معادلات داخلية وإقليمية تصعّب على الجيش السوداني استنساخ النموذج المصري

الرياض ـ NPA
ظهرت ملامح مبكرة للسياسة الخارجية السودانية، خلال الشهور الماضية، بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير، تبدو فيها المجموعة العسكرية التي تتولى عملياً أمور البلاد، أقرب إلى الدول العربية المناهضة لمحور قطر وتركيا.
ويشهد الوضع الداخلي توتراً بين المجلس العسكري الانتقالي الذي تشكل عقب الإطاحة بالبشير، وبين قوى المعارضة التي يقودها “تجمع المهنيين”، ذو الطابع اليساري. 
وشهدت المدن السودانية، الثلاثاء والأربعاء، إضراباً عاماً دعا إليه التجمع، وذلك للضغط على المجلس العسكري الانتقالي بعد تعثر المفاوضات بين الجانبين.
وكتب “تجمع المهنيين”، وهو أحد مكونات قوى “الحرية والتغيير” التي تقود الحراك الشعبي في السودان، على حسابه على موقع تويتر، “لن نتراجع عن المطالبة بتحقيق أهدافنا المعلنة والمنصوص عليها في إعلان الحرية والتغيير ومنها إقامة سلطة مدنية انتقالية كأولوية، وسنعمل على مقاومة العقبات التي تواجه هذه الأهداف”.
وفي اليوم نفسه، أمس الأربعاء، قتلت محتجة وسقط عدد من الجرحى برصاص قوات الأمن قرب مقر الاعتصام وسط الخرطوم.
وبينما كان المحور الأساسي للخلاف يتمحور حول شكل الحكومة الانتقالية ومدتها، فإن تسرع العسكريين في طلب الدعم الخارجي بات محط رفض من قبل القوى السودانية المعارضة.
وقام رئيس المجلس العسكري، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق ركن محمد حمدان دقلو، بزيارات إلى كل من مصر والإمارات والسعودية، الأسبوع الماضي. 
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، خلال لقائه البرهان، في أبوظبي، دعم دولة الإمارات الكامل للسودان. 
وشدد بن زائد، وفق وكالة أنباء الإمارات، على “أهمية الحوار بين السودانيين في هذه المرحلة الحساسة”.
والثلاثاء، أعلنت الإمارات عن تقديم مساعدات للسودان حيث “افتتحت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، عدداً من المشاريع التنموية في السودان ضمن مبادراتها في “عام التسامح “، وتعزيزا لجهود دولة الإمارات لتأهيل البنيات التحتية ودعم المجالات التنموية في السودان. 
وتضمنت المساعدات حفر /10/ آبار ارتوازية ودعم القطاع الصحي بأجهزة طبية وتوزيع المير الرمضاني وتنظيم موائد إفطار. 
وتقوم الإمارات بتوجيه الهلال الحمر تقديم مساعدات في الدول الصديقة.
وبعد زيارة البرهان إلى أبوظبي، كتبت نشرة “أخبار الساعة” التي تصدر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أن الدعم الإماراتي للسودان، ينطلق من اعتبارات عدة، أولها الانحياز لإرادة الشعب السوداني، وثانيها دعم إرادة التوافق الوطني للعبور بالسودان إلى بر الأمان، وثالث هذه الاعتبارات هو دعم جهود الحوار الوطني بين مختلف القوى السياسية والمجلس العسكري، ورابعها هو تأكيد قوة ومتانة العلاقات الإماراتية – السودانية.
وعقب جولة المسؤوليْن العسكرييْن، أكد الفريق أول محمد حمدان دقلو، على دعم بلاده للمملكة العربية السعودية في مواجهة ما أسماه “كافة التهديدات والاعتداءات الإيرانية والمليشيات الحوثية”. والسودان عضو في التحالف العربي الذي يحارب جماعة الحوثي في اليمن.
وتشعر القوى السودانية المعارضة، بالقلق من تلقي المجلس العسكري الدعم من المحور السعودي الإماراتي المصري، بما يدعم موقف العسكريين ضد مساعي المعارضة بتسليم السلطة لحكومة مدنية.
وقال محمد ناجي الأصم، القيادي بـ”تجمع المهنيين”، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، إن “الجميع يعرفون أن الدعوة للإضراب جاءت بعدما تحول دور المجلس العسكري من سلطة مؤقتة إلى تعزيز موقعه والتصرف كأنه الحاكم الوحيد للبلاد… فضلا عن الشروع بإقامة علاقات خارجية”، مؤكداً ان الجولات الخارجية للمجلس لن تفيده”.
ويجد تجمع المهنيين نفسه في موقف معقد، فهو ضد جماعة الإخوان المسلمين، ويعتبرهم جزءاً من نظام الحكم السابق، لكنه يتخوف في الوقت نفسه من حسابات لا يمكن التنبؤ بها للمجلس العسكري. 
وبدأ متظاهرون سودانيون يصرحون علناً من خلال الهتافات، بأنهم يرفضون فرض النموذج المصري في السودان.
وكتب تجمع المهنيين، على حسابه على موقع تويتر، أن وفدا من التجمع التقى الثلاثاء الماضي، السفير المصري بالخرطوم حسام عيسى. 
وذكر أن اللقاء بدأ “بتأكيد السفير على مبادئ أساسية تضمنت التزام مصر بعدم التدخل في الشأن السوداني، وعدم سعيها لفرض أي نموذج أو تجربة على الوضع في السودان، وتفهمها لاختلاف التفاصيل والتجارب بين الدولتين”.
إلا أن المجلس العسكري لا يبدو في وارد تسليم السلطة بالصيغة التي يطرحها المدنيون. 
وحذر الفريق أول دقلو، الثلاثاء، من أن “هناك دول متربصة تريد أن يكون السودان مثل سوريا أو ليبيا”، وتحدث عن وجود “معلومات مؤكدة بتخابر العديد مع جهات خارجية”، الأمر الذي يمهد لتنفيذ حملة اعتقالات يرجّح ان تكون مسيّسة.
ووفق مصادر خليجية مطلعة، فإن الإمارات والسعودية ومصر، مهتمة بإبعاد السودان عن قطر وتركيا بصيغة لا تؤدي إلى دعم خيارات المجلس العسكري ضد رغبة القوى المدنية السودانية. 
وتتخوف هذه الدول من إمكانية اضطرار المجلس العسكري إلى قبول الدعم من قوى الإسلام السياسي “الإخواني”، وقد تكون هذه الورقة هي التي كان يحملها معه المجلس العسكري خلال زياراته إلى مصر والإمارات والسعودية.
هل ستقبل هذه الدول هذه المقايضة؟ من المستبعد أن تغامر الإمارات والسعودية بذلك في ظل تعرض سمعتهما للضرر بسبب دعمهما قادة عسكريين مثيرين للجدل، مثل السيسي في مصر، وخليفة حفتر في ليبيا.