نورمان العباس – دمشق
وسط التحديات الاقتصادية المتراكمة التي تعصف بسوريا، من تدهور في القدرة الشرائية إلى ارتفاع مستمر في تكاليف المعيشة، صدر مؤخراً، مرسوم رئاسي بزيادة رواتب العاملين في مؤسسات الدولة والمتقاعدين بنسبة 200 بالمائة، وبينما رحّب البعض بهذه الخطوة واعتبروها محاولة لتخفيف وطأة الأزمة، عبّر آخرون عن مخاوفهم من انعكاس هذه الزيادة على مستويات التضخم وغلاء الأسعار، في حال غابت عنها السياسات الاقتصادية الداعمة والرقابة الفعلية على الأسواق.
فهل تصمد هذه الزيادة أمام التحديات الاقتصادية الحالية؟ وهل ستسهم فعلاً في تحسين الواقع المعيشي أم تتحول إلى عبء إضافي يزيد من تعقيد المشهد؟
مطالبات بالرقابة
تقول مروة أحمد، طالبة ماجستير في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، لنورث برس، إن الزيادة يجب أن تشمل أيضاً موظفي القطاع الخاص، محذّرة من ارتفاع متوقع في الأسعار.
وتشير إلى أن كل زيادة سابقة في الرواتب أعقبها تضاعف في الأسعار، مطالبة بتشديد الرقابة على الأسواق.
في حين تقول روشان العمري، طالبة في كلية الاقتصاد قسم المصارف والبنوك، لنورث برس، إن الزيادة مهمة بالنسبة للقطاع العام لتحسين مستوى الدخل للعائلات، مطالبة الحكومة باتخاذ قرار زيادة الرواتب في القطاع الخاص.
فيما تشير ولاء القالش، طالبة في قسم المحاسبة بكلية الاقتصاد، إلى استغلال التجار لأي قرار زيادة “حتى يقوموا بزيادة الأسعار”، مضيفة: “وكأننا لم نستفد من الزيادة”.
هل الزيادة كافية؟
يقول الدكتور تيسير المصري، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، لنورث برس، إن “زيادة الرواتب خطوة نحو مواجهة الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الموظف السوري”.
ويضيف أن رفع الحد الأدنى للأجور من 250 ألف ليرة إلى 750 ألف ليرة سورية “من شأنه أن يخفف من حدة الأزمة المعيشية بشكل جزئي، لا سيما في ظل انخفاض قيمة الليرة التي شهدت تحسناً طفيفاً خلال الفترة الأخيرة”.
ويشير “المصري” إلى أن ضخ كميات نقدية كبيرة قد يسهم في تحريك الأسواق وتحفيز الطلب الداخلي، شريطة أن يُوجّه هذا الطلب نحو المنتجات الوطنية، مما يخلق حالة من التنشيط الجزئي للإنتاج المحلي.
كما يرى أن هذه الخطوة قد تسهم في الحد من التوترات الاجتماعية، وتقدم رسالة مفادها أن الدولة لا تزال تحاول التفاعل مع واقع الموظف في ظل الضغوط الحياتية المتزايدة.
ومع ذلك، يبقى تأثير هذه الزيادة مرهوناً بحد رأيه بقدرتها على الصمود أمام موجات التضخم، خاصة إذا ارتفعت الأسعار بوتيرة أسرع من نمو الأجور، وهو ما يجعل أي تحسن مالي ظاهري عرضة للتآكل خلال فترة قصيرة.
تحذيرات من موجات تضخم
في المقابل، يحذر الخبير الاقتصادي جورج خزام من التداعيات المحتملة لزيادة الرواتب بنسبة 200 بالمائة في سوريا، مشيراً إلى أنها قد تؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للسكان.
ويضيف أن هذه الزيادة، “على الرغم من أهميتها للموظفين، قد تكون لها آثار سلبية إذا لم تصاحبها زيادة موازية في حجم الإنتاج”.
ويشير “خزام” إلى أن تحقيق التوازن بين حجم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة السورية وكمية البضائع المتوفرة في الأسواق أمر بالغ الأهمية للسيطرة على التضخم، مبيناً أن عدم وجود زيادة في الإنتاج المحلي سيجعل ارتفاع الأسعار أمراً لا مفر منه.
ويقول الخبير الاقتصادي إن ارتفاع القدرة الشرائية سيؤدي حتماً إلى زيادة الاستهلاك، وبالتالي ارتفاع الطلب على السلع، التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد أو على مواد أولية مستوردة. وهذا بدوره سيزيد الحاجة إلى الدولار، مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرفه.
شروط نجاح الزيادة
يقول “المصري” أن اقتصار الزيادة على موظفي القطاع العام دون أن تمتد إلى العاملين في القطاع الخاص قد يفاقم من اختلال التوازن الاجتماعي، حيث تظل أجور القطاع الخاص متأخرة أو متفاوتة بفعل تراجع القدرة على تحمل تكاليف التشغيل.
وحتى لا تتحول هذه الزيادة إلى عبء إضافي، يرى “المصري” أن هناك جملة من الشروط الأساسية التي يجب أن ترافقها، وأبرزها ضرورة تحقيق توازن بين الكتلة النقدية والسلعية.
ويضيف أن ذلك ممكن من خلال دعم القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة لتقليل الاعتماد على الواردات، والتي تمثل حوالي 70 بالمائة من السلع الأساسية في الأسواق السورية، مشيراً إلى أن هذا التوجه من شأنه أن يعزز العرض الداخلي ويحد من الضغوط التضخمية التي قد تنتج عن زيادة الطلب.
كما يتطلب الأمر وفق رأيه بتشديد الرقابة على الأسواق لكبح جماح الاحتكار والتلاعب بالأسعار.
في حين يرى الدكتور عبد الرحمن محمد، نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة، أن زيادة الرواتب “تمثل خطوة إيجابية لكنها لن تحقق نتائج ملموسة ما لم تكن جزءاً من استراتيجية اقتصادية شاملة تهدف إلى تحفيز النمو وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز الإنتاج المحلي”.
كما يشير إلى أهمية تحقيق قدر من العدالة بين القطاعين العام والخاص، لا سيما أن فجوة الرواتب بينهما بدأت تتسع وقد تخلق توترات اجتماعية إضافية.
فيما يرى “محمد” أن الرهان على تحسين الواقع الاقتصادي لا يجب أن يقوم على الأرقام المجردة، بل على سياسات متكاملة تعالج مواطن الخلل البنيوي، من ضعف الإنتاج إلى التفاوت الاجتماعي والاختلال المالي.
ويرى خبراء اقتصاد أن زيادة الرواتب تمثل خطوة لافتة في مواجهة الأعباء الاقتصادية التي يرزح تحتها السوريون، لكنها تظلّ مجرد جزء من معادلة معقدة، لا يمكن أن تؤتي ثمارها دون رؤية اقتصادية شاملة توازن بين تحسين الدخل وكبح جماح التضخم.