“ذهبوا ليصلّوا عليها… فصلّوا عليهم”.. “مار إلياس” تنزف دمًا في قدّاس الوداع
هارون العربيد – السويداء
في حيٍّ الدويلعة بالعاصمة السورية دمشق، لطالما تنفّس صلاة وسلاماً، دوى تفجير إرهابي داخل كنيسة مار إلياس، فحوّل قدّاس الرحيل إلى مأتم جماعي.
والأحد الفائت، تسبب الهجوم الذي استهدف قداس في الكنيسة، بمقتل 22 شخصاً وإصابة 59 آخرين، وفق آخر حصيلة للصحة السورية.
“ركام وأشلاء”
كان من المفترض أن يكون قدّاساً عن روح راحلة، اجتمعت عائلة “البشارة” في الكنيسة للصلاة على خالتهم، “لكن بعد دقائق من التراتيل، ثم تغيّر كل شيء: انفجار، رصاص، دخان، وركام وأشلاء..”
بهذه العبارة الموجعة لخّصت لور النصر، زوجة جريس البشارة، وهو أحد ضحايا الفاجعةً التي غيّرت مسار حياة العائلة إلى الأبد.
تقول “النصر” بلهجتها المحلية، لنورث برس، “صرنا نسمع صوت رصاص، نزلنا كلنا تحت المقاعد، كان زوجي جريس وشقيقه بطرس معنا منبطحين على الأرض… وفجأة دخل الإرهابي، مسك قنبلة وبدّو يفجّرها، جريس ركل القنبلة من إيده، وبطرس حاول يطرحه أرضاً لحتى يمنعه… بس الإرهابي فجّر الحزام الناسف، ونسف كل شي”.
وتضيف: “لحظات قليلة، لكنها صنعت الفرق بين موت شامل، وبين نجاة مئات المصلين. تقول لور، بصوت يتقطع من الألم، إن زوجها وسلفها افتدوا حياة الجميع: “جريس وبطرس أنقذونا، خلّونا نكفّي حياة… بس ما ضل منهم شي. جريس لقيناه من النص ولفوق، أما بطرس، ما لقينا له أي أثر.”
بطولة تحت الرماد
من بين المقاعد الخشبية المتفحمة، ووسط الدخان والعويل، تصرخ ثناء مسعود، زوجة بطرس البشارة”:
“زوجي بطل، هو فدى ٣٠٠ أو ٤٠٠ شخص… لو ما رماه جريس على الأرض، كان فجّر كل شي. بس انفجر بالحفرة تحت… وطار للسما. طلع من بيت الرب… لبيت الرب.”
بصوتٍ ينزف وجعًا، تتوسل ثناء أن تجد شيئًا منه… قطعة صغيرة، سنّ، إصبع، أي أثر يُبقيه على الأرض:
“بدي أي شي… لو جزء من رفاته. هو طلع عند يسوع، بس أنا قلبي عم ينزف، ومخنوقة. زوجي حماني… بس بعده قلبي عم ينزف.”
الكنيسة، بكل قدسيتها، صارت مسرحاً للجريمة، لكن في وجه الموت، بقيت الأجراس تدقّ، والصلوات تُرفع، والقلوب المنكسرة تهتف: “المسيح قام، حقًا قام”.
“بدنا حقنا”
حنا البشارة وهو شقيق بطرس وجريس، لم يكن في الكنيسة وقت التفجير، بل كان في بيروت يودّع الخالة ذاتها التي كان يُقام القدّاس على روحها، وعاد إلى دمشق لحظة تلقّيه خبر التفجير.
يقول حنا: “قلتلوا: مشيئتك يارب… بس بعدين بلشت أركض بين المشافي، بين التوابيت، بين الأشلاء، أدور على أخي بطرس”.
ويضيف أنه لم يعثر على شيء، دخل ثلاجات الطب الشرعي، وراح يتفحّص أكياساً سوداء تحمل ما تبقّى من الأجساد. شمّ، نظر، لمس، تفحّص… لم يجد أثراً لأخيه.
ويشدد حنا البشارة على ما قاله بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، مطالباً بحقهم من الرئيس السوري أحمد الشرع.
وحمل البطريرك “يازجي”، وهو أكبر رجل دين مسيحي في سوريا، حكومة الشرع مسؤولية التقصير في حماية الأقليات، وذلك خلال تشييع ضحايا التفجير، مشيراً إلى أن تعازي الرئيس أحمد الشرع “لا تكفي”، في وقت يتصاعد فيه القلق بين الأقليات الدينية بشأن قدرتهم على الاعتماد على ضمانات الحكومة الجديدة بالحماية.
كما نددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس بما وصفته بأنه “هجوم وحشي وجبان”، ودعت الحكومة السورية إلى محاسبة جميع مرتكبي العنف وضمان أمن جميع السوريين، بمن فيهم أفراد الأقليات الدينية والعرقية.
وأضافت أن واشنطن تواصل دعمها للحكومة السورية “في محاربتها للقوى التي تسعى إلى بث عدم الاستقرار والخوف في بلادهم وفي المنطقة”.