الضفة الغربية ـ NPA
لا يمكن القول إن جولة كبير مستشاري الرئيس الأمريكي غاريد كوشنير، الأخيرة برفقة مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط غيسون غرينبلانت، إلى عمّان والقدس والرباط لحشد الدعم ل”ورشة البحرين الاقتصادية”، قد أخفقت أو نجحت في تحقيق غايتها.
فهنا لا يوجد مقياس مئة بالمئة للنجاح أو الفشل، لكن الواضح أنه بالمحصلة لا يمكن للدول العربية حتى تلك التي تتباين بوجهة نظرها مع واشنطن حول الحل الأمثل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أن تقول لها “لا، لن أحضر ورشة البحرين”.
وبالرغم من اعتقاد الجانب الرسمي الفلسطيني أن ذهاب إسرائيل لانتخابات جديدة في غضون ثلاثة أشهر سيؤجل إعلان الخطة الأمريكية للسلام، إلا أن مسؤولاً أمريكياً أبلغ وكالة “رويترز” أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ستمضي قدماً في عقد مؤتمر البحرين في موعده المقرر في 25 و26 من حزيران /يونيو القادم.
وتسعى واشنطن لعدم البوح بالشق السياسي من الصفقة الأمريكية، كي لا تكون مادة “دسمة” للدعاية الانتخابية الإسرائيلية، بحيث تكون مثار مزاودة من شأنها أن تطيح برئيس الوزراء بنيامين نتيناهو في المعركة الانتخابية المقررة في أيلول/سبتمبر القادم.
لكن عملياً، قررت واشنطن تأجيل الحديث عن الجانب السياسي من خطتها قبل إخفاق نتنياهو في مشاوراته لتشكيل حكومته والإعلان عن الانتخابات المبكرة.
ووفق معلومات توصلت إليها “نورث برس”، فإن ورشة البحرين ستناقش ضخ مبلغ يصل إلى ثلاثين مليار دولار لصالح مشاريع استثمارية في الأراضي الفلسطينية.
وتعتقد واشنطن أن التنمية وتحسين الواقع الاقتصادي للفلسطينيين سيمهد للحل السياسي.
بينما يرفض الفلسطينيون هذا المبدأ من التفكير الأمريكي على أساس “الحل الاقتصادي” دون حلول سياسية وكأن القضية “مالية” لا “حقوق فلسطينية مسلوبة”.
بدورها، رأت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية في تحليلها السياسي، الجمعة، أن “مبعوثي ترامب، كوشنير وغرينبلانت، لا ينقصهما التهذيب، ببساطة هما يائسان، فزيارتهما للبحرين والأردن وإسرائيل عززت صورتهم كوكلاء مبيعات محبطون يريدون الترويج لمنتج سري، ويكتشفون المفاجأة أن لا مشترٍ له”.
ولعلّ السؤال الذي يُطرح الآن: كيف سيكون حجم المشاركة العربية في مؤتمر البحرين المرتقب بالرغم من محاولات السلطة الفلسطينية إقناع العواصم العربية بعدم المشاركة؟
وبالنسبة لحجم المشاركة العربية في مؤتمر البحرين المرتقب بالرغم من محاولات السلطة الفلسطينية إقناع العواصم العربية بعدم المشاركة، يعتقد الكاتب الصحافي المتابع للشأن الأمريكية داود كتاب في حديث لـ”نورث برس” أن المشاركة اللافتة ستكون مقتصرة على دول الخليج، ولكن الدول العربية الأخرى مثل مصر والأردن ستشارك بوفد منخفض المستوى.

ويتوقع كُتّاب أن المشاركة العربية لن تكون بارزة إلى حد كبير باستثناء الدول الخليجية التي ستسعى لأن تكون حاضرة بأعلى مستوى؛ ذلك أنها ترى في هكذا مؤتمرات أهمية كبيرة لتمكينها في مواجهة إيران و”الجماعات الإسلاموية”، أكثر من أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لها.
ويرجح كتاب أن يفشل مؤتمر البحرين فشلاً ذريعاً، وأن يبقى الجانب السياسي من الخطة الأمريكية غامضاً؛ فمؤتمر البحرين عبارة عن ورشة اقتصادية لن يكون فيها تطرق لأي جزئية سياسية.
أما بخصوص الفائدة التي ستجنيها الدول العربية وخاصة الخليجية من صفقة القرن التي تقول الأنباء أنها مكونة من خمسين أو ستين صفحة، يقول الصحافي الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية حسَان عوّاد لـ”نورث برس” إن الوضع الجيو-سياسي في المنطقة بكاملها في تغير سريع خلال السنوات الأخيرة والذي فرضته الأزمات المتلاحقة، بموازاة طرح خطط ومبادرات تعزز الواقع الجديد، بدءاً من صفقة “تيران وصنافير” بين السعودية ومصر ومرورا بمشروع قناة البحر الميت المجمد حاليا، ووصولا إلى مشروع “نيوم” الاقتصادي في البحر الأحمر. وكل هذه مبادرات وخطط بالشراكة مع محور أمريكا-إسرائيل والتي يرى فيها العرب فوائد اقتصادية جمّة.

