تخفيف عدد سجناء التنظيم في سوريا, ولكن ماكرون طرح حقيقة واقعية جداً وهي أن مشكلة التنظيم لا تقتصر فقط على هؤلاء السجناء من الدول الغربية فهناك سجناء من كل دول العالم انخرطوا في صفوف تنظيم "الدولة الاسلامية" والحقيقة هي أن هذه الدول وخاصة الغربية وبعض الدول الاسيوية لا تمتلك آليات مناسبة لمحاسبتهم على أراضيها.

بالتالي "بقائهم في سوريا بقبضة "قسد" مع الحفاظ على يقظة المجتمع الدولي من إمكانية عودة التنظيم والاستعداد لمحاربته هو خيار تدفع إليه الحكومات الغربية ولكن يجب أن يقترن بتحقيق هدف انشاء محاكم دولية قانونية تفضي الى محاكمات عادلة وحقيقية لهؤلاء السجناء وهذا يتطلب اعترافاً سياسياً أكبر بقوات سوريا الديموقراطية لأن المحاكمات الدولية اذا تمت في سوريا فهذا يعني تسليمهم لنظام الأسد لتطبيق الحكم في نهاية المطاف", ويؤكد هاريس بأن هذا خيار لا يريده العالم، بينما يفضل العالم "الذي يتهامس سراً حول هذه الحقيقة محاكمات في دول عربية مثل سوريا أو العراق لهؤلاء السجناء حيث تسمح قوانين هذه الدول بإعدام الخطيرين منهم مستقبلاً والتخلص منهم جذرياً بينما هو أمر غير ممكن أبداً في الغرب. "

 

تغيرات سياسية أمريكية

 

يقول هاريس أن المستقبل السياسي الأمريكي وتذبذبات التنافس الحزبي ستفضي إلى الاستمرار بدعم الأمر الواقع الحالي بالنسبة لسجناء التنظيم؛ "فتجربة الخروج من العراق في العام 2011 والتهاون من قبل إدارة أوباما مع تنظيم القاعدة الذي انبثق عن سجونه تنظيم "الدولة الاسلامية" والذي ارتكب مؤيدوه الهجمات في سان برناردينو في كاليفورنيا وهجوم آخر في اورلاندو كانت من أكثر القضايا الرابحة التي استخدمها ترامب لمهاجمة الديمقراطيين وكلينتون في انتخابات العام 2016".

ويكمل؛ "حتى لو كان المستقبل مع إدارة ديمقراطية فلن يحبذ أي رئيس ديمقراطي وضع حزبه وارثه الرئاسي أمام خطر التهاون مع سجناء "الدولة الاسلامية" الامر الذي سيتم ربطه بكل تأكيد بالتخاذل في دعم "قسد" وحربها ضد التنظيم ومهمتها القائمة بإبقاء السجناء الخطيرين في سجونها. "

ويرى بولوك، أن الحزب الجمهوري سيبقى يدفع ترامب لئلا يقوم بتخلٍ كامل عن مسؤولية ابقاء سجناء "الدولة الاسلامية" تحت السيطرة "لأن أي انفلات أمني واسع وأي عودة للتنظيم في سوريا ستكون خسارة كبيرة على المدى الطويل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وحربها مع الارهاب وتحدي تصاعد النفوذ الروسي حيث لن يكون من السهل التراجع عن الانسحاب الأمريكي من سوريا إذا تعمق وتعزز بشكل أكبر وخاصة اذا انتقلت مسؤولية سجناء تنظيم "الدولة الاسلامية" الى روسيا أو الأسد".

