الخابور.. من أقدم مكتبات الرقة تروي قصة القراءة السورية

الرقة – مصطفى الخليل –  NPA
“لم يتقبل عناصر داعش  فكرة وجود المكتبة ولا حتى صاحب المكتبة واعتبروها كفراً وردةً” هذا ما يقوله أحمد الخابور/78/سنة من أهالي مدينة الرقة وصاحب مكتبة “بور سعيد” والمعروفة باسم مكتبة “الخابور”.
يضيف الخابور في حديثه لـ “نورث برس”: “قام اثنان من عناصر داعش  بحرق محتويات المكتبة بعد مصادرتها، أحدهما كان تونسيا والثاني سعودي”.
تقع مكتبة بور سعيد في مدخل شارع المنصور من الجهة الجنوبية إلى الغرب من متحف الرقة الأثري، والذي كان في أواخر القرن التاسع عشر مقراً للسرايا العثمانية.
ويتابع الخابور حديثه قائلاً: “بعد حادثة حرق الكتب تلك عزيت نفسي أن سوريا كلها لحقها التدمير والخراب، والموضوع لن يقف عندي ولاعند مكتبتي”.
إعادة ترميم المكتبة 

و عن إعادة تأهيل المكتبة من جديد وافتتاحها مؤخراً، يقول الخابور: “في الشهر العاشر من العام 2018 قامت لجنة الثقافة والفن والسياحة في مجلس الرقة المدني بمساعدتي في إعادة ترميم المكتبة وتجهيز رفوفها، لتعود لاستقبال روادها من جديد كما كانت في سابق عهدها”.
ويضيف أنه كان يحتفظ بمجموعة كتب ومجلدات وصحف كانت مخبأة في مستودع خاص لم تطله أيادي عناصر التنظيم.

فكرة التأسيس 

وعن بدايات تأسيس المكتبة، وسبب التسمية قال الخابور: “تأسست مكتبة بور سعيد عام 1957 ولم تكن المكتبة الأولى في الرقة، قبلها كان هناك مكتبات عدة ولكنها لم تستمر؛ مكتبة بور سعيد هي الوحيدة المستمرة حتى يومنا هذا، ويطغى اسم الخابور على المكتبة نسبة لعائلتي.”
ويستطرد قائلاً: “كنت أحد أعضاء تيار اليسار العربي، وكانت فكرة إنشاء وتأسيس المكتبة تعود للمجموعة الحزبية التي أنتسب لها والتي كانت قائمة في الرقة آنذاك، وتم اختياري لافتتاح وإدارة المكتبة تقديراً لجهودي في هذا المضمار، كانت الرقة آنذاك “قائم مقامية” تتبع دير الزور وارتأت لجنة المنطقة أن يكون لهم مركزاً لتوزيع جريدتهم (جريدة النور) وكانت هذه الجريدة تحظى بمتابعة كبيرة ليس فقط من أعضاء الحزب بل من شريحة واسعة من الأهالي ومناصري الحزب, وذلك لأن الناس كانت تعتبر أن الفكر اليساري يُنصف طبقة العمال والفلاحين، وبعد ذلك حولت المكتبة من مكتبة خاصة بالمنشورات والكتب التي تُعبّر عن الفكر الشيوعي إلى مكتبة شاملة تحتوي على مراجع إسلامية وثقافية متنوعة وجرائد محلية وعربية وعالمية”.
“ما تطعمي خبز”

