السلطات المصرية تواجه حملاتٍ واسعةً مُحرّكها “السوشيال ميديا” وبرلماني يقدّم مشروع قانون لـ “إعدام مروّجي الشائعات”
القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
لم تكن الأيام القليلة الماضية عاديةً في تفاصيلها وتطوراتها المختلفة بالنسبة للسلطات المصرية, التي باتت تواجه حملاتٍ ضدّها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي واتخذ فيها التصعيد والتشكيك شكلاً جديداً ومختلفاً.
البداية كانت مع مجموعةٍ من "الفيديوهات" نشرها ممثّل وصاحب شركة مقاولات شهيرة في مصر، كانت تربطه بالقوات المسلّحة المصرية علاقة عمل في مشروعاتٍ مختلفةٍ ينفذها في سياق عمله كصاحب شركة مقاولات، تضمنت تلك الفيديوهات كشفاً بالأسماء والأرقام لما ذهب إلى وصفه بـ "الفساد" في تلك المشروعات التي مُنحت بالأمر المباشر دون دراسات جدوى، وكلَّفت الدولة مليارات الدولارات، من بينها مُنشآتٍ خاصةً برئيس الجمهورية نفسهِ.
وما فتئ المقاول المصري ينشر تلك الفيديوهات الكاشفة عن معلومات بخصوص ما ذهب على تسميته بـ "الفساد" بالرئاسية والقوات المسلحة، وذلك من مقر إقامته في إسبانيا، بعد أن غادر مصر عقب خلافٍ بينه وبين المسؤولين عن تلك المشروعات في القوات المسلَّحة، لم يحصل على أثره على مستحقاته المالية نظير مشروعاتٍ شارك بها، حتى انقلبت الدنيا رأساً على عقب بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وحظيت تلك الفيديوهات المُتتالية بصورة ٍشبه يوميةٍ من جانبه، بنسب مشاهدةٍ عاليةٍ.
وبينما لم يصدُر أي ردّ رسمي على المعلومات التي نشرها "علي" الذي ظلَّ اسمه حديث "السوشيال ميديا"، إلّا أنَّ الإعلام المصري قد تسابق في الهجوم عليه وتفنيد ما وصفوه بـ "الادّعاءات" التي ساقها في معرض هجومه على الدولة ومؤسساتها. فيما ذهبت تقارير إعلامية أخرى إلى وصف تلك الفيديوهات على أنها "حملة مُمنهجة ومُخططٌ لها".
وائل غنيم من جديد
بالتزامن مع تلك الفيديوهات، انتشرت فيديوهات أخرى نشرها الناشط البارز "وائل غنيم" الذي يُعد محرِّكاً رئيسياً لثورة 25 كانون الثاني / يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، تضمنت هجوماً على السلطات المصرية الحالية أيضاً، وذلك بعد سنواتٍ من ابتعاد غنيم عن الحياة العامة.
انتقد غنيم، في فيديوهاته "المثيرة للجدل" الأوضاع في مصر، وطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين، وأبرزَ أسماء بعضهم، مُبدياً تعاطفه مع أسرة الرئيس المصري السابق محمد مرسي (الذي توفى مؤخراً بالسجن، أثناء فترة محاكمته)، مطالباً بمناقشة أوضاع البلد بشكلٍ واسعٍ، وما تمر به من أزمات.
كما تضمنت فيديوهات غنيم، هجوماً على المقاول محمد علي، وما نشره من وقائع اتهم فيها قيادات عسكرية بالفساد. وهو ما دفع علي للردّ عليه بسخرية في فيديو جديد له نشره عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
تزامنُ حملتي الهجوم عبر السوشيال ميديا، من غنيم وعلي (اللذان اتفقا على الهجوم على السلطات المصرية وانتقادها) ظلَّ حديث الشارع المصري طيلة الأيام الماضية، بوصف ذلك "هجومٌ غير مسبوقٍ على السلطات المصرية بهذا الشكل" بينما تلتزم السلطات الرسمية الصمت دون ردّ على تلك الاتهامات.
ويعتقد محلّلون مصريون بأنَّ تزامنُ تلك الفيديوهات "ليس عفوياً" وعدّوه جزءاً من محاولات تشويه صورة مصر وإسقاطها ونشر الفوضى فيها، ويرون أنَّ "هناك مخططٌ كبيرٌ يُحاك ضدَّ الدولة المصرية، فكلما حققت الدولة إنجازات هناك من يقف لها بالمرصاد"، طبقاً لتعبير أستاذ العلوم السياسية بالقاهرة الدكتور طارق فهمي، في تصريحاتٍ صحافيةٍ له مؤخراً، شدَّد فيها على أن الإنجازات المُحققة في مصر "لا تُرضي العديد من الدول والجماعات التي بدأت تبحث عن طريقٍ آخر لتشويه الصورة".