ويردف؛ "بالنسبة للمرشحين الديمقراطيين وعلى الرغم من عدم تخصيصهم للكثير من الوقت للحديث عن الاستراتيجية المحتملة في سوريا إلا أننا رأيناهم ينتقدون قرار ترامب بالانسحاب ويفهمون مدى الخطر الذي لا يزال يشكله التنظيم المتطرف على أمن الولايات المتحدة والعالم كما يفهمون أن هذا البقاء المخفف في سوريا ودعم الشركاء في "قسد" هو حل ممكن لعدم التورط في حروب مستقبلية واسعة في الشرق الأوسط. "

 

أمريكا ترفض إعادة سجنائها

 

ومع تصاعد الخلاف بين الرئيسين ترمب وماكرون حول مصير سجناء تنظيم "الدولة الاسلامية" وهجوم جسر لندن، قامت الاذاعة الوطنية الأمريكية "NPR" بزيارة سجن يحوي أخطر مقاتلي "الدولة الاسلامية" في الحسكة وتسيطر عليه "قوات سوريا الديموقراطية" مسلطةً الضوء على سجناء أمريكيين ترفض الولايات المتحدة حتى إعادتهم، بينما يستجدي السجناء عبر محاميهم اعادتهم الى الولايات المتحدة مدّعين بأنهم كانوا يقومون بمساعدات لوجستية و طبية واغاثية فقط لتنظيم "الدولة الاسلامية" أملاً بقوانين أمريكية رحيمة تحاكمهم بالسجن لمدة قصيرة ليحصلوا بعدها على حريتهم في الولايات المتحدة.

من جانبه قال أحد رؤساء السجن من القيادات الكردية في قوات سوريا الديمقراطية "هؤلاء أعدائنا في المقام الأول، قتلوا أهلنا وأطفالنا  ودمروا مجتمعاتنا ورغم كل شيء نعاملهم بشكل قانوني متناسب مع قوانين الأسر والسجن العالمية مع سعي كامل للتأكد من أن هذه القنابل الموقوتة لن تعود لتعرضنا وتعرض العالم للخطر."

وقال السجين الأمريكي، ليرم سليماني، المنضم لتنظيم "الدولة الاسلامية" لـ"NPR"  إنه غادر من كندا الى مدن تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا بعد وعود من التنظيم للمسلمين بأن الحياة في ظل تنظيم "الدولة الاسلامية" رائعة وكريمة حيث الخدمات المجانية والطعام الوفير والمجاني والحياة الاسلامية بأفضل صورها إلا أنه رأى عائلته تجوع وأولاده يمرضون أمام عينيه في مدن التنظيم لذلك يتمنى أن يعود إلى الولايات المتحدة لنيل محاكمة عادلة, إلا أن الأمر متوقف عند تقديرات مكتب التحقيقات الفيدرالية  "اف بي اي" الذي لم يتحرك بعد لإعادتهم.

 

مستقبل السجون

 

يقول ديفيد بولوك إن ترامب حين أعلن عن الانسحاب من سوريا قال في خطاب "غير منطقي وغير عاقل" إن تركيا ستتكفل بإبقاء سجناء "الدولة الاسلامية" في السجون بشكل آمن وهو تصريح جاءت استراتيجية النفط والتغيير في الرؤية الأمريكية لسوريا لتغييره والقول "سنؤمن موارد من النفط لـ"قسد" لتستمر بحراسة سجون التنظيم المتطرف ومحاربته".

ويردف بولوك؛ "الحقيقة الدامغة هي أن تركيا أولاً لا تمتلك الامكانيات للدخول الى سوريا بقواتها وحراسة مخيمات وسجون التنظيم ولا تملك خيار جلبهم كلهم وهم عشرات الالاف الى تركيا وزجهم في سجونها، إضافة الى حقيقة أن من تدعمهم تركيا من مقاتلين داخل سوريا هم أصلاً بشكل أو باخر مرتبطين بتنظيم "الدولة الاسلامية" وهذا ينطبق على كثر منهم".

ويرى بولوك أنه ليس من المنطقي أن يحرس "هؤلاء المرتبطون بالتطرف والإرهاب واللصوصية المدعومين تركياً سجناء اخرين هم فعلياً "زملائهم" من الدولة الاسلامية وبالتالي الحل الأكثر واقعية هو التركيز مع الدول الأوروبية على حل تحدي انتشار التطرف الذي دق ناقوس خطر جديد مع حادثة جسر لندن."