NPA- المانيا
على الرغم من أنّ اعتماد أوروبا على الطاقة الصادرة من المملكة العربية السعودية ضئيلٌ للغاية، إلّا أنّ آثار الانخفاض الطويل في إنتاج النفط يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على الاقتصادات الأوروبية. فعلى مستوى التأثير المباشر من المتوقع أن تشكّل زيادة تكاليف إمدادات الوقود والأثار المترتبة على ذلك بتفجير التذمر الداخلي لا سيما في فرنسا، في حين قد تكون الاثار الجانبية التي تُعتبر الأكثر خطورةً متجسدةً في زيادة اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وتشير الأرقام الرسمية بأنّ استقرار إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوروبي هشٌ بالفعل، حيث أنّ معظم واردات الوقود التي تأتي إلى القارة الأوروبية محصورةٌ في عدد قليل من الدول.
ففي عام 2018 جاء ما يقارب 27.3% من واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام من روسيا، ونسبة صغيرة بحدود 6.6% جاءت من المملكة العربية السعودية، بينما ارتفعت الصادرات النفطية الامريكية إلى أوروبا في السنوات الماضية بنحو 6%.
وكانت المؤشرات النفطية في الاسواق العالمية شهدت خلال الأيام الماضية ارتفاعاً كبيراً لم تشهد له مثيلاً منذ العام 1991، وذلك عقب تعرض منشآتٍ نفطية في السعودية لقصفٍ أنزل مستوى إنتاج المملكة من الذهب الأسود الى النصف، حيث أدى الهجوم إلى توقف إنتاج ما يعادل خمسة في المئة من الإمدادات العالمية.
أوروبا التي تعاني من النقص في النفط والغاز قد تندرج ضمن الخاسرين في حال استدامة أزمة قطاعي النفط والغاز في الأسواق العالمية على المستوى المتوسط والبعيد، على الرغم أنّ المانيا على سبيل المثال، أكّدت بأنّ إمداداتها النفطية لم تتأثر بالهجمات على مصافٍ سعوديةٍ في مطلع الأسبوع، وإنّ أي قرار بالسحب من الاحتياطيات الاستراتيجية يجب أن يكون بالاشتراك مع أعضاء وكالة الطاقة الدولية.
السُخط الشعبي
غير أن واقع الحال في فرنسا مختلف بصورةٍ شديدةٍ عما في المانيا، إذ إن أي ارتفاعٍ في سعر برميل النفط لا بد أن ينعكس ضرراً على الاقتصاد العالمي لأنه سينعكس سلباً على القدرات الشرائية للمستهلكين، وخاصة أن أي خللٍ على مستوى ارتفاع الأسعار قد يؤدي بالتوازي إلى ارتفاع أسعار الوقود في فرنسا، ومجدداً قد تجد حكومة إيمانويل ماكرون نفسها في مواجهة أزمةٍ جديدةٍ مع السترات الصفراء.
وتشير التقارير بأنّ الحكومة الفرنسية، وببعض القلق، تتابع دراسة مسألة ارتفاع أسعار النفط على المستوى الدولي، وما سيرافقها من ارتفاع في أسعار الوقود على المستوى الداخلي، خاصةً في ظلّ تفاقم التوترات الجيوسياسية إثر الهجمات التي استهدفت مواقعاً نفطيةً في المملكة العربية السعودية يوم السبت الماضي. مما يعني أنّ محطات الوقود في فرنسا قد تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على السلم الاجتماعي أو قد يؤدي ارتفاع الأسعار في قطاع النفط الذي يخضع لنفوذ العائلات المالية الفرنسية الثرية إلى إشعال موجة الاحتجاجات الشعبية التي تقودها السترات الصفراء.
تمتلك أرامكو السعودية حالياً عقوداً مع بعض الشركات الأوروبية بنحو أكثر من /3/ ملايين برميل شهرياً، وتبعاً للمحلّيين بأنّه على المدى القريب، لا يتوقع أن يؤثر إغلاق /5.7/ ملايين برميل يومياً من إنتاج النفط السعودي بشكلٍ مباشرٍ على إمدادات النفط الأوروبية، لأن المملكة العربية السعودية قد نشّطت بالفعل احتياطاتها الاستراتيجية لتغطية العجز.
ومع ذلك، فإن المؤشرات الأخيرة القادمة من المملكة السعودية التي تشير بأنّ إصلاح انقطاع التيار الكهربائي قد يستغرق شهورا، من المرجّح أن يزيد من خطر تسليم النفط الخام إلى أوروبا.
الرابحون
بناء على ذلك، ثمة مؤشراتٌ تفيد بأنّ الولايات المتحدة قد تكون مستفيدة من هذا الهجوم على السعودية بطريقةٍ غير مباشرةٍ، لأنّها ربما ستزيد إنتاجها النفطي الأكبر في العالم أصلاً، والذي ازداد مع الاستخراج المكثّف للنفط الصخري، من المحتمل في هذه الحالة أن تزيد الولايات المتحدة الامريكية في حال بروز أزمة النفط والغاز في اوروبا بتعزيز صادراتها من النفط إلى القارة الاوروبية التي تعتبر أهم شريك تجاري وسياسي أمريكي في العالم.
بدورها قد تعزّز موسكو من موقعها في التنافس الحاد مع الولايات المتحدة الامريكية على تعزيز صادراتها النفطية إلى أوروبا على المدى المتوسط، خاصةً أنّها تحتل حصة الأسد في تزويد القارة بالنفط والغاز، علاوةً على أنّها المصدر الثاني للنفط في العالم، وبالتالي ستكون واحدةً من الدول التي قد تساهم في سدّ النقص في عرض النفط حالما استدعى الأمر ذلك، وهي بالتالي ستستفيد من ارتفاع الأسعار في الوقت عينه.
مهما تكن نطاق هذه المعطيات والتكهنات، يبقى جلُّ هذه السيناريوهات مرتبط بالزمن الذي تحتاجه السعودية لإعادة إنتاجها النفطي إلى ما كان عليه في السوق العالمي، إلا أنّ تراجع النفط السعودي قد يكون حجةً إضافية لتعميق التنافس الشرس بين روسيا والولايات المتحدة على تزويد القارة الاوروبية بالنفط والغاز، حيث أن اعتماد القارة العجوز على قطاع الغاز الروسي، قد فجر أزمة كبيرة في وقت سابق بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع الحكومة الالمانية التي تعتزم في إنشاء خط أنابيب (نورد ستريم 2)، الذي يرتبط بإمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.