إعلان طهران تخطي الحد من اليورانيوم يطوق الخناق على الدبلوماسية الأوربية
ألمانيا- فرهاد حمي – NPA
رداً على الضغوطات الأمريكية ضد إيران، حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني، الدول الأوربية التي وقعت الاتفاقية النووية باقتراب انتهاء المهلة التي حددتها إيران /60/ يوماً، مع التأكيد أنه في حال لم تستجب الدول الموقعة في الاتفاق خلال المدة المتبقية لمطالب طهران، فإنها ستُقدم على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من /3.67/ في المئة، وهو السقف الذي يحدده الاتفاق النووي، وتفعيل مفاعل “آراك”.
وشكلت هذه التصريحات زيادة وتيرة القلق في كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، واعتبروا بأن زيادة طهران من تخصيب مادة اليورانيوم في المفاعلات النووية، ستكون ضربة قاضية للاتفاقية التي وقعت عام 2015، في الوقت الذي أكد الناطق باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي بأن إيران ستزيد من إنتاجها في تحصيب اليورانيوم بنسبة أربعة أضعاف تقريباً، وهذا المؤشر الإنتاجي سيتجاوز الحد الذي وافقت طهران مع الدول الموقعة في الاتفاق النووي.
ودخلت الأوساط السياسية والخبراء في البلدان الأوربية لفهم خلفية تفسيرات التصريحات الإيرانية الأخيرة، ثمة من جادل بحذر بأن إيران ربما ستبدأ قريباً بامتلاك السلاح النووي فيما لو استمرت بزيادة تخصيب اليورانيوم بموجب هذا الإعلان ولو بصورة بطيئة وتدريجية، لكنها ستفضي في نهاية المطاف تحسين قدرة طهران في تطوير السلاح النووي، وهناك من أرجعت هذه التصريحات إلى خيارات معدومة أمام إيران التي تعمل على زيادة تخصيب اليورانيوم، نظراً إلى أن هذا الخيار يعتبر الورقة الوحيدة المتاحة بيد طهران، ويتعين عليها أن تستثمرها في مواجهة ضغوطات إدارة ترامب.
وتبعاَ لتلك الآراء، فإن إيران بدأت تتخلى عن دبلوماسية” الصبر الاستراتيجي” لتدخل في مرحلة التصعيد المرحلي، فإن كانت إدارة ترامب تشدد الخناق على طهران بفرض العقوبات على القطاعات الحيوية الإيرانية، فإن طهران بدورها تهدد بالانسحاب من الاتفاقية النووية، وكلاهما يبحثان عن مفاوضات تلبي شروطهما، لكن تبقى الدول الأوربية في موقف محرج وسط دوامة الشد والجذب بين الطرفين، وخاصة إذا ما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض هذه المرة عقوبات على طهران من بوابة الأمم المتحدة تحت ذريعة مساعي إيران المعلنة في إنتاج الأسلحة النووية، حينها ستكون نهاية محتومة تنتظر مصير الاتفاقية النووية.
من المرجح بأن هذه الخطوة ستربك حسابات فرنسا وألمانيا وبريطانيا لعرقلة تأسيس خطاب مشترك وموحد، سيما أن كل من روسيا والصين قد تدعمان طهران ضد القرار الأمريكي، غير أن هذا لا يحد من القول بإن الأزمة النووي الإيرانية قد عادت إلى المشهد بصورة تثير قلق المجتمع الدولي مجدداً، حيث ستحاول إيران إعادة عقارب الساعة صوب إنتاج السلاح النووي، في الوقت الذي ستمارس إدارة ترامب ضغوطات كبيرة على طهران بغية إجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات.
ومع ذلك وفق التصريحات الرسمية لدى الدول الأوربية الموقعة مع إيران، لا تزال تتمسك دبلوماسية تلك الدول ببصيص من الأمل من أجل الحفاظ على الصفقة، فثمة وقت كما تقول الدول الأوربية بأن تتراجع طهران عن تقليل مخزون اليورانيوم، وفي المقابل ثمة متسع من الوقت أمام الدول الأوربية في إيفاء شروطها تجاه إيران وفق ما يقوله حسن روحاني.
وتحاول الدول الأوربية إيجاد آلية مالية وتجارية عبر ما يسمى “NSTEX” للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، على الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين شعروا بالإحباط جراء التأخير في إنشاء هذه الآلية، بيد أنَ هذه الآلية المزمع إنشاءها كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا قد تكون محدودة وفق رؤية طهران من أجل إيجاد مخرج تجاري سليم، كما أنها قد تواجه عقوبات أمريكية فيما لو توسعت وظيفتها التجارية لتطال قطاعات تتيح متنفس للاقتصاد الإيراني.
العقبة الرئيسية التي تواجه الدول الأوربية بغرض إنشاء هذه الآلية التجارية والمالية للحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع طهران، تكمن وفق الخبراء بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على القطاع المالي الدولي الذي يتداخل مع آلية الشركات الأوربية وشركات المتعددة الجنسيات التي قد تتعثر نشاطها مالياً فيما لو أقدمت على هذه الخطوة.
ويقول الخبراء إن هذه الآلية الأوربية المقترحة عبارة عن مبادرة سياسية لا تملك قوة تنفيذية وفعلية بسبب خشية الشركات الأوربية في الإقبال على هذه المخاطرة التي ستكون بالضد من إرادة واشنطن، وبالتالي قد تخسر نفوذها في الأسواق المالية الأمريكية.
وتخشى الدول الأوربية في اتخاذ موقف صارم في حسم هذه المسألة، سيما أن الدبلوماسية الألمانية التي زارت طهران لم تخرج بالنتائج المرجوة، وإذا ما سعت الدول الأوربية في اتخاذ موقف أحادي ضد استراتيجية ترامب حيال طهران، من المتوقع أن يتعرض الاقتصاد الأوربي إلى عملية انتقام من قبل الإدارة الأمريكية، وعليه، ثمة آراء تشير بأن الدول الأوربية لن تساند طهران في مواجهة ترامب، بل ستبحث عن مصالحها الخاصة التي لا تستحق أن تقوم من أجلها بمغامرة خطيرة في ظل الاقتصاد الإيراني الذي يصنف بأنه متوسط الحجم وخاضعاً لبيروقراطية لا تملك المرونة المطلوبة بخلاف المعايير الأوربية.
وتكاد تتفق غالبية التحليلات بأن تهديدات إيران الأخيرة بزيادة تخصيب اليورانيوم ستثير غضب إدارة ترامب بصورة مؤكدة، لكن الولايات المتحدة بدورها لا تريد حرباً وفق ما يقوله ترامب، بينما تتضاعف الحوادث الأخيرة في الخليج العربي وعُمان من إشعال حدة المناوشات الكلامية بين الطرفين، في الوقت الذي تعجز الدول الأوربية في إيجاد حل دبلوماسي يخفف من وطأة هذه التوترات، وهذه العوامل مجتمعة، ترشح بأن إدارة التصعيد سيصبح أكثر تعقيدًا بالنسبة لجميع الأطراف المعنية في المرحلة القادمة.