القاهرة- NPA
ما فتئ المشهد السياسي المصري يموج بتطورات فاصلة، على رغم الهدوء النسبي الذي شهدته القاهرة خلال السنوات الأخيرة بعد الخروج من مرحلة الضغوطات التي تلت الـ/30/ حزيران/يونيو 2013، حتى وجدت السلطات المصرية الآن نفسها أمام واحدة من أكبر أزماتها حتى اللحظة، في ضوء تصاعد الاحتقان الشعبي، الذي تُعبر عنه عديد من المؤشرات على أرض الواقع، ومع دعوات لتظاهرات داعية لإسقاط السلطات الحالية تبدأ غداً الجمعة، وفق الدعوات المنتشرة عبر مواقع التواصل.
وعلى رغم إحكام الأمن المصري قبضته على الشارع، إلا أن تلك التظاهرات التي دعا إليها الممثل ورجل الأعمال الهارب خارج مصر محمد علي (الذي كان ينفذ مشروعات إنشائية للقوات المسلحة المصرية قبل هروبه خارج مصر، وكشف العديد من الأسرار مؤخراً عن الدولة المصرية عبر فيديوهات بثها على الإنترنت من إسبانيا) وجدت مؤيدين لها في الداخل المصري، ساندوا تلك الدعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
واحتل هاشتاغ (الرحيل يا سيسي أو النزول للشارع) صدارة التريند المصري على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وتضمن تضامناً مع تلك الدعوات الهادفة إلى التظاهر ضد الدولة المصرية بهدف المطالبة برحيلها، في ضوء ما كشف عنه محمد علي، من معلومات حول "فساد" في مشروعات القوات المسلحة، وهي المعلومات التي ردّ عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات مؤتمر الشباب قبل أيام.
نفي
السيسي وإن نفى شبهات الفساد تماماً عن إدارته، إلا أنه أقرّ –بنوعٍ من الشفافية- ببناء قصور رئاسية واستراحات، وعزا ذلك إلى أنه "يبني دولة حديثة" وأنه ماضٍ في بناء المزيد، وهو ما استغله الطرف الآخر المناوئ للسلطات المصرية في الحشد ضدها، انطلاقاً من مفارقة بناء القصور الرئاسية في الوقت الذي يعاني فيه الشعب من ضغوطات اقتصادية، على حد التعليقات المنتشرة عبر الهاشتاغ المُشار إليه.
وبموازاة ذلك، ومع التضامن الواسع مع تلك الحملات، حاول الإعلام المصري التغطية عليها بتشويه الداعين إليها وتخوينهم، في الوقت الذي تم فيه تدشين هاشتاغ "إحنا معاك يا سيسي" ضد عشرات الآلاف من المؤيدين للرئيس المصري في مواجهة تلك الحملات، التي وصفها المشاركون في الهاشتاغ بأنها "موجهة وممولة" من جماعة الإخوان التي تصنفها السلطات المصرية على أنها جماعة "إرهابية".
بيانات سياسية
وعلى الصعيد السياسي، وتعبيراً عن حالة الاحتقان الداخلية، وأمام تلك التطورات التي تلف مصير المشهد السياسي في مصر، لوّح تيار الكرامة، الذي يقوده السياسي المصري البارز حمدين صباحي، بتجميد نشاطه، وانتقد الحزب في بيان له، الأربعاء، الأجواء السياسية في مصر.
وجاء في بيان الحزب: "في ظل هذا المشهد العبثي والذي لا يسمح بأي مسار عاقل لإدارة الدولة في إطار من التعددية يحافظ على وحدة المصريين بتنوعهم، ويسمح للمجتمع بقواه الحية أن تتفاعل معا في إطار قانوني ودستوري، بل إنه يهيئ البيئة الحاضنة لإعادة إنتاج الإرهاب والفوضى، فإننا في حزب تيار الكرامة يأبى ضميرنا الوطني المشاركة في مثل هكذا مشهد، عاجزين عن دفع تلك المخاطر عن شعبنا ووطننا، ما قد يدفعنا إلى إعلان تجميد النشاط الحزبي".
بيان تيار الكرّامة عبّر عن الضغوطات التي تواجهها القوى السياسية في مصر، في ظل المشهد السياسي الحالي. وبموازاة ذلك خرجت أحزاب داعمة للسلطات المصرية بسلسلة من البيانات من أجل إعلان التضامن مع السلطات المصرية في مواجهة ما وصفوه بـ"المؤامرات الخارجية". من بينهم أقدم حزبين مصريين (الوفد والتجمع).
إذ دعا حزب الوفد في بيان له الأحزاب السياسية إلى الالتفاف خلف الوطن، "في الوقت الذي تتعرض فيه الدولة لهجمة شرسة"، واعتبر أن "الدولة المصرية تسير بخطى ثابتة نحو تنمية شاملة وبناء مصر الحديثة، وأن الكل يثق في الرئيس عبد الفتاح السيسى".
