“حرب الكريلا” و”حرب الحوثي” ومأزق السعودية

الرياض  – NPA
بعد مرور أكثر من 24 ساعة على إعلان جماعة الحوثي اليمنية تنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ داخل الأراضي السعودية وأسر "آلاف الجنود"، على حدِّ زعمها، كانت السعودية ما تزال ملتزمةً بالصمت وعدم التعليق.
وعرضت جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، أمس الأحد، لقطاتٍ للهجوم أظهرت استهداف مركباتٍ مدرعةً بتفجيراتٍ واستسلام مقاتلين.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية والإيرانية والأوساط العراقية الموالية لطهران، أجواءٌ احتفاليةٌ بهذه العملية. وتداول مغردون تعليقاً ساخراً يقول إنّ مثل هذه الأخبار، أي سقوط ثلاثة ألويةٍ عسكريةٍ بالكامل، لم يسمعوا بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما تم تداول مقطعٍ مصورٍ يتحدّث فيه عنصرٌ إعلاميٌ حوثي خلال عملية الأسر، عن كيفية إحراق مدرعاتٍ عسكريةٍ سعوديةٍ عبر "منظومة الولّاعة"، أي عبر ولاعة إشعال السجائر.
جاء هذا الهجوم بعد أقل من شهرٍ من هجومٍ بالصواريخ والطائرات المسيّرة على منشآتٍ نفطيةٍ سعوديةٍ تقع في المنطقة الشرقية المحاذية لقطر والبحرين. واتهمت الولايات المتحدة إيران بالوقوف وراء الهجوم ولم تقتنع بتبني الحوثي للعملية التي أدت إلى تعطل 20% من إمدادات النفط العالمية. لكن الجماعة الحوثية حذّرت في بيانٍ لاحق أنّها ستشن عمليات بالمسيّرات ضدّ دولة الإمارات وتعيدها "عقوداً إلى الوراء" في حال عدم توقف التحالف العربي عن شنِّ الهجمات الجوية على مواقع الحوثي داخل اليمن. والأسبوع الماضي، أعلنت جماعة الحوثي عن وقف شنِّ الهجمات من جانبٍ واحدٍ، كبادرة حُسن نيةٍ، حسب تعبيرها، إلّا أنّها طالبت السعودية والإمارات بإعلان موقفٍ مماثلٍ. لكن لم يصدر تعليق رسمي من التحالف حول العرض الحوثي.
ووصف عضو المكتب السياسي لحركة الحوثي، محمد البخيتي، هذه المبادرة بأنّها "فرصةٌ مناسبةٌ للسعودية لتخرج من الورطة بماء الوجه".

