أحمد كنعان – دمشق
خفتت أطفتنت الأضواء وأصوات الموسيقى في “نادي ليالي الشرق” في العاصمة السورