باحثون يوضحون سبب لجوء تركيا إلى قطر لدعم عملتها "المنهارة"

اسطنبول ـ نورث برس

 

يعيش الاقتصاد التركي حالة من التخبط في ظل عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الصعبة وخاصة الدولار الأمريكي الذي وصل الدولار الواحد منه إلى حدود /7/ ليرات تركية في الأسابيع القليلة الماضية، ما دفع بتركيا لتوجيه الاتهامات لمؤسسات مالية مقرها العاصمة البريطانية لندن بشن هجمات لإضعاف عملتها المحلية.

 

ودفعت حالة التخبط تلك بتركيا إلى اللجوء لقطر من أجل دعم عملتها المنهارة وتوقيع تعديل اتفاقية "مقايضة العملات"، قبل أيام، ورفعها من /5/ مليار دولار إلى /15/ مليار دولار، والتي تم توقيعها في المرة الأولى عام 2018.

 

إنقاذ  من "مأزق"

 

وأشار عدد من الباحثين والمحللين السياسيين، في حديث لـ"نورث برس"، إلى أن اللجوء إلى قطر أنقذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من ورطة اقتصادية بسبب سياساته الخاطئة.

 

وقال الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون التركية، محمد  ربيع الديهي، من الجنسية المصرية، إنه "علينا أولاً أن نعرف أن قرار تعديل اتفاقية المبادلة التي تم توقيعها في 17 آب/ أغسطس 2018، بشأن مبادلة العملة بين تركيا وقطر، جاء هذه المرة لإنقاذ الاقتصاد التركي كما هدف عندما أبرم في 2018".

 

وأوضح، أن "مبادلة العملة هي عبارة عن عملتين من العملات المتداولة لا يكون الدولار بينهما، ويتم تبادل عملة أجنبية واحدة مع أخرى دون الحاجة إلى تغيير العملة أولاً إلى الدولار الأمريكي".

 

تدهور اقتصادي

 

وشهدت أنقرة خلال الفترة الأخيرة حالة من التدهور الاقتصادي خاصة في ظل تفشي فيروس "كورونا"، حيث تحدث بعض الخبراء عن اقتراب أنقرة من إعلان إفلاسها، في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة والتدهور الاقتصادي الذي أدى إلى تراجعٍ كبير في الاحتياطي النقدي التركي، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى /13.6/ % خلال شباط/ فبراير، بينما تتحدث المعارضة التركية عن أن معدل البطالة تجاوز الآن قرابة /25/%، فضلاً عن تضخم هائل بـ/10.97/ % في نيسان/ أبريل، بحسب "الديهي".

 

ويتوقع صندوق النقد الدولي حالياً انكماشاً للناتج المحلي الإجمالي بـ/5/ % وبطالة بـ/17.2/ %، في ظل مطالب من الخبراء الاقتصادين وعلى رأسهم علي باباجان (وزير الاقتصاد السابق والمسؤول التركي السابق بحزب العدالة والتنمية التركي)، بضرورة اللجوء إلى صندوق النقد لإنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار تماماً، كما يأتي تعديل الاتفاق "بهدف إنقاذ أردوغان من ورطته الاقتصادية التي كانت نتاجاً لسياساته الخاطئة"، حسبما أوضح الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون التركية.

 

وأضاف أن "مثل هذا القرار لم يكن مستغرباً، فالنظام القطري دائماً ما دعم وساند النظام التركي في كثير من الأزمات الاقتصادية، وذلك يأتي في إطار تطابق أهداف السياسة الخارجية التركية والقطرية تجاه المنطقة، وهو الأمر الذي يجعل قطر دائماً ما تدعم تركيا وتساندها بالأموال مقابل أن تقوم تركيا بالتدخل المسلح في بعض البلدان العربية أو دعم الارهاب".

 

وحسبما أوردت وكالة "رويترز"، فقد أظهرت قائمة تحليلية للمركز المالي التابع للبنك المركزي التركي وصول مبلغ /10/ مليارات دولار من قطر، وذلك ضمن اتفاق أبرم الأربعاء الماضي، بين أنقرة والدوحة لمضاعفة اتفاق أبرم عام 2018 بثلاثة أمثال.

 

وبحسب "الديهي"، فإن تعديل هذه الاتفاقية يأتي بالتزامن مع نشر صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية تقريراً حول أن حكومة الوفاق (الليبية) تسعى لإبرام اتفاق عسكري مع شريك جديد إضافة إلى أنقرة.

 

وأشارت الصحيفة إلى أن الاتفاقية الجديدة لم تتعلق بدولة أوروبية، ومن المقرر أن تخرج الوفاق دول الاتحاد الأوروبي من حساباتها.

 

وكان وزير الاقتصاد التركي السابق "علي باباجان" قد قال في تصريحات مع قناة "هالك" التركية، إن "الشعب التركي هو ضحية لسياسات أردوغان الطائشة والأزمة المالية التي تعصف بالبلاد على وشك أن تدمرها".

 

دعم الاستقرار المالي

 

وقال الباحث السياسي "محمد نبيل البنداري" مصري الجنسية، إنه "بطبيعة الحال استهدفت هذه الخطوة من قبل تركيا تعزيز احتياطي النقد الأجنبي الذي يشهد تراجعاً حاداً في الفترة الأخيرة في الداخل التركي، ومن ثم توجهت أنقرة للدوحة لقوة العلاقة بين الدولتين سياسياً واقتصادياً، وهذا لدعم قطر تركيا لتسهيل التعاملات التجارية بالعملة المحلية ودعم الاستقرار المالي".

 

ويرجع ما سبق إلى الإنفاق المالي الذي نتج عن انتشار جائحة كورونا في تركيا على نطاق واسع، وتراجع احتياطات النقد الأجنبي في البلاد، إضافة للتوترات السياسية والدبلوماسية التي شهدتها السياسة التركية مع الدول الإقليمية أو الدولية.

 

التبادل المالي

 

ونتيجة لذلك أجبرت تركيا على التوجه لسياسة التبادل المالي مع الدول الأجنبية، سواء مع قطر أو الصين أو دول عدة في مجموعة العشرين، كتنقيب أنقرة المستمر عن الغاز قبالة السواحل القبرصية وتوتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأيضاً العلاقات التركية الأمريكية التي ساءت مؤخراً، كما حدث عام 2018 وخسرت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها، بحسب "البنداري".

 

وقال، "كل هذا يؤدي إلى عزوف المستثمرين الأجانب عن ضخ أموالهم في السوق التركية، كنتيجة طبيعية لتلك التوترات السياسية والاقتصادية".

 

وأشار "البنداري" إلى أنها "ليست المرة الأولى التي تعلن فيها قطر عن مساعدات اقتصادية لتركيا، فقد سبقها أن ضخت استثمارات في تركيا بقيمة /15/ مليار دولار في توقيت أزمة عام 2018 ، عندما فقدت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها".

 

ورأى أن "الدولتين تتحالفان سياسياً وعسكرياً في عدد من النزاعات الإقليمية، وبالتالي فإن توجه أنقرة للدوحة في هذه الظروف التي تمر بها تركيا هو توجه طبيعي".

 

ويترقب الشارع التركي انتهاء أزمة كورونا التي ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، في ظل ارتفاع البطالة وغلاء الأسعار، وحالة من عدم الرضى على ما ستؤول إليه الأمور بسبب تضرر قطاع السياحة الذي يبدو أنه سيعود كما كان عليه في السابق، الأمر الذي لا يبشر بأي بوادر للحد من الأزمات الاقتصادية التي ستكون تركيا على موعد معها.