وفيما عدَّ المتحدّث باسم البرلمان المصري النائب صلاح حسب الله، تلك الفيديوهات على أنَّها محاولاتٌ "مشبوهةٌ" لتشويه صورة مصر، فهو يعتقد أيضاً بأنَّ غنيم "أداةٌ لتنفيذ أهداف جماعة الإخوان المسلمين التي تصنّفها السلطات المصرية تنظيماً إرهابياً، ويدعم مخططات إسقاط الدولة المصرية".
فيما يرى آخرون أنَّ التعامل مع تصاعد الغضب على ذلك النحو، بوصفه مؤامرة مُدبرٌ لها يدعم نظرية "المؤامرة التي لا وجود لها بهذا الشكل" على حدّ رأيهم، على أساس أنَّ الضغوطات التي يواجهها الشارع المصري حقيقيةٌ مع تدني مساحة الحرية بالداخل، بالتالي يتحدث من هم خارجها بنوعٍ من الأريحية لتوضيح الحقائق للمصريين، على حدّ قولهم.
وتضمَّن هاشتاغ "محمد علي يفضحُهم" الذي تصدَّر التريند المصري عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تعليقاتٍ مؤيدةً لهذا الرأي الرافض للتعامل مع الأمر من منطلق "نظرية المؤامرة" التي تتعامل بها الدولة المصرية، مطالبين بالردّ على الاتهامات التي ساقها "علي" باعتباره شاهد عيان من قلب مطبخ المشروعات الخاصة بالدولة.
الإعدام عقوبةً لـ"ترويج الشائعات"
وبموازاة ذلك، تحرّك نواب برلمانيون مصريون للدفاع عن السلطات المصرية. حتى أنَّ نائباً برلمانياً قد أعلن عن اعتزامه تقديم مشروع قانون عاجل ببداية دور الانعقاد الخامس من أجل تغليظ عقوبة "ترويج الشائعات" حتى تصل إلى الإعدام. وطبقاً لما أكّده النائب البرلماني خالد أبو طالب –الذي أعلن عن تقديم المشروع- فإن ثمَّة العديد من الأخبار المغلوطة والأكاذيب التي يتم الترويج إليها، وجميعها تمس الأمن القومي المصري، والقانون الحالي غير كافٍ ورادعٍ لمواجهة تلك الشائعات.
وشدَّد النائب البرلماني، وهو عضو بلجنة الدفاع والأمن القومي، في بيان له على أنَّ "هناك أيادٍ خفيةً مستأجرة ومدفوعة تحاول خلال هذه الأيام العبث بعقول المصريين، بكيل الاتهامات المُسيئة لرموز الدولة ونشر الأخبار الكاذبة والمضلّلة، لتحقيق أهدافٍ خبيثةٍ، وجدت من مواقع التواصل الاجتماعي بيئةً خصبةً ومُناخاً ملائما ساعدها على الانتشار خلال دقائق"، في إشارة إلى أزمة الفيديوهات الأخيرة والهجوم غير المسبوق الذي تعرضت له السلطات المصرية بداية من رئيس الجمهورية وقياداتٍ عسكريةً
يتزامن ذلك المشروع مع مشروع قانون آخر، كان قد قدّمه النائب سليمان وهدان (وكيل مجلس النواب المصري) من أجل مواجهة الشائعات، بوصفها "تؤثر على الاقتصاد والسلم الاجتماعي، وتفقد الثقة بين المواطنين".
وتسعى السلطات المصرية، بشكلٍ دائمٍ، لاحتواء الحملات والتعليقات المناهضة لها طيلة السنوات الماضية عبر مواقع التواصل، سواء من خلال تفنيد الشائعات ببيانات رسمية صادرة عن مجلس الوزراء لتوضيح الحقائق، أو من خلال الحملات الأمنية التي تستهدف القبض على عددٍ من أصحاب الصفحات المُحرّضة، وحجب المواقع الإخبارية المختلفة التي تتضمن محتوى تحرّيضي ضدَّ السلطات المصرية.
وتظل التساؤلات المطروحة حالياً، ما حجم تأثير تصاعد الهجوم على السلطات المصرية؟ هل تدفع تلك الوقائع إلى الخصم من رصيد النظام المصري لدى مؤيديه؟ ومن المستفيد من ذلك؟ وما هي الإجراءات التي تتخذها الدولة المصرية للمواجهة أو المراجعة؟ وهل تكفي الإجراءات الأمنية في مواجهة تلك الحملات؟ أم أنَّ الأمر يتطلب إجراءاتٍ وإصلاحاتٍ سياسيةً واجتماعيةً واقتصاديةً واضحةً؟ جميعها أسئلةٌ تَطرح نفسها بقوةٍ بالأوساط المصرية.