مع انشغال العالم من حولهم بالحروب.. أطفال في القامشلي يعزفون الموسيقى

القامشلي – دانا حسن – نورث برس

 

يقول جان شوكت (15عاماً)، وهو أحد أعضاء فرقة "معهد أوركسترا روجآفا للأطفال" في مدينة القامشلي "للموسيقى سر مخفي، لا يمكنك رؤيته، لكنها تؤثر عليك وتترك أثراً كبيراً في حياتك".

يعزف جان على آلة البيانو منذ أن كان عمره أقل من ست سنوات، وابتكر أيضاً مقطوعات موسيقية جذابة، كانت أولاها في ربيعه العاشر.

 

وتأسس معهد أوركسترا روجآفا للأطفال في مدينة القامشلي في أيلول/ سبتمبر  2016، و يعد أول أكاديمية موسيقية للأطفال في المنطقة، حيث يلتحق به العديد من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (7 و 16 عاماً) ويتلقون فيه دروساً نظرية و عملية في الموسيقى.

 

وقامت هيئة الثقافة و الفن التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بتزويد المعهد بالآلات الموسيقية التي يعتبر البعض منها جديداً في المنطقة مثل آلتي التشيلو والباس المزدوج.

 

وإلى جانب كونه عازف بيانو في أوركسترا روجآفا، يشرف جان أيضًا على دورات آلة الطبل في المعهد.

 

أما مايا، شقيقة جان، البالغة من العمر (13 عاماً)،  فتعزف على آلة الكمان منذ أن كانت في الثامنة من عمرها.

 

تقول مايا، لـ "نورث برس"،  "أردت تعلم العزف على آلة الكمان عندما رأيت الطلاب في مركز  (كلاسيك) الذي بدأ فيه جان دروسه الأولى في العزف على البيانو. أنا الآن من عناصر فرقة أوركسترا روجآفا".

 

مشاركات

 

مشاركة جان في الأوركسترا مكنته من خوض العديد من الأحداث المهمة، كان أكثرها إثارة عندما انضم (افتراضياً) لحفل موسيقي لأوركسترا Vozes"" من مدينة برشلونة الإسبانية في  /30/ من أيار/ مايو 2017.

 

يقول جان: "كان هذا أكثر شيء مدهش جربته في حياتي، لقد دفعني الأمر إلى التدرب بقوة أكبر".

 

لكن تلك الفرص لم تمض دائماً للتحقق، ولا يخفى أن الحرب في سوريا كان لها أثر سلبي على الجميع كباراً وصغاراً.

 

يضيف جان، لـ "نورث برس": "تلقينا دعوة من برنامج "Arabs Got Talent" للأداء في لبنان. لقد كانت فرصة عظيمة لنا – فرقة  الأوركسترا – لكي نظهر للعالم مواهبنا، إلا أن حالة البلد و أعمار أعضاء فرقة الأوركسترا أعاقت مشاركتنا".

 

صعوبات

 

وتعد آلة البيانو من الآلات الموسيقية النادرة في المنطقة، والحقيقة أنه من الصعب أيضاً الحصول عليها.

 

"إن أحد أكبر التحديات التي أواجهها هو إصلاح البيانو الذي أملكه والذي لايزال معطلاً في المنزل منذ مدة طويلة، ولا يمكنني العثور على قطع له أو شخص يمتهن إصلاحه. لكن أستاذي في معهد الأوركسترا يساعدني أحيانًا في التعامل مع هذه المشكلة".

 

و كذا لسان حال مايا  التي تقول إنها  تضطر للتعامل مع بعض الأصوات (النشاز) من كمانها لأن بعض أجزاء الكمان غير متوفرة. "آلة الكمان لدي ليست أصلية، ولا يمكنني العثور على نوع جيد هنا".

 

وتضيف، لـ "نورث برس":  "في البداية، واجهت بعض التحديات في العزف على الكمان. لم أتمكن من تحريك أصابعي بسلاسة، لكن بفضل المواظبة على التمرين تمكنت من العزف بشكل جيد".

 

وترى لافا عكو، والدة جان ومايا، وهي معلمة تربية رياضية ومدربة كرة قدم نسائية لفريق "الجهاد" في القامشلي، أن الموسيقى زادت من وعي طفليها، وأن "ذوقهما في الموسيقى، سواء كانت عالمية أو شرقية، أصبح انتقائياً".

 

وأضافت: "الموسيقى لم تؤثر سلباً على دراستهم. بل على العكس أصبحوا أكثر نشاطاً وتفوقاً في المدرسة".

 

أحلام

 

وتقول عكو أيضاً: "تحقق حلمي فيهم، وأشعر بالفخر عندما أرى جان ومايا يؤدون معزوفةً على خشبة المسرح".

 

وفقًا لـجان، يمكن لأولئك الذين يعزفون الموسيقى تحسين مستوى الوعي و الارتقاء بمستوى العالم.

 

وأضاف: "حلمي هو العزف على آلة البيانو بشكل احترافي وتعليم الأطفال كيفية العزف".

 

بينما ترغب مايا بالإضافة للاستمرار في العزف على آلة الكمان في دراسة الطب مستقبلاً لتحقيق حلمها بأن تكون طبيبة.

 

"الأمر مختلف" لآخرين

 

وفي إقليم كردستان العراق،  يعيش هجار إبراهيم (16 عاماً)، الذي كان قد انضم لأوركسترا روجآفا عام 2017 قبل نزوحه بسبب العملية العسكرية التركية في شرق الفرات في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

 

وقال لـ"نورث برس"، عبر تطبيق Messenger:

 

"عندما بدأ الهجوم التركي على المنطقة، قال والدي إن علينا التوجه إلى إقليم كردستان العراق".

 

ويبحث هجار مع عائلته عن مكان أفضل ومستقبل أفضل، حيث يعيش الآن في منزل بالإيجار في إقليم كردستان العراق، بعد أن مكث وعائلته في مخيم "بردرش" للاجئين لمدة شهر تقريباً.

 

وقال: "بقيت بدون الكلارينيت لمدة تسعة أشهر وهذا ما آلمني حقاً. لكن أحد أقاربنا أحضره لي عندما جاء من مدينة القامشلي".

 

واعتاد هجار أن يعزف الموسيقى مع أصدقائه في الأوركسترا، لكن "الأمر مختلف هنا"، فهو يجد نفسه بمفرده غالباً، على الرغم من أن أخاه ديار، الذي يعزف التشيلو، يشاركه العزف في بعض الأحيان.

 

هناك الكثيرون مثل هجار، ممن اضطروا إلى ترك كل شيء وراءهم والهرب من هول الحرب، وقد لا يتحدث التاريخ عن بعض الأمور الجميلة التي تختفي ببساطة خلال أوقات الحرب، فبينما انشغل ذوو النفوذ بالعزف على آلة الحرب ، كان هؤلاء الأطفال يعزفون الموسيقى.