وعن مكانة مكتبة بور سعيد ودورها في الحراك الثقافي والسياسي في الرقة، يقول الخابور: “كانت مكتبة الخابور في الستينيات من القرن العشرين ملتقى لشباب الرقة وتنطلق منها المظاهرات التي تندد بالاستعمار وحلف بغداد، و قد تعرضتُ بسبب ذلك للاعتقال والسجن مرات عديد”.
ويتابع في ذات السياق قائلاً: “لم يكن هذا الملتقى مقتصراً على اليسارين بل كان فيه من جماعة الأخوان المسلمين والناصريين، وكنا نختلف مع بعضهم ولكن كلنا كان يتفق على بناء سوريا وتقدمها كلٌ حسب توجهاته الحزبية والفكرية”.
وعن الصعوبات التي عانى منها بداية عمله في المكتبة يقول الخابور: “في بدايات عملي في المكتبة جوبهت من بعض الأهل والمقربين برفض فكرة العمل في المكتبة، بحجة أن هذا العمل لا فائدة منه ولايطعم خبز، ولكني لم آبه لكل تلك الآراء وصبرت واجتهدت وبقيت مستمراً حتى تاريخه”.
حرية لامحدودة

ويذكر الخابور الصحافة السورية في تلك الآونة، بأنها كانت تتمتع بحرية لامحدودة؛ “قل مثيلها في الكثير من الدول العربية وحتى الأجنبية. 
ويضيف: “كانت سوريا تشتهر بكثرة المطبوعات والصحف، وكان يصل إلى مكتبة بور سعيد كل الصحف التي تصدر في سوريا”.
كما كان لمكتبة بور سعيد علاقة بدور النشر في سوريا والعالم العربي، و عن الرقابة التي فرضتها الحكومة السورية على المطبوعات في ذاك الوقت، يقول أحمد الخابور: “أذكر أنه في سبعينيات القرن الماضي جاءنا شخص من رواد المكتبة وطلب مني كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ولم يكن موجوداً في المكتبة، فقمت بمراسلة مكتبة دار المثنى للطباعة والنشر في بغداد وهي من أشهر دور النشر في العراق، فأرسلوا لي مختصر تاريخ بغداد، وبينوا من خلال رسالة خطية أن كتاب تاريخ بغداد قد نَفذت كل نسخه ورحبوا بالتعاون فيما بينهم وبين المكتبة”.
“رقابة قاسية” 
يقول صاحب أقدم مكتبة مأهولة حتى الآن في مدينة الرقة أنه تعامل مع أشهر دور النشر المحلية والعربية الشهيرة، فــ”قبل تولي حزب البعث السلطة في سوريا كانت الكتب والمطبوعات والجرائد العربية والعالمية يتم توزيعها عن طريق شركة خاصة يديرها عبد الرحمن الكيالي وهو من مدينة حلب”. 
ويضيف: “قامت الحكومة السورية بعد عام 1970م بتأميم هذه المؤسسة وجعلتها تتبع لأجهزة الدولة مما جعل الرقابة شديدة على حرية الصحافة، وحدّ من دخول الكثير من الصحف العربية والأجنبية التي لا تنسجم مع الخط الذي تنتهجه مؤسسات الدولة آنذاك” مؤكدا أنه مايزال يحتفظ العديد من الصحف العربية والأجنبية التي مُنعت من الدخول إلى سوريا آنذاك.
الكتاب الورقي

وعن اهتمامات القرّاء ونوعية رواد المكتبة  في عصر التطور التكنولوجي، يقول الخابور: ” يبقى للكتاب الورقي عشاقه، ولابد من بقائه مهما كان التأثير الإلكتروني جذاباً ومتاحاً بيسر”.
كُرمت مكتبة بور سعيد من عدة جهات ومؤسسات ومنها جميعة العاديات في الرقة ومتحف طه الطه، وكُرمت من حزب الوحدويين الإشتراكين بمرور خمسين سنة على افتتاح المكتبة، و”كرمتني جريدة الإعتدال الأمريكية الصادرة في ولاية نيوجيرسي”.
وينهي حديثه: “كل هذه الدروع والتكريمات وبطاقات الثناء احترقت مع بيتي الذي تدمر بسبب قصف طائرات التحالف الدولي لمدينة الرقة أثناء الحرب تحرير المدينة سنة 2017”.