شبكة أنفاق طويلة حفرتها فصائل إيرانية تعيق عودة سكان بدير الزور إلى منازلهم
علي البكيع – دير الزور
بينما تُحاول الحياة أن تدب من جديد في قرى دير الزور الشرقية بعد سنوات من الحرب والنزوح، يجد سكانها أنفسهم في مواجهة تحدٍ آخر، أعمق وأكثر تعقيدًا، يتمثل بشبكة من الأنفاق التي خلفتها الفصائل الإيرانية تحت منازلهم.
اليوم، وبعد انتهاء سيطرة الفصائل الإيرانية التي استمرت لسنوات عديدة، يكتشف العائدون شبكات طويلة من الأنفاق، هي ليست مجرد مخابئ عسكرية فحسب؛ بل عائق فعلي أمام عودة السكان، وتهديد مستمر لسلامة من تبقّى منهم، في ظل غياب الخدمات الأساسية التي تُعد شريان الحياة والاستمرار فيها، بحسب سكان محليين.
“خراب فوق الخراب”
يقول مطر الأحمد، من سكان قرية الغبرة بريف البوكمال، لنورث برس، “عدت قبل فترة قصيرة من خروج الفصائل الإيرانية، الذين قاموا بإنشاء سواتر وأنفاق”، واصفاً أنهم “خربوا القرية بالكامل، كما أنهم حولوا الجامع إلى حسينية، والمدرسة خربوها.. خراب فوق الخراب”.

ويشير إلى أن الأنفاق لا تقتصر على الأراضي المفتوحة، بل تمتد تحت البيوت، مضيفاً: “هناك بيوت حُفرت تحتها أنفاق بعمق عدة أمتار، وتمتد إلى أعماق الأرض”.
ويقول “الأحمد”، إنه “يوجد الآن، حوالي 250 أو 300 بيت في القرية لا يمكن لأحد أن يعود إليها بسبب هذه الأنفاق.”
ويضيف أن الخوف يتملك السكان من أن تكون هذه الأنفاق مفخخة، وأن تنهار منازلهم فوق رؤوسهم، مشيراً إلى أن “هؤلاء الجماعة، الإيرانيون، لديهم متفجرات وصواريخ”.
ويشير إلى أنه حتى الآن “لم تأتنا فرق الهندسة والاستعلامات، والوضع يشكل خطرًا على الأطفال.”
فيما يقول عبد الرزاق المحمد، من يكان مدينة البوكمال، لنورث برس، إن “الأنفاق موجودة في البوكمال منذ القدم، أي منذ وجود الإيرانيين، وهي تشكل خطرًا على السكان.”
ويُذكّر بالخطر الأمني المستمر، مضيفاً: “في السابق كان يأتي الطيران الإسرائيلي ويضرب الأنفاق، والأنفاق واقعة بين المنازل، وحاليًا هي خطرة على حياة الناس”.
ويشير إلى أن الناس تخاف أن تعود إلى بيوتها، خائفة من هذه الأنفاق، داعياً الحكومة أن تكشف هذه الأنفاق وتتخلص منها.
ويقول ” المحمد”، إن “وجود الإيرانيين هنا كله فساد لأنهم كانوا مسيطرين على كل شيء، ينشرون المواد المخدرة بين الأطفال والشباب.”
قرى منهكة
يصف محمد عبد الله، من سكان قرية الغبرة المتضررة، الوضع المأساوي في حديثه لنورث برس، قائلاً: “القرية تحتوي على شبكة من الأنفاق تحت المنازل، إذا وطأنا الأرض، ستنهار القرية تحت الأرض من كثرة الأنفاق.”
ويضيف، في وصف يائس للواقع، القرية لا تحتوي على أبسط مقومات الحياة؛ “لا توجد كهرباء في القرية، ولا توجد مياه شرب، نشتري المياه من الصهاريج بتكلفة تصل إلى 130 ألف ليرة سورية، وضع القرية سيء جدًا.”
ويقول “عبدالله”، إن تحويل الفصائل الإيرانية لبعض المساجد إلى حسينيات، “يُثير قلقًا من التغيير الديموغرافي.”
رسالة محمد واضحة ومباشرة: “نوجه رسالة إلى الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية بتقديم حلول للقرية. الناس تريد أن ترجع إلى القرية، ولكن وجود الأنفاق تحت منازلهم يشكل عائقًا أكبر أمام الأهالي.”
كما يصف معاناته، بأنه كان نازحاً إلى دمشق، وعاد بعد طرد الفصائل الإيرانية مع سقوط النظام السابق أواخر العام المنصرم.
ويضيف أنه عندما عاد لقي منزله مسروقًا بالكامل، قائلاً: “اضطررت للسكن فيه رغم وجود الأنفاق، لا يوجد حل آخر”.
ويشير إلى أن القرية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، فلا يوجد فيها مدارس ولا مستوصف صحي، على حد تعبيره.
ويرى سكان قرى البوكمال وريف دير الزور الشرقي، أن الخطر لا يكمن في البيوت المهدّمة أو الخدمات الغائبة فحسب، بل في ما لا يُرى: شبكة أنفاق حوّلت الأرض إلى فخاخ صامتة، وعلّقت حلم العودة على خيط من الخوف والانتظار.