دير الزور.. السجل المدني متوقف وعشرات آلاف الولادات والوفيات غير مسجلة

دير الزور – نورث برس

 لم يتمكن عبد الستار الغانم (42 عامًا)، وهو من سكان محافظة دير الزور شرقي سوريا، من تسجيل ابنه ذو الخمس سنوات في دائرة السجل المدني (النفوس) حتى الآن بعدما أخبره الموظفون بتعليق الواقعات في الوقت الراهن.

وتختص دوائر السجل المدني والتي تتبع إداريًا لوزارة الداخلية السورية في تسجيل الواقعات مثل الولادات الحديثة والطلاق وحالات الوفاة، والتي تصدر وثائق رسمية تمكن من إجراء المعاملات القانونية الأخرى.

خارج السجلات

يقول “الغانم” لنورث برس، إنه لم يستطع طوال السنوات الماضية تسجيل ولده بسبب وجود الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق في دير الزور، خشية أن يتم اعتقاله وزجه في السجن.

ويضيف أنه تفاجأ بعدم قدرته على تسجيل ابنه في دائرة السجل المدني رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على سقوط النظام.

ومنذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، على أعقاب سقوط النظام السابق يعجز السوريون عن إنجاز أي معاملة تتعلق بالأحوال المدنية (النفوس)، جرّاء توقف مديرية “الشؤون المدنية” في سوريا عن تسجيل الواقعات الجديدة وإصدار البطاقات الشخصية.

وتسبب سقوط النظام بتعطيل المؤسسات الحكومية لفترة وجيزة فيما لا تزال أعمال السجل المدني في سوريا متوقفة حتى الآن ما يتسبب إعاقة معاملات السكان في تسجيل الواقعات الحديثة واستخراج الأوراق الثبوتية، إلى جانب عدم قدرة السكان على تثبيت قيود أطفالهم الذين ولدوا خلال السنوات الماضية ومازالوا حتى الآن ليبقوا مجهولي الهوية ومكتومي القيد خارج السجلات.

ويطالب سكان في دير الزور الحكومة السورية الجديدة بإعادة تفعيل دائرة السجل المدني ليتمكنوا من تسجيل الواقعات الحديثة أو حتى بعض الحالات التي تعود إلى فترة حكم النظام السابق.

كما لا يمكن للسوريين المقيمين في الخارج من تسجيل مواليدهم الجديدة في السفارات السورية حتى الآن.

ووفقاً لأحدث التقديرات المعتمدة على بيانات من الأمم المتحدة، فإن سوريا شهدت خلال الفترة من 9 كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى 20 أيار/ مايو 2025 ما يقارب: 269 ألف ولادة جديدة و55,4 ألف حالة وفاة.

عوائق قانونية

بينما لم يستطع عبد الجبار العمر، من سكان مدينة دير الزور، إجراء معاملة قانونية في دائرة السجل المدني بعد طلب الموظف وجود شهادة وفاة لوالده رغم إبرازه أوراقاً تثبت واقعة وفاة أبيه إلا أنها صادرة عن المجلس المحلي في مدينة الباب الذي كان يتبع لفصائل المعارضة السورية قبل سقوط النظام.

ويقول “العمر” لنورث برس، إن دائرة السجل المدني في دير الزور رفضت الاعتراف بالأوراق الثبوتية التي يحملها، وطلب موظفوها منه الانتظار حتى إعادة تفعيل الدائرة لتسجيل واقعة وفاة والده ومن ثم استكمال إجراءات المعاملة القانونية التي يقوم بها.

ويرى المحامي محمد العلّوش، أن تعطيل تسجيل الواقعات في دائرة السجل المدني في دير الزور باتت بمثابة معضلة قانونية تعرقل تسيير معاملات المواطنين الذين يرغبون باستكمال أوراقهم الثبوتية أو إدخال بيانات جديدة لوقائع وقعت حديثًا أو سابقًا ولم يتم تسجيلها خلال فترة سيطرة النظام السابق.

ويقول “العلوش” في حديث لنورث برس، إن معظم الدعاوى القانونية تستلزم استخراج أوراق ثبوتية أو تسجيل وقائع لم تسجل لضمان قانونية الدعوى وبيان الحقوق لا سيما في معاملات الطلاق وحصر الإرث، إلا أن تعطيل تسجيل الواقعات يعرقل هذا الأمر خلال الوقت الحالي.

ويضيف أن بعض السكان يضطرون للسفر إلى العاصمة السورية دمشق لتسجيل الواقعات الحديثة لا سيما الولادات، مع تحمل عناء ومشقة السفر والتكاليف المالية الباهظة والتي قد لا تقوى عليها بعض الأسر، والتي قد تتجاوز في كثير من الأحيان مليون ليرة سورية.

ويشير إلى أن تعطيل تسجيل الواقعات لا يقف عند دوائر السجل المدني داخل سوريا، إنما يتجاوزها إلى القنصليات والسفارات العاملة خارج سوريا بالدول التي يتواجد بها السوريون والذين لا يستطيعون خلال الوقت الحالي تصديق تسجيل الواقعات.

ومع غياب الوثائق الأصلية أو صعوبة تصديقها من الجهات الرسمية السورية، يجد السوريون أنفسهم في حالة من الفراغ القانوني، حيث تترك هذه الفجوة آثاراً مباشرة على حياة الأفراد وعلى حقوقهم الأساسية، كالحصول على الإقامة، أو تسجيل الأطفال والسفر، ما يجعل هذه الأزمة واحدة من أبرز التحديات الإدارية والحقوقية التي تواجه السوريين في الداخل، كما في دول اللجوء والإقامة.

ماذا يجري؟

يقول عبد الرحمن محمد، وهو موظف في دائرة السجل المدني في دير الزور، لنورث برس، إن سبب تعطيل وتعليق تسجيل الواقعات الحديثة أو التي وقعت سابقًا ولم يتم تقييدها، قيام وزارة الداخلية في الحكومة السورية الانتقالية بتشكيل لجنة لدمج بيانات المواطنين وتوحيد الشبكة ضمن كافة المحافظات السورية.

ويضيف، أن دوائر السجل المدني تواجه ضغوطًا كبيرة بسبب الطلبات المقدمة لتسجيل الواقعات الحديثة أو التي لم تسجل سابقًا، لذلك ارتأت وزارة الداخلية اتخاذ قرار تشكيل اللجنة.

ويدعو الموظف الحكومي المراجعين إلى دائرة السجل المدني لإجراء المعاملات بالتريث قليلًا للمساعدة في الحصول على الخدمات الجيدة بعد استكمال الإجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية لتحديث ودمج بيانات مواطني سوريا.

وحتى اللحظة، لا تزال وزارة الداخلية السورية تلتزم الصمت حيال الأسباب وراء تعليق تسجيل الواقعات المدنية، في وقت تتزايد فيه شكاوى السكان داخل سوريا وخارجها من تعطل مصالحهم بسبب هذا القرار.

تحرير: خلف معو