القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس
التطورات المستعرة في ليبيا، والتي يزكيها التدخل التركي اشتعالاً، تضع القاهرة أمام تحديات مرتبطة بأمنها القومي وأمن المنطقة عموماً، وسط سيناريوهات مُختلفة من بينها أن تنجر مصر إلى تدخل عسكري مباشر في ليبيا، وهو سيناريو مطروح طالب به البرلمان الليبي في أي وقت تتعرض فيه ليبيا إلى اعتداء خارجي.
وعلى رغم مساندة مصر ودعمها للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، إلا أن البعض يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد المساندة والجهود الدبلوماسية والحشد الدولي، إلى التلويح بإمكانية التدخل العسكري المصري "المباشر"، وما قد يسفر عنه ذلك التدخل من مواجهات مباشرة مع تركيا في ليبيا، بما لذلك من تداعيات مختلفة على الملف الليبي وعلى المنطقة برمتها.
وفيما يستبعد محللون ذلك السيناريو باعتبار أن مصر لا يبدو أنها قد تغامر بتدخلات خارجية عسكرية أو التورط في مواجهات مباشرة مع قوى وأطراف أخرى، لاسيما مع طبيعة الحرب في ليبيا في مواجهة ميلشيات غير نظامية، إلا أن آخرين يعتقدون بأن ذلك السيناريو وارد التحقق إذا ما فُرض تهديد مباشر على الأمن القومي المصري، بما يسمح لتخلي القاهرة عن دبلوماسيتها والحشد الدولي السياسي ذهاباً إلى الحلول العسكرية.
وعن الطلب الليبي بخصوص تدخل مصر عسكرياً في ليبيا، أوضح مستشار رئيس مجلس النواب الليبي، فتحي المريمي، في تصريحات خاصة لـ "نورث برس" عبر الهاتف، أن "رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح طلب التدخل المصري في حالة أي اعتداء من جانب أية دولة على ليبيا"، مشيراً إلى أن "صالح أفصح عن هذا الطلب صراحة في جلسة حضرها بمجلس النواب المصري مطلع الأسبوع الجاري، على اعتبار أن مصر تربطها وليبيا اتفاقية دفاع مشترك، علاوة على كونها دولة جارة وشقيقة كبرى وأمنها من أمن واستقرار ليبيا".
الطلب الليبي المرهون بـ"حدوث أي اعتداء خارجي على ليبيا"، أكد المريمي أنه وصل من رئيس مجلس النواب الليبي إلى السلطات المصرية ممثلة في مجلس النواب، ومن ثم إلى باقي الإدارات والوزارات المعنيّة والمختصة، وهو طلب بالتدخل العسكري المصري عندما يكون هناك أي اعتداء خارجي على ليبيا.
وتابع: "الأمر عادي جداً (..) تدخل مصر أمر طبيعي في حالة تدخل أي طرف أجنبي في ليبيا عسكرياً أو أن يحدث ما يهدد أمن واستقرار ليبيا (..) هناك تواصل وتعاون مستمر بين مصر وليبيا من أجل إنهاء الأزمة ومن أجل أن تفعل المؤسسات وتستقر ليبيا وتصبح دولة مؤسسات وقانون، وهذا بلا شك ينعكس على مصر وليبيا معاً".
وفي ظل تحقق "التدخلات والاعتداءات الخارجية" في ليبيا ممثلة بالأساس حالياً في التدخل التركي، تكون مصر –وفي ظل طلب ليبيا التدخل رسمياً- أمام مجموعة خيارات؛ إما مواصلة العمل والضغط الدبلوماسي وتشكيل تحالفات سياسية ضد التدخل الليبي (وهو الطريق الذي سلكته مصر منذ بدء التدخل، ونجحت في استقطاب قوى كبرى في مناوئة هذا التدخل).
والخيار أو السيناريو الثاني هو التوسع في دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، بالتعاون مع الدول ذات الموقف نفسه، في مواجهة التدخل التركي، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات ونتائج وسيناريوهات مفتوحة داخل ليبيا. بينما الخيار الثالث هو خيار التدخل المباشر، وهو خيار يبدو مستبعداً على المدى المنظور.
وطبقاً للخبير العسكري والاستراتيجي اللواء محمود زاهر، فإن توريط مصر من أجل الدخول في حرب في ليبيا هو أمر يسعى إليه البعض، من أجل تحقيق أهداف خاصة تستهدف ثروات البحر المتوسط. واعتبر أن السيناريو الأقرب والأنسب من أجل عدم توريط مصر وفي الوقت ذاته نجاح مصر في مساندة ليبيا والدفاع عن أمنها القومي، هو أن تواصل دعمها للجيش الليبي (سياسياً وعسكرياً) بالتعاون مع الدول الصديقة، لاسيما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، لمساندة خليفة حفتر في استعادة الأمن والاستقرار.
وشدد على أن التدخل العسكري المباشر في ليبيا من جانب مصر من شأنه وضع القاهرة أمام حلف الناتو، بخاصة أن تركيا جزء من هذا الحلف، علاوة على التداعيات الأخرى المرتبطة بموازين القوى والتفاهمات السياسية والعلاقات المختلفة، بما قد يعرض الأمن القومي المصري للخطر.
وبدوره، يقول السياسي الليبي، محمد العباني، في تصريحات خاصة لـ "نورث برس": "لا أعتقد أن تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا؛ لأن الملف الليبي أصبح الآن متداول في المجتمع الدولي والأمم المتحدة (..) وهناك لقاء في موسكو ستكون نتائجه فاعله حسب المعطيات على الأرض بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار وتمت الاستجابة لهذا المطلب من جميع الأطراف (..)".
وقال إن استجابة الأطراف لوقف الحرب إما تكون بالاتفاق أو حتى بأن يفرض عليهم ذلك من الروس والأتراك؛ لأن مصالحهما في ليبيا تستوجب ذلك"، على حد تعبيره.
يعزز ذلك أيضاً الرفض الشعبي المصري لتوريط الجيش في أي تدخل خارجي، وهو ما ظهر من خلال حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الأخيرة تضمنت رفضاً لدخول مصر عسكرياً في ليبيا، وانطلقت في هذا الإطار "هاشتاغات" مناهضة للفكرة نفسها.
وتنشط مصر دبلوماسياً وسياسياً في الملف الليبي، من خلال اتصالات واسعة مع الأطراف المعنيّة كافة من أجل التصدي للتدخل التركي. ورحبت القاهرة مؤخراً باتفاق وقف إطلاق النار باعتباره فرصة للتهدئة في ليبيا.
ونفذت القوات المسلحة المصرية مؤخراً تدريبات في البحر المتوسط، عُدَّت رسالة مفادها استعراض القوة والرد على محاولات تهديد أمن مصر القومي.