تركيا تكشف عن دعوتها مصر واليونان لعقد اتفاقية شرقي المتوسط.. ومحلل سياسي يقلل من أهميتها
اسطنبول ـ نورث برس
قلل الباحث السياسي السوري المتخصص في العلاقات الدولية بشار شيخ علي، من أهمية التصريحات التركية فيما يخص دعوتها مصر واليونان لعقد اتفاقية شرقي المتوسط مماثلة للاتفاقية مع ليبيا، واصفاً الأمر بأنه مجرد تصريحات إعلامية أمام الرأي العام العالمي، لتخفي تركيا تمددها وتوسعها في ليبيا.
كلام "شيخ علي" جاء في تصريحات خاصة لـ "نورث برس"، الاثنين، تعليقاً على التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، والذي كشف عن "دعوة وجهتها تركيا إلى اليونان ومصر وليبيا وبقية جيرانها في شرق المتوسط للعمل من أجل اتفاق تحديد مناطق الصلاحية البحرية، إلا أن الاتفاقية مع ليبيا (حكومة الوفاق الوطني) كانت الأولى في هذا الاتجاه"، على حد تعبيره.
وفي وقت اعترف فيه "كالن" بأن اتفاقيتهم مع حكومة فايز السراج الليبية، قد أشعلت الخلافات مع العديد من الأطراف الغربية والعربية الرافضة لها، ألمح إلى أنه بالإمكان حل تلك الخلافات، وقال إنه "في حال وجود خلافات بشأن تلك القضايا يمكن نقلها إلى المحاكم، لكن بشكل عام يفضل حل تلك الخلافات من خلال اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية أو متعددة الأطراف".
وأضاف "شيخ علي" أن "منطقة حوض شرق المتوسط، تعد بؤرة اهتمام عالمي خاصة خلال العقد الأخير، بسبب تقديرات الاحتياطات الضخمة من الغاز والنفط في تلك المنطقة، وخلال هذه الفترة شهدت المنطقة مشاحنات وتوترات كثيرة بسبب رغبة كل دولة بالتنقيب حول النفط والغاز".
وأوضح أن "المشكلة تظهر حينما لا تنطبق القواعد الهندسية لقانون البحار الدولية على هذه المنطقة والتي تحدد المناطق التي تخضع لسيادة الدول، ولا تكمن المشكلة في مناطق السيادة التامة التي تنطبق فيها قوانينها أي /12/ ميلاً بحرياً، ولكن في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تمتد لمسافة /200/ ميل بحري من خط البحر الإقليمي، ونظراً لتعذر تحقق تلك الظروف والشروط تظهر المشكلة خاصة في حوض المتوسط حيثما تتواجد ثروات ثمينة تتنافس من أجلها الدول".
وتتبع دول البحر الأبيض المتوسط في نزاعاتها لقانون المناطق الاقتصادية الخالصة، لدول شرقي البحر المتوسط وقواعد قانون البحار، الذي تم إنشاؤه عام 1982، وهو من أكبر الاتفاقيات في القانون الدولي، وهو الأساس القانوني الذي تستند إليه الدول في الشؤون المتعلقة بالحدود البحرية والاستغلال الاقتصادي لها.
اتفاق كبير
وقال "شيخ علي" إنه "في قضية هذه المنطقة، يمكن أن نقول أن مصر وقبرص واليونان على اتفاق كبير فيما بينهم، وفي الطرف الآخر تأتي تركيا والتي تحاول جاهدة الدخول في منطقة حوض المتوسط، في حين تعاني المنطقة من غياب اتفاق شامل متعدد الأطراف يحل النزاع بين دولها، حيث تكثر الاتفاقات الثنائية والمنفردة مما يزيد الأمور سوء".
