السوريون في 6 أكتوبر بمصر.. دمشق الصغرى

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
على جانبي الطريق إلى تلك المدينة التي سُميت تيمناً بحرب السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973 التي شاركت فيها القوات المصرية والسورية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وإلى جوار المباني الشاهقة والمُجمعات السكنيّة, ثمة مراكز تسوق لماركات عالمية شهيرة ومقاهٍ ومطاعم مختلفة، لكنَّ الكثيرين يُفضلون أن تكون وجهتهم مدينة السادس من أكتوبر؛ نظراً لأسعارها الأقل نسبياً بطبيعة الحال، سواء في تملك العقارات، أو للسهر وجلسات الدردشة في مقاهيها ومطاعمها المختلفة.
تلك المدينة التي تقع على بعد 38 كيلومتر من القاهرة، منحها السوريون مزايا خاصة، ما جعلها محط أنظار الكثيرين من أهل البلد نفسه.. فالمدينة التي كانت تتميز بهدوئها النسبي بعيداً عن ضوضاء القاهرة، وكان يهجرها البعض أو يخشى السكن فيها أو حتى السهر رفقة الأصدقاء لبُعدها وكذا محدودية المحال والمقاهي والمطاعم التي تجعل أية مدينة عامرة بالناس، صارت اليوم,وبعد قرابة الثمانية أعوام من تدفق السوريين إلى مصر منذ انطلاقة الأزمة في بلادهم في آذار/ مارس من العام 2011, خياراً رئيساً لدى الكثيرين.
أعطى السوريون مدينة السادس من أكتوبر (تتبع إدارياً محافظة الجيزة، وتأسست في العام 1978) حيوية خاصة، سواء بشغلهم الوحدات السكنية هناك، ما أسهم في تحريك قطاع العقارات بالمدينة، ليجر معه باقي القطاعات الخدمية الأخرى، أو بمحالهم التجارية المختلفة، بداية من المطاعم التي تُقدم الأكلات السورية المُميزة، وحتى المقاهي ومحال الملابس والمفروشات، وحتى البقالة والتجزئة والبهارات.
أجواء شامية
وتوثيقاً شعبياً لهذا المشهد الدال على انخراط السوريين في المجتمع المصري بصورة واضحة، أطلق المصريون على أحد شوارع المدينة ذاتها اسم "شارع السوريين" وإن كان رسمياً لا يُعرف الشارع بهذا الاسم.
 وقد ذهب المصريون هناك لاصطلاح ذلك الاسم على الشارع لغزارة وكثافة الوجود السوري في المنطقة الكائن بها على وجه التحديد من المدينة، وتعدد المطاعم السورية والمتاجر المختلفة، التي رصدتها "نورث برس" بكاميراتها في جولة هناك.
أبو الوليد (52 عاماً) يقول إنه جاء إلى مصر في العام 2013 قادماً من حلب رفقة زوجته وأبنائه (صبي وفتاتان)، وذلك بعد اشتعال الأوضاع في سوريا، وسكن مدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة) بعد أن رشحها إليه أحد معارفه الذين سبقوه إلى مصر، والذي وفّر له عملاً في أحد المطاعم السورية التي ظلّ يعمل بها حتى اللحظة.
 يشير أبو الوليد إلى أنه لا يضطر للخروج خارج المدينة إلا نادراً، نظراً إلى أنه يكرس وقته للعمل والمنزل، وكل ما يحتاجه موجود حوله في السادس من أكتوبر، وهي المدينة التي لا تُشعره بالغربة كما يقول، نظراً لغزارة الوجود السوري فيها. ويقول: "حتى المصريين هم أهلنا وصار بينا نسب ببعض الأحيان أو علاقات جيرة طيبة قلما نجدها في مناطق وبلدان أخرى".
يعتقد أبو الوليد، الذي التقته "نورث برس" بأن تفضيل السوريين لتلك المدينة جاء نظراً لكونها مدينة هادئة نسبياً وغير مزدحمة، وتتميز بمساحات واسعة سواء في الشقق أو الشوارع، فوجد فيها الكثير من السوريين ضالتهم وتجمّعوا بها ودشنوا مشاريعهم وحياتهم الجديدة هناك.