استراتيجية الحرب الشعبية
تشير وجهة الأحداث في اليمن إلى دخول التحالف العربي في موقف حرج ميدانياً. فالجماعة الحوثية ما زالت قادرة على إلحاق أضرارٍ كبيرةٍ بالسعودية أكثر من أربع سنوات على الحرب، بل إنها خلال هذه الفترة طوّرت قدراتها أيضاً بشكل يقترب من تحقيق معادلة الردع المتبادل.
فالحرب هناك تختلف عن حروب الأحزاب مع الدول، كما في حالة "حزب العمال الكردستاني" وتركيا، أو حتى حرب المقاومة التي تشنها "قوات تحرير عفرين" ضدّ القوات التركية في عفرين. فمنظومة الحوثي قامت بتطوير سلاحٍ نوعيٍ يعتمد على الطائرات المسيّرة، وهي تقنية لا تحتاج إمكانات مادية كبيرة، بل إلى خبرات تقنية نوعيّة استطاعت توفيرها عن طريق إيران وحزب الله، مستغلة في الوقت نفسه سعة الأراضي السعودية المحاذية للحدود مع اليمن، ووعورة المناطق الجبلية الجنوبية. وفي مجال السلاح الثقيل، ورثت جماعة الحوثي كفاءات الجيش اليمني والحرس الجمهوري الذي كان موالياً للرئيس الراحل، علي عبدالله صالح. بالنتيجة، لم تؤثر خسارة جماعة الحوثي لمساحات كبيرة من الأراضي جنوب اليمن ومأرب والساحل الغربي، على قدرتها في إلحاق الأذى بالخصم، وهذه القدرة هي المعادلة الرئيسية في القوة وليست مساحة السيطرة على الأرض.
كما تعتمد جماعة الحوثي، وفق مجريات العمليات التي يتم الإعلان عنها سواء من قبل التحالف العربي أو الحوثي، على عمليات التسلل الكبيرة، حيث يشارك مئات العناصر ولا تقتصر على المجموعات الصغيرة. بمعنى، أن الجماعة لا تعتمد مبدأ "حرب الأنصار – الكريلا" في المناطق الحدودية، إنما "الحرب الشعبية" وهي استراتيجية أثبتت أنها أكثر جدوى من العمليات النوعية الصغيرة في حالة اليمن. ذلك أن "حرب الأنصار" تقوم بإلحاق الأذى بالخصم لكنها لا تغير من معادلات السيطرة القائمة شيئاً. وفي حال كانت رواية الحوثي صحيحةً، فإن العملية الأخيرة التي أسفرت عن سقوط ثلاثة ألوية عسكرية وتدميرها بالكامل، قد تمت عبر أنفاق جرى حفرها على مدى أربع سنوات.
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة "أنصار الله" محمد البخيتي، في تصريحٍ لوكالة تسنيم الإيرانية، أنّ هذه العملية تؤكد ميل موازين القوى لصالح اليمن نتيجة لتطوير قدراته الصاروخية والجوية وايضا دفاعاته الجوية وقد انعكست هذه التطورات على الوضع الميداني. ونوه إلى أن "هذا النصر الميداني الكبير يمثل ضربة كبيرة ثانية للسعودية بعد ضربة أرامكو".

التحول إلى طرف ثالث
تضيّق نتائج عمليات الحوثي من خيارات السعودية والتحالف العربي. فالرد بعنف على جماعة الحوثي، مثل قصف مواقع داخل صنعاء، قد يؤدي إلى عملياتٍ حوثيةٍ أكبر وتمددها إلى خارج السعودية حتى، وتسبب حرجاً أكبر للتحالف العربي. بالتالي، قد يتجه التحالف فعلياً إلى البحث عن مخرج سلمي والتحول إلى "طرف ثالث" في الحرب الأهلية باليمن، دون أن تكون مشاركةً، ميدانياً، في العمليات، وهو إجراء اتخذته دولة الإمارات قبل ذلك حين ركزت عملياتها على جنوب اليمن، لمساعدة القوات المحلية هناك ترسيخ سيطرتها ومنع عودة كل من تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان.
ويطالب الحوثيون التحالف العربي بالانسحاب من اليمن، ورفع الحصار الجوي الذي يمنع حركة الطيران المدني في اليمن، بدون إذنٍ من التحالف. أي عملياً يطالبون بأن يكفّ التحالف عن أن يكون طرفاً في الحرب، وترك اليمنيين يحسمون حربهم الأهلية، وهو ما سيعني ، في حال حصل، انهياراً سريعاً للقوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً. فالجانب الحوثي، رغم أنه سكانياً وطائفياً لا يشكل أكثر من 10 % من اليمن، غير أنه يحظى بولاء قبائل كبيرة وسط اليمن وشماله، وما زال بإمكانه شنّ هجماتٍ كبيرةٍ على جبهة الجنوب، في الضالع. والشهر الماضي، أُنهكت القوات الموالية للتحالف وهي تحاول صد هجماتٍ حوثيةٍ متتاليةٍ شمال الضالع. ما يعني أنّه بعد مرور خمس سنوات من الحرب، ما زالت جماعة الحوثي بإمكانها التحرك على /3/ جبهات بشكلٍ متزامنٍ، الأولى جنوب اليمن، والثانية غرب اليمن في الحديدة وتعز، والثالثة شمال اليمن في حجة وصعدة والجوف على الحدود مع السعودية.
هنا أيضاً، في اليمن، إيران مقبلة على انتصار إقليمي آخر.