وكان الاتفاق التركي مع حكومة السراج، أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 ، أثار ردود فعل غاضبة، إذ اعتبرت الخارجية المصرية أن الاتفاق لا يلزم أي طرف، ولا يؤثر على منظومة تعيين الحدود البحرية في المتوسط لأنه "غير شرعي"، كما اعتبرت اليونان أن اتفاقية السيادة البحرية والملاحية هي خطر يهددها، وأنها مخالفة للقانون الدولي.
وهمٌ افتراضي
وقال "شيخ علي" إن "الكثيرين ينظرون للاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الليبية فيما يتعلق بالمصالح البحرية على أنه مجرد وهم وافتراض، تفنده الخريطة الجغرافية التي تخبرنا بأنه لا يمكن لتركيا أن تدخل الحدود البحرية لليبيا، خاصة أنها تمر فوق الجزر اليونانية، ومن ناحية أخرى، تشكل جزيرة قبرص والجزر اليونانية عائقاً أمام التمدد التركي، وأن هذا العائق يحركها من ثروات المنطقة".
وأضاف أن "الدعوة التركية لمصر واليونان لا يمكن أن نقول عنها أنها لين ومرونة طارئة على الموقف التركي بقدر ما هي تصريح سياسي بحت أمام الرأي العام العالمي، خاصةً في ظل التمدد التركي المستمر في ليبيا وسعيها للتقرب مع إيطالي لتحقيق مكاسب جديدة في حوض المتوسط، فالنوايا التركية لا تشير لتراجع جدي عن سياسة التمدد والانتشار الواضحة".
وأكد أنه "لا يمكن أن ننسى أن الموقف اليوناني والمصري من هذه القضية لايزال ثابتاً يدور حول ضرورة وجود اتفاق شامل وعادل بين جميع الأطراف، ومع استمرار غياب هذا الاتفاق الشامل سوف تظل هذه المنطقة تعاني من التوتر والصراعات، ومع وجود دول مهمشة أيضاً مثل لبنان وسوريا، واتفاقات منفردة لا يمكن لهذه الأزمة أن تنتهي".
الدور الأمريكي والروسي
وعقب توقيع تركيا اتفاقيتها مع حكومة السراج تحولت المنطقة لساحة من الصراعات الدولية، يضاف إلى ذلك الموقف الأمريكي الذي اعتبر أن تلك الاتفاقية "استفزازية"، وأن "الاتفاقية التركية الليبية مثار قلق للولايات المتحدة"، فيما رأى مراقبون أن أمريكا تضع عين على التدخل التركي في ليبيا، والعين الأخرى تنظر فيها إلى المساعي لقطع الطريق على الروس من إيجاد موطئ قدم لهم في ليبيا، مؤكدين أن أمريكا وأوروبا سترفض بشكل قاطع أي تمدد روسي هناك.
وفي هذا الجانب قال "شيخ علي"، إنه "لابد من الإشارة للدور الأمريكي والروسي في هذه المنطقة، فالأطماع الدولية في هذه المنطقة لا تخفى على أحد، وأن هذه القوى تدعم أي فرصة تتيح لها الدخول إلى هذه المنطقة، ولعل الوجود الروسي في سوريا وشرق ليبيا يشكل عامل أرق بالنسبة للأتراك أولاً ثم للولايات المتحدة الأمريكية".
في النهاية، "أزمة ليبيا وحوض المتوسط وكذلك سوريا واليمن أيضاً لابد أن ينظر إليها نظرة متكاملة من منظور الدول ومصالحها، وعدم وجود أرضية توافقية بشكل مبدأي، لن يساهم في تراجع حدة الأزمة، ونجد مما نشاهده بأنه لا يبدو أن الموقف التركي سوف يشهد تراجعاً، خاصةً في ظل الاستمرار بالانخراط بالمزيد من الأزمات، وأزمة شرق المتوسط لا يمكن أن تحل إلا من خلال المحاكم الدوليةـ وهو ما يثير مخاوف بعض هذه الدول في مقدمتها تركيا"، بحسب مراقبين.