ويقول: "السوري في مصر عادة ما يحب أن يكون في مناطق هادئة وبعيدة عن مركز العاصمة أو المناطق المركزية الرئيسية التي تشهد كثافات عالية، وبالتالي يفضل وجهات مثل أكتوبر أو الشيخ زايد أو الرحاب أو غيرها من المدن الجديدة، ولا يخرج الكثيرون منها كثيراً نظراً لاكتفائهم بما حولهم".
حي السوريين
يقع شارع أو حي السوريين، أو دمشق الصغيرة كما يطلق عليه البعض أيضاً، في الجهة المقابلة لمسجد الحصري الشهير بواحدة من أشهر مناطق مدينة السادس من أكتوبر. والواقف على عتبات المسجد المذكور يرى على المدى حي السوريين ومحالهم المنتشرة هناك، بخاصة المطاعم التي تتصدرها الشاورما.
ولا يوجد إحصاء دقيق بشأن عدد السوريين المتواجدين في المدينة، لكنّ رئيس هيئة اللاجئين السوريين تيسير النجار، عدّهم في تصريحات صحافية سابقة لهم أكثر حضوراً في السادس من أكتوبر مقارنة بمناطق توزعهم الأخرى. فيما تحصي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر عدد اللاجئين المقيمين في مصر بصفة عامة والمسجلين لديها بـ /130/ ألفاً، لكن تقارير حكومية مصرية تعدهم بنحو /250/ إلى /300/ ألف سوري.
كما لا يوجد إحصاء رسمي أو غير رسمي بشأن حجم استثمارات السوريين في أكتوبر، لكنّ إحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة، تشير إلى أن السوريين بصفة عامة استثمروا في مصر منذ آذار/ مارس 2011 ما يقدر بنحو /800/ مليون دولار، من خلال /30/ ألف مستثمر مسجل.
وعلى رغم ذلك الحضور الواسع للسوريين والانخراط الواضع بين المصريين، إلا أن الشائعات لم تغب بشأن السوريين في أكتوبر، ذلك أنه في فترات مختلفة أثيرت عنهم بعض الشائعات على غرار اتهامهم بموالاة تركيا (تشهد العلاقات المصرية التركية توتراً، وتعتبرها السلطات المصرية داعماً ومأوى للإرهاب) واحتفال السوريين هناك في شارع السوريين بفوز رجب طيب إردوغان برئاسة تركيا في العام 2018، وهي الأزمة التي تم تجاوزها بعد شد وجذب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وببعض وسائل الإعلام المصرية آنذاك، من بينها صحيفة "اليوم السابع" المقربة من السلطات المصرية.
تجربة
ضياء قاسم، شاب سوري في العقد الثالث من عمره، يقول لـ "نورث برس"، إنه جاء إلى مصر في أواخر العام 2012 وافتتح رفقة زميل له محلاً للملابس الجاهزة الشبابية في منطقة تُسمى "الحي السادس" بمدينة السادس من أكتوبر، وهي قريبة نسبياً من المنطقة الرئيسية بجوار مسجد الحصري (حوالي 10 دقائق بمواصلات داخلية).
 وفي العام 2014 توسّع قاسم وافتتح محلاً آخر في تلك المنطقة الحيوية أمام مسجد الحصري، وأضاف إلى نشاطه الملابس النسائية وملابس الأطفال أيضاً. ما شجعه في ذلك –كما يقول- ثقة المصريين في البائع السوري أولاً، وأيضاً كثافة السوريين الذين يقبلون على شراء الملابس الجاهزة منه، بخاصة أنه يعرف ذوق السوريين ويلبي احتياجاتهم مثله مثل المحال السورية الأخرى.
اقرأ أيضاً عبر نورث برس:
من الألف إلى الياء.. هكذا تم احتواء حملة الهجوم على السوريين في مصر
رئيس هيئة اللاجئين لـ نورث برس: السوريون رقم فاعل بمصر.. وهذه أسباب الحملة ضدهم
قصة كفاح طفل سوري في مصر.. فقد أهله وبلده لكنه لم يفقد حلمه