فرنسا تطلب من تونس إنشاء قاعدة عسكرية على الحدود مع ليبيا.. وباحث يوضح السبب

اسطنبول ـ نورث برس

 

طلبت فرنسا من تونس إقامة قاعدة عسكرية لها على الأراضي التونسية وبالقرب من الحدود مع ليبيا، مقابل دعمها اقتصادياً وسياسياً. الأمر الذي زاد من القلق التركي.

 

وتترقب تركيا بحذر التحركات الفرنسية خوفاً من نتائجها، خاصة وأن الرئيس التونسي طلب مهلة للتشاور للبت في الطلب الفرنسي.

 

والاثنين الماضي، أجرى الرئيس التونسي قيس سعيد، زيارة هي الأولى من نوعها لفرنسا، والتقى بنظيره ماكرون وتم التباحث على عدد من الملفات الرئيسية وعلى رأسها الملف الليبي.

 

وحول السبب الرئيس الذي دفع فرنسا للإصرار على الوقوف بوجه التدخل التركي في ليبيا في هذا التوقيت، وعرض الأمر على الرئيس التونسي، وبالتالي مآلات ذلك على تركيا من البوابة الليبية، قال الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الدولية بشار شيخ علي لـ "نورث برس"، إنه "في البداية لابد أن نتساءل عن دوافع الدور الفرنسي في ليبيا".

 

ولم تتوانى فرنسا منذ 2011 من التدخل في الملف الليبي أو متابعة التطورات هناك خاصة في المجال الدبلوماسي، فكان لها الدور في تصعيد نجم "خليفة حفتر" وعلى ذات الخط دعمت اتفاق الصخيرات عام 2015، واستقبلت في منتصف العام 2017 محادثات بين الطرفين برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "ومن خلال تطورات الموقف الفرنسي سوف نستطيع أن نستنتج الأسباب"، بحسب "شيخ علي".

 

دوافع الخطوة الفرنسية

 

وقال إن "الأسباب تتمحور حول مستويات عدة تجعل من ليبيا ذات أهمية كبيرة في السياسة الخارجية الفرنسية، فعلى المستوى الاستراتيجي تعد فرنسا داعماً للتحالف المصري السعودي الإماراتي في وجه التحالف الآخر من خلال صفقات السلاح العديدة بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة".

 

أما على الجانب الأمني، وحسب "شيخ علي"، فتعد قضية الهجرة غير الشرعية من القضايا التي يكثر الحديث عنها على لسان السياسيين الفرنسين في العديد من المحافل والمطالب بضبط الحدود خاصةً".

 

وأضاف، أن "هنالك ما هو أهم فيما يتعلق بالأمن القومي الفرنسي خاصةً والأوروبي عامةً، إذ ترى فرنسا أن استمرار الاضطرابات في تلك المنطقة سوف يسمح باستمرار تسليح الجماعات المتطرفة خاصة تلك التي تجاريها فرنسا في الصحراء الكبرى عسكرياً، وهنالك ما يتعلق بالجانب الاقتصادي واستحواذ إيطاليا على النصيب الأكبر من الاتفاقات التجارية في مجالات الطاقة والاستثمار، حيث تسعى فرنسا لتثبيت موطئ قدم لها في هذا المجال".

 

وأما على أرض الواقع ومباشرة، "فإنه لا يغيب عنا مشهد التوتر والمشاحنات السائدة على الأرض الليبية مع اشتداد المعركة حول خط (سرت_الجفرة)، بعد التقدم الذي حققته حكومة الوفاق (برئاسة السراج) على الأرض".

 

محاصرة ليبيا

 

ويرى مراقبون أن الطلب الفرنسي بإنشاء قاعدة عسكرية قريبة من ليبيا في تونس، هدفه في المقام الأول محاصرة ليبيا والضغط على التدخل العسكري التركي هناك، وفرض تواجد فرنسي منافس لأي طرف عربي أو غربي يحاول التموضع في ليبيا.

 

وقال "شيخ علي" إن "فرنسا ظلت تنتقد الدور التركي في ليبيا المخل بأمن المنطقة، فالوجود التركي الداعم للجماعات المتشددة أيضاً، يضر المصالح الفرنسية المباشرة في ليبيا في المقام الأول، وتزداد الأمور سوء مع السعي التركي للسيطرة على موارد الطاقة، بالتالي تصبح فرنسا وتركيا على نقيضين وقد تنضم ألمانيا لهذا الموقف من خلال دعم فرنسا في ليبيا".

 

وأضاف أن زيارة وزيرة الخارجية الإيطالية لويجو دي مايو، لحكومة الوفاق في طرابلس ثم التوجه نحو أنقرة دون المرور بشرق ليبيا، تطرح الكثير من التساؤلات لدى الجانب الفرنسي خاصةً، "فنحن نعلم أن إيطاليا دائماً ما تحاول أن توازن علاقتها، ولكن المشكلة في توقيت هذا السلوك الذي يأتي بعد الطلب الفرنسي من تونس بإقامة قاعدة عسكرية على الحدود مع ليبيا، وأن إيطاليا تعتبر المنافس الأول لفرنسا في ليبيا خاصة في المجال الاقتصادي".

 

محاصرة فرنسا

 

وأشار إلى أن "السعي التركي لمحاصرة فرنسا في ليبيا من خلال التقرب مع ايطاليا، ربما يكون من الأسباب الدافعة نحو المزيد من الخشونة في الموقف الفرنسي، وأن صانعي الأمن القومي الفرنسي يرون أن الحل العسكري هو الأفضل في مواجهة المخاطر من قبل الجماعات المتشددة خاصةً أن أمر القاعدة متروك للرؤية التونسية وحساباتها في ظل محاولة تونس الموازنة في علاقاتها ولكن الضغوط الفرنسية قد تزداد في الأيام المقبلة، مع ضغوط الأزمة الليبية عامة، مما يضع تونس أمام مفترق طرق للاختيار".

 

وكان "ماكرون" وخلال اللقاء مع الرئيس التونسي ندد بالموقف التركي من الأزمة، إن "تركيا تلعب دوراً خطيراً في ليبيا يتعارض مع قرارات مؤتمر برلين ويهدد الأمن والسلام في ليبيا وكذلك جيرانها إضافة إلى أمن أوروبا".

 

تصعيد مستمر

 

وفي هذا الجانب قال "شيخ علي"، إن "لهجة التصعيد سوف تظل مستمرة بين هذه الأطراف، وأن هذا التناقض يصب في مصلحة الحرب التي تتفاقم بشكل يومي، وأن الصدع داخل المنزل الأوروبي بات واضحاً جداً، ومفهوم الأمن الأوروبي لا قائمة له من الأساس في ظل تناقض مصالح بلدان الاتحاد الأوروبي".

 

وأشار إلى أن "فرنسا ترى في الوجود التركي في ليبيا تهديداً مباشر لها، ذلك أن ليبيا بوابة نحو تهديد أوروبا، وبالتالي الوضع الليبي معلق بين الميدان والسياسة، وأن التعقيد المتزايد في مجريات الأزمة يكشف العديد من الخبايا بشكل مستمر وتبقى هذه الدول مدركة أن تدخلها المباشر في الحرب لن يصب في مصلحة أحد".

 

ووسط كل تلك التطورات في المواقف الأوروبية الجديدة وخاصة من قبل فرنسا، يستمر التعنت التركي الداعم لطرف على حساب الآخر في ليبيا، ما يزيد من خطورة المشهد وضبابيته، وسط توقعات مراقبين، بنسف اتفاق وقف إطلاق النار وعودة المواجهات خاصة على محوري "سرت والجفرة" في محيط العاصمة الليبية طرابلس.