وذكر حزب التجمع أن "الشعب المصري يعي المؤامرة الكبرى المخططة سلفاً والمدعومة والممولة من قوى الشر الإقليمية والعالمية، وقدرته على حماية دولته من المصير المؤلم الذي لقيته الدول المحيطة"، مؤكداً رفضه للدعوات المجهولة والمشبوهة للتظاهر ضد مقومات الدولة الوطنية المصرية، بخاصة أنها تأتي في سياق واضح بدأ بمحاولات التشكيك في القوات المسلحة التي تمثل العمود الفقري لقوام مصر بل والمنطقة العربية بكاملها.
القوات المسلحة
ودعا الممثل محمد علي، في فيديوهات القوات المسلحة المصرية إلى "التضامن مع الشعب المصري" والوقوف خلفه في التظاهرات التي دعا إليها يوم غدٍ الجمعة.
وبموازاة تلك الدعوات، قال وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد زكي، خلال لقائه مع عدد من مقاتلي القوات الخاصة أمس، إن "قوات الجيش المصري على قلب رجل واحد يدافعون عن أمن مصر، وماضون في أداء مهامهم المقدسة المكلفين بها لحماية الوطن ضد العدائيات والتهديدات المحتملة".
رسالة زكي جاءت حاسمة في سياق مواجهة محاولات إحداث انقسام في الجيش، على حد ما أكده مراقبون، شددوا في السياق ذاته على أن الساحة السياسية المصرية قد تكون حُبلى بالتطورات في قادم الأيام، لكنّهم في الوقت ذاته قللوا من إمكانية تنظيم تظاهرات يوم غدٍ، انطلاقاً من التشديدات الأمنية الواسعة التي يشهدها الشارع المصري التي تحول دون نجاح أي فعاليات ميدانية معارضة، وهو ما ظهر خلال السنوات الأخيرة من تشديد للقبضة الأمنية ضد أي فعاليات معارضة سواء بالشارع أو على الفضاء الإلكتروني من خلال القبض على الداعين لفعاليات مناهضة أو المحرضين على السلطات المصرية، كان آخرهم الناشط البارز كمال خليل، الذي تم حبسه /15/ يوماً على ذمة التحقيق بتهمة "نشر أخبار وبيانات كاذبة".
أجواء كانون الثاني
ونقلت تقارير إعلامية معارضة للسلطات المصرية، أنباءً –لم يتسن لـ"نورث برس" التأكد من مصادرها الرسمية، عن إقرار الداخلية المصرية خطة استنفار أمني واسعة في مواجهة دعوات التظاهر، فضلاً عن "احتماليات" قطع الاتصالات، وهو ما ذكره موقع قناة الجزيرة. بما يعيد للأذهان أجواء ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011.
"محاولة تفخيم الأمر وإعطائه حجماً أكبر هي سياسة مُخطط لها من أجل إرباك السلطات المصرية (..) الأمر لا يخرج عن إطاره المحدد بمواقع التواصل الاجتماعي فقط (..) لن يحدث شيء؛ لأن الشارع المصري يثق في قياداته، كما أن لديه الوعي الكافي بألا ينزلق إلى تلك الدعوات التي تنادي بها الكتائب الإلكترونية بالخارج"، هذا ما أكده مصدر أمني مصري في اتصال تليفوني، قلل خلاله من احتمالية حدوث أي تطور ميداني في مصر في قادم الأيام، وذلك رداً على التقارير التي تدفع باحتماليات تطورات فاصلة في المشهد.
ويخوض الإعلام المصري الرسمي والخاص، معركة شرسة مع أصحاب تلك الدعوات، بدأت من التخوين وحتى التشويه والتشكيك في الانتماءات "الدينية" والسياسية، من بينها نشر فيديوهات خاصة للمثل الهارب محمد علي، وحتى نعته بـ"المُلحد" و"متعاطي المخدرات" وغيرها من الأوصاف. في الوقت الذي تسود فيه حالة من التراشق عبر أوساط "السوشيال ميديا" بين مؤيدي ومعارضي السلطات المصرية، وحالة من الترقب لما ستؤول إليه الأمور في ظل الاحتقان الحالي.
وفي محاولة للتغلب على حالة الاحتقان السياسي، خرج الكاتب الصحافي المقرب من الرئيس المصري، ياسر رزق، معلناً عن توقعاته بإصدار الرئيس السيسي مبادرة للإصلاح السياسي في العام 2020، فيما عدّه مراقبون محاولة للتعاطي بشكل إيجابي مع الضغوطات الراهنة ومحاولة القفز عليها