شاب سوري يفتتح معرضاً لسرقة الأحزان

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA 
“إذا تأخرت الشمس، منشدها من شعرها حتى تطلع” هذه مفردات عالم عصابة “الفصاعين”، ذلك العالم الرحب الذي يحلم بالخير والخلاص للإنسانية جمعاء والذي خلقه الرسام السوري مجد كردية (34 عاماً), والذي يصفها بـ”كائنات تحب الضوء الذي يغمر كل شيء بالتساوي”.
افتتح كردية معرضه الأخير المعنون بـ”سرقة الأحزان .. ممكن نسرق أحزانك لو سمحت” في ساقية عبد المنعم الصاوي بالقاهرة, والذي بدأ في 12 حزيران/ يونيو وينتهي اليوم مكملاً يومه التاسع
وحول عنوان المعرض يقول لـ”نورث برس” إن “سرقة الأحزان هي دعوة للإحساس بالآخر، ودعوة للتمسك بإنسانيتنا ربما عجزت عن صناعة الفرح، لكن أحاول سرقة الحزن”.
تفرد الفنان التشكيلي السوري ، المنحدر من حلب, والذي يستقر في لبنان, بشخوصه الذين يحارب به القبح الذي ساد، والخوف الذي عمّ أرجاء “بيت الجيران” والكراهية التي انتشرت، ليمنحهم المحبة الخالصة، رابطا بين الحب والأمل عماد ذلك العالم وأساسه الصلب، بقصص وخواطر نثرية وأبيات نابضة بالحياة حفلت بها لوحاته. 
يحاول مجد أن يربط أعماله بالقضايا المريرة للإنسان ليحولها من خلال لوحاته لصورة تزيل العناء والقبح المتواجد في صورتها الحقيقية. وترتبط أعماله مجد ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بقضايا الإنسان، ويعتقد كردية بأن “الفنان الذي لا يدرك بشاعة الحرب إلا حين تكويه نارها هو إنسان لا يشعر بغيره.
يصف كردية أرض المعركة بلوحة بيضاء لا غبار فيها، والسلاح وردة وضوء وألوان وفكر ونظرة فلسفية على طريقة السهل الممتنع، والعدو خوف ويأس وقبح بغيض، في نزال محسوم سلفاً للشمس والضوء والحياة.. “افتح شباكك، اترك شمسك تطلع.. شمس السما ما بتكفي”.
الفصاعين
يقول مجد “أنا لم أبتكر أبطال لوحاتي أو اخترعها وخاصة الفصاعين.. لكنني اكتشفتها كما يكتشف العلماء أنواع طيور جديدة في غابات مجهولة.”
عوالم سيريالية ـ حركة أَدبيَّة وفَنِّيَّة هدفها التَّعبير عن الفكر الصَّافي بعيدًا عن المَنطِق ـ تُسيطر على أعمال مجد، عادة ما تكون تلك في منظور الكثير من المبدعين والنقاد، إما هروباً من الواقع المُدمر المليء بالألم وانعدام الأفق، أو أنها تمثل مثالية يصبو إليها المبدع، لكنّ الحال مختلفٌ بالنسبة لكردية، الذي يقول ” لا أحبذ فكرة تخيري بين اتجاهين لا ثالث لهما، هذا قيد لا لزوم له”.
الفن الحقيقي في منظور كردية لا يكون هروباً، وإلا يتحول من فن “إلى كوكايين أو حبوب هلوسة، ناقداً، إن البعض يريد تحويل الفن إلى نشرة أخبار”.
ويضيف “أواجه مواضيع الحرب والتوحش والحنين والحزن واليأس والخوف والتشرد والأمل, لأن الفن هكذا، لا تستطيع حصره في زاوية، هو كالماء دائماً يجد منفذاً للحرية”.
عوالم خاصة
تتمتع عوالم مجد بالبساطة والسهولة، تُحيل الناظر طفلاً من جديد، ينظر للألوان والأشياء نظرة بكر صافية، لا قبح فيها أو زيف، ثم يُصدم بعمق معانيها وما تنطوي عليه من فلسفة خاصة تلك الفلسفة التي “إن لم تنجح في صناعة الفرح، لكنها حتماً ما تسرق الأحزان”.
أبيات للمتنبي أو امرؤ القيس وعنترة وزهير بن أبي سلمى، وحتى محمود درويش، تظهر إلى جوار “عصابة الفراشة المخيفة جدن” حسب تعبير مجد، تلك العصابة المملوءة بالحياة، ومشاكساتها ومغامراتها وحواراتها الفلسفية أحياناً، تخلق عالماً فريداً يقام القبح بشتر الطرق. 
الصورة والكلمة
يقول مجد “حين أقرأ الأشعار تُعرض في ذهني شاشة سينما، أرى فيها كل الصور التي رسمها الشاعر بكلماته، وحين يعجبني مشهد ما أرسمه”, مضيفاً “أما بخصوص النصوص التي أكتبها بنفسي، فأغلب الأحيان أكتب النص وأنا أرسم العمل حتى لا يسبق أحدهما الآخر.”
وبأعمال مجد تبزغ رؤية فلسفية واضحة، تظهر بقوة من خلال شخصياته المُبتكرة، انطلاقاً من مرجعية مُحركة الفن بداخله, تحمل رؤية خاصة غير شائعة، تتمثل تلك المرجعيات في عشقه للشعر الكلاسيكي وفي هذا الإطار يقول “أنا عاشق للشعر الكلاسيكي والأساطير الشرقية القديمة وللتاريخ بشكل عام، ربما هذا التضاد الكبير بين أعمالي ومرجعياتي ما أعطى للموضوع “خصوصيته”.
القضايا الأم 
يشير الكردية إلى أن القضايا الأم أحياناً تخنق الفن من جهة, وتكون سبب شهرة للفنان من جهة أخرى، قائلاً: “إنني أبتعد عن الحالتين.. قضيتي الأساسية هي الإنسان أينما وُجِدَ، أما عن الصراعات السياسية فهي للأطراف المستفيدة منها والتي يذهب ضحاياها مئات آلاف الأبرياء”.
وترتبط أعمال مجد ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالقضايا الأم، قضايا الإنسان، ويعتقد بأن “الفنان الذي لا يدرك بشاعة الحرب إلا حين تكويه نارها هو إنسان لا يشعر بغيره.”
ويتابع مجد “أفضل عدم حضور مَعارضي، حتى تكون الأعمال هي سيدة الموقف، من يحب أعمالي يأتي ليتعرف عليها ويحاورها، أحب أن تتحدث أعمالي عني، بعيداً عن الشخصنة، حتى أني أفكر بإضافة توقيع آخر على اللوحات يحمل اسم عصابة الفراشة المخيفة جداً، حتى أتوارى نهائياً خلف الكواليس”. 
ويضيف إن المعرض هو مختارات من /200/ لوحة تُمثل أكثر من مرحلة من حياة “العصابة”، حتى يشاهد المتلقي الشخصيات وهي تنمو أمامه وتتطور إلى آخر عمل في العام 2018. 
يذكر أن مجد كردية أقام عدداً من المعارض الفنيّة، وتُبرز أعماله فكراً فنياً ثورياً يمنحها الخصوصية والتفرد.