كيف تبدو الآراء في دمشق حيال تطبيع محتمل للعلاقات السورية الإسرائيلية؟
نورمان العباس – دمشق
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وإعادة تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط، عادت العلاقة السورية الإسرائيلية إلى واجهة النقاش، مدفوعةً بتسريبات إعلامية إسرائيلية غير مسبوقة وتصريحات توحي بتحركات دبلوماسية خلف الكواليس.
ففي تقرير نشرته صحيفة “إسرائيل هيوم”، كُشف النقاب عن إشراف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، على ما وُصف بـ”حوار شامل ومباشر” مع شخصيات سياسية سورية، في ملفات أمنية وسياسية مشتركة.
بينما تلتزم دمشق الصمت، ما يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات: هل تقود هذه القنوات إلى اتفاق محتمل وسلام مشروط أم أننا أمام جولة جديدة من المناورة السياسية؟
شكوك ورهانات
تتباين آراء طلاب في كلية العلوم السياسية في دمشق في المواقف تجاه أي تقارب محتمل مع إسرائيل، وتقول دلع عثمان، وهي طالبة في السنة الرابعة، “أنا ضد التطبيع والسلام مع إسرائيل، لأنها لا تحترم المواثيق الدولية”.
وتشير إلى أن سلامها دائماً “مشروط بسيطرتها” على الطرف الآخر، مضيفة: “في حال عُقد سلام مع إسرائيل، فإن أول شرط يجب أن يكون وقف حصار غزة، والأهم أن الجولان لا يمكن التنازل عنه، خاصة بعد أن قررت إسرائيل وضعه تحت إدارتها وقيامها بتوغلات متكررة “.
أما أحمد غلاب، طالب في قسم العلاقات الدولية في السنة الرابعة، فيرى أن الواقع يفرض نوعاً من السلام، قائلاً: “لا يمكننا مواجهة إسرائيل عسكرياً، لكن السلام يجب أن يحفظ السيادة السورية كاملة، بما في ذلك استرجاع الأراضي المحتلة”
ويضيف أن “الصمت الحكومي معتاد، لكنها قد تدرس الملف بحذر.”
فيما يعتبر محمد نبيل الحلبي، طالب سنة رابعة في كلية العلوم السياسية، أن “الاتفاق مقبول فقط إن كان مشروطاً ويضمن استعادة الجولان بالكامل”.
ويقول “الحلبي” إن “التطبيع مرفوض، لكن اتفاق سلام يحفظ السيادة ممكن، والصمت الرسمي ناتج عن هشاشة ثقافتنا السياسية بعد سنوات من الحكم السلطوي.”
ويضيف: أن “صمت الحكومة السورية يعود إلى الحذر السياسي، خاصة بعد مرحلة حكم ديكتاتوري أضعف الثقافة السياسية، مما يجعل مناقشة قضايا حساسة مثل السلام تحتاج إلى طرح متأنٍ.”
فيما يعبر طارق زياد أبو حمدان عن يأس شعبي متزايد، قائلاً: “سئمنا الحرب، لكن كيف نثق بدولة تدعي السلام وتقصف غزة ولبنان؟ إسرائيل تتحدث عن التهدئة إعلامياً، بينما تواصل العدوان على الأرض.”
بينما مالك سمسمية فرحب مبدئياً بفكرة السلام قائلاً: “إذا التزمت إسرائيل بالشروط واحترمت السيادة، فقد يكون السلام بداية لاستقرار سوريا بعد سنوات الحرب.”
وساطة أميركية
يشكك المحلل السياسي حسام طالب بدقة ما ورد في الإعلام الإسرائيلي، قائلاً: “الاتصالات ليست مباشرة بل تمر عبر قنوات أميركية بقيادة المبعوث توم باراك”.
ويضيف أن “السلام بات ضرورة إقليمية ودولية، لكن لا يمكن المساس بالجولان السوري، الذي لا يزال سكانه يحتفظون بوثائق ملكية أراضيهم.”
فيما يرى أن “السلام بات مطلوباً سورياً وإسرائيلياً ودولياً، لأن الحروب لا تؤدي إلى ازدهار ولا استقرار، وسوريا دفعت ثمناً باهظاً لذلك”، مشيراً إلى أنه أنه يمكن التوصل إلى اتفاق فيه حل وسط دون المساس بالجولان كجزء من السيادة السورية.
من جهته، يعرب الدكتور حسين مقلد، وهو أستاذ في كلية العلوم السياسية وعميد كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية سابقاً، عن شكوكه وعدم ثقته للوساطة الأميركية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة “منحازة” بالكامل لإسرائيل، وبالتالي “لا يمكن الوثوق بها كوسيط نزيه”، على حد تعبيره.
ويقول “مقلد” إن “الجولان يجب أن يعود كاملاً، والسلام الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على تنازلات، بل على استعادة الحقوق وبدعم عربي واضح.”، داعياً إلى الشفافية والمصارحة مع الشعب السوري.
ويضيف أن “أي تفاوض يجب أن يكون علنياً، وأن يُشرك السوريون فيه، لا أن يُفرض عليهم من وراء الأبواب المغلقة.”
هدنة.. لا تطبيع
يرى الدكتور مجدي الجاموس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق (فرع درعا)، أن المزاج العام يميل نحو التهدئة، قائلاً: “نحن مع اتفاق سلام يضمن السيادة، لا مع تطبيع شامل”.
ويقول “الجاموس” إن “الشعب في الجنوب يرفض أي تنازل عن الكرامة”، مضيفاً: ” نحن في الجنوب السوري أصحاب كرامة ومقاومة، لذلك مع اتفاق سلام وهدنة، لا تطبيع شامل”.
ويشير بالقول: “لكن في الوقت ذاته لا نملك حالياً القدرة على المواجهة، ولهذا فإن التهدئة قد تفتح المجال لاستعادة الاقتصاد دون الوقوع في فخ الاستسلام.”
وبشأن صمت الحكومة السورية، يشير “الجاموس” إلى أنه “يعكس وجود سياسة متبعة تقوم على تجنب المواجهة المباشرة والاستفزاز، مع التركيز على الحلول الدبلوماسية.”
ويتابع قائلاً: “لا نملك القدرات العسكرية للمواجهة حالياً”، مستبعداً التطبيع في الوقت الحالي، فيما يتوقع التوجه نحو اتفاق سلام “يسمح بتهدئة الحدود والعمل على الجانب الاقتصادي.”
وبين التصريحات الإسرائيلية الغامضة، والصمت السوري المريب، يستءل سوريون: هل تنضج الظروف لاتفاق سلام مشروط يعيد الأرض ويحفظ السيادة؟ أم أنها مشهد فصل جديد من لعبة المصالح الإقليمية والمراوغة السياسية؟ ومتى سيكون للمواطن السوري كلمة في قضايا تقرير مصيره؟