ويتابع: بالنسبة للفائدة السياسية والعسكرية، فهي قضية الهيمنة في الشرق الأوسط والتي ترى السعودية أن لها أحقية بها كممثلة للمحور السّني بالتحالف مع مصر وضد “المدّ الإيراني” وما تسميها “الأطماع التركية”.
لكن عواد، يربط صراع الهيمنة بما يجري على الصعيد الدولي بالعمق، فهناك حرب “سيادة” دائرة بين المعسكر الشرقي والغربي؛ أي بين أمريكيا وحلفائها، ويتم استخدام العرب كأدوات، في مقابل روسيا والصين وحلفائهما.
ويرى عواد أنه يتم استدراج العرب من كلا التكتلين، كمراكز استهلاك وجغرافيا في عملية “المقارعة الحاصلة” بينهما سواء اقتصادياً أو سياسياً وعسكرياً.
وحول علاقة “مؤتمر البحرين” بكل هذا، فإن عواد يشدد على “أن أي خطة سلام غالبا ما يتم الإعلان عنها خلال مؤتمر ضخم يضم الأطراف المعنية وطرفي الصراع بالإضافة إلى اللاعبين الدوليين المؤثرين.
وبالتالي، فإن مؤتمر البحرين بهذا الشكل هو مؤتمر الإعلان عن انطلاق الصفقة، وإن كان الشق السياسي سيبقى مؤجلاً”.
وبشأن ما يمس الفلسطينيين بهذه الصفقة، يوضح الصحافي المقيم في أمريكيا حسّان عواد، أن صفقة القرن تطور طبيعي لاتفاق “اوسلو” الذي أُبرم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، ونتيجة لضعف الطرف الفلسطيني مقابل قوة إسرائيل والولايات المتحدة، على حد تعبيره.
ولهذا، يؤكد عوّاد أن أي مفاوضات يجب أن تستند على معايير ويجب أن يكون هناك بديل يعود إليه الأطراف إذا ما فشل الاتفاق أو لم يتمكنا من الوصول لتفاهمات.
بينما بديل إسرائيل، بحسب حسان عواد، هو الحفاظ على احتلال الضفة الغربية وتحويل الفلسطينيين إلى “بنك لدفع تكاليف الاحتلال”.
يبدو أن بديل الفلسطينيين هو الاستمرار في السلام بدون مفاوضات؛ لأن أي اتفاق دون قبول احد الأطراف يعتبر فاشلاً.
غير أن حسان عواد يتساءل: “ولكن هل سيتم فرض شيء على الفلسطينيين عن طريق خلق وقائع على الأرض؟”.. ثم يجيب: “هذا ما يجب أن يستعد له الفلسطينيون وأن لا يدفعوا تكاليف تحالفات اقليمية وحدهم”.
ويرجح عواد أن يكون سبب الرفض الاستباقي من قبل السلطة الفلسطينية لصفقة القرن حتى قبل إعلانها، هو أنها على إطلاع على الإطار العام للصفقة، ولكن ليس من خلال الأمريكيين بل من قبل بعض الأطراف العربية التي هي على دراية بما يجري.
ويتابع عواد: “هذه قضية أخرى وهو التعامل مع الفلسطينيين على أساس أنهم غير موجودين أصلاً، أو أنهم جَوعى بحاجة إلى مال، وأن حلهم السحري يكمن بروشة اقتصادية!”.
ويقترح الصحافي حسان عواد على القيادة الفلسطينية لمواجهة ذلك، أن تقوم بعرض كل الاتفاقيات السابقة التي أبرمتها مع إسرائيل، لاستفتاء شعبي عام، وهو ما سيكون بمثابة تفويض ورد شعبي على أي محاولات لفرض حلول عليهم، تحت عنوان “الصفقة الإقليمية الشاملة القائمة على التحالفات والمصالح”.
وتقول القيادة الفلسطينية في أروقتها الضيقة، بأن الدول العربية تتبع أسلوب “التمويه” والمُراوغة في موقفها إزاء القضية الفلسطينية، فما تقوله في الإعلام عن حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية كأساس لتسوية القضية الفلسطينية، تؤكد للولايات المتحدة في الغرف المغلقة عكس ذلك حينما تبدي استعدادها لتمرير رؤية واشنطن-على جُرعات- حول الحل المبني على ما تفرضه إسرائيل من واقع-جيوسياسي على الأرض، لا غيره.