نتيجة ملوحة التربة وغياب الدعم.. تراجع إنتاجية الخضروات الصيفية بدير الزور
حسام شاهين – دير الزور
تراجعت إنتاجية الخضروات الصيفية في حقول حمود سليمان، وهو مزارع من قرية الحوايج في ريف دير الزور، شرقي سوريا، والتي كان يزرعها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
ترافق هذا التراجع مع تقليص المساحات المزروعة بشكل عام، لا سيما الأراضي التي كانت تُروى سابقاً اعتماداً على مياه نهر الفرات، المصدر الحيوي للري في منطقة دير الزور.
انقطاع الري من الفرات
يقول سليمان، لنورث برس، إنه كان يزرع في السابق عدة هكتارات من الخضروات مثل البندورة والباذنجان والفليفلة والخيار.
ويضيف أنه اضطر إلى تقليصها تدريجياً بسبب انقطاع المياه القادمة من نهر الفرات، بعد تعطل خطوط نقل مياه الري، والتي كانت تمتد من النهر نحو الأراضي الزراعية بريف دير الزور.
ويشير إلى أن هذا التراجع يعكس واقعاً يشمل معظم المزارعين في دير الزور، والذين وجدوا أنفسهم أمام تحديات كبيرة دفعتهم إما إلى تقليص نشاطهم الزراعي أو التخلي عنه كلياً.
ويعاني المزارعون في ريف دير الزور الشرقي من تراجع حاد في إنتاجية الخضروات الصيفية، نتيجة تقلص المساحات المزروعة وتعطل شبكات الري التي كانت تعتمد على مياه نهر الفرات، ما انعكس سلباً على الاقتصاد المحلي والمعيشي للسكان.

ازدياد نسبة ملوحة التربة
يواجه المزارعون بريف دير الزور تحديات جمة أبزها هو الاعتماد القسري على مياه الآبار الجوفية كبديل عن مياه نهر الفرات.
ويقول أحمد الذياب، وهو مزارع من قرية الحوايج بريف دير الزور الشرقي، إنه على الرغم من أن هذه الآبار وفّرت حلاً مؤقتاً، إلا أن استخدامها أدى إلى ازدياد نسبة ملوحة التربة في مناطق واسعة من ريف دير الزور.
ويضيف أنها أسهمت في تدهور خصوبة الأراضي الزراعية وتراجع إنتاجيتها عاماً بعد عام.
كما يشير إلى أن تكاليف تشغيل الآبار شكلت عبئاً اقتصادياً إضافياً على المزارعين، في ظل ارتفاع أسعار الوقود وصعوبة تأمينه.
ويبين الذياب، أن عدداً كبيراً من المزارعين اضطروا خلال السنوات الماضية إلى تقليص المساحات المزروعة بشكل ملحوظ، نتيجة ارتفاع ملوحة التربة وتدهور خصوبتها، ما جعل الزراعة غير مجدية اقتصادياً كما كانت سابقاً.
ويشير إلى أن التملح تسبب بانخفاض حاد في إنتاجية المحاصيل خصوصاً الخضروات الصيفية، التي أصبحت لا تغطي حتى تكاليف زراعتها.
فيما يقول المهندس الزراعي عبد الله الخلف لنورث برس، إن ارتفاع نسبة الأملاح في التربة نتيجة استخدام مياه الآبار المالحة والتي تؤثر بشكل مباشر على نمو النباتات، وخاصة الخضروات التي تُعد من المحاصيل الحساسة جداً للتملح، وهذا يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وجودة المحصول، وبالتالي خسائر مالية للمزارعين، على حد وصفه.
ويضيف الخلف، أنه من الناحية الاجتماعية، تسبب هذا الواقع بهجرة بعض المزارعين إلى المدن أو مهن أخرى، وانخفضت القدرة على تأمين الغذاء محلياً، ما انعكس على الأسعار ورفع معدلات الفقر في المناطق الزراعية.
غياب الدعم الحكومي
يقول الذياب، إن استخدام مياه الآبار المالحة بسبب تعطل شبكات الري القديمة المرتبطة بنهر الفرات، دفع المزارعين إلى تحمل تكاليف إضافية من حفر الآبار، وتشغيل المضخات بالمحروقات مرتفعة الثمن، فضلاً عن شراء الأسمدة والمبيدات التي باتت أسعارها تضاعف عدة مرات.
ويضيف أن الزراعة باتت “مهنة خاسرة” بالنسبة للكثيرين، خاصة في ظل غياب الدعم الحكومي أو المنظمات العاملة في المجال الزراعي.
وعلى الصعيد المعنوي، يشير “الذياب” إلى أن المزارع في دير الزور لم يعد يشعر بالاستقرار أو الأمل كما في السابق، حيث باتت الزراعة عبئاً نفسياً يومياً بسبب الخسائر المتكررة وانعدام الأمان المعيشي”.
ويقول: “كنا نعيش من أرضنا، واليوم نراها تتآكل أمام أعيننا، لا نستطيع تركها ولا نستطيع الاستمرار فيها”، مضيفاً أن بعض المزارعين غادروا المنطقة كلياً، في حين اضطر آخرون للعمل بأجور يومية في أعمال لا علاقة لهم بها، لمجرد تأمين الحد الأدنى من المعيشة.
ولم يقتصر التراجع الزراعي في المحافظة على الجانب البيئي فقط، بل ألقى بظلاله على الواقع المعيشي للسكان، إذ كان قطاع الزراعة وخاصة زراعة الخضروات الصيفية، يشكل مصدر دخل رئيسي لآلاف العائلات.
ومع تراجع هذا المصدر أصبح كثير من السكان يعانون من تدهور أوضاعهم الاقتصادية، واضطر بعضهم للبحث عن أعمال بديلة لا تتوفر بسهولة في منطقة تعاني أصلاً من نقص في فرص العمل والخدمات.
ويقول مصدر من مديرية الزراعة في دير الزور، لنورث برس، إن المديرية تدرك تماماً حجم المعاناة التي يعيشها المزارعون في المنطقة، وتعمل على إعداد خطط لإعادة تأهيل قنوات الري وخطوط نقل المياه المتضررة.
ويشير المصدر إلى أن العملية تتطلب دعماً مالياً كبيراً، كما تعمل المديرية على دراسة مشاريع للحد من تفاقم التملح.
ويضيف أن إعادة تأهيل القطاع الزراعي في دير الزور ومناطق سورية أخرى يتطلب جهود حثيثة، ومن غير الممكن إنهاء ما فعلته الحرب والتغير المناخي في الأراضي الزراعية بشهور قليلة، وقد يتطلب هذا الأمر جهوداً متواصلة لعدة سنوات، على حد قوله.
خضار مستوردة غالية
أمام تراجع الإنتاج المحلي، يضطر السكان إلى الاعتماد على الخضروات القادمة من محافظات أخرى، مثل حماة وحمص والساحل السوري، والتي تصل إلى أسواق دير الزور بعد نقلها لمسافات طويلة، ما رفع أسعارها بشكل لافت.
وفي الأسواق الشعبية، تُباع حالياً البندورة والخيار والباذنجان بأسعار تتراوح بين 4000 و5000 ليرة سورية للكيلو الواحد، وهو ما يُعد مرتفعاً جداً مقارنة بمتوسط دخل الأسر في المنطقة.
وفي ظل هذا الواقع، يخشى سكان دير الزور من استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، وتزايد اعتمادهم على أسواق خارجية غير مستقرة، في وقت تتراجع فيه قدرتهم الشرائية بفعل تدهور الليرة السورية والبطالة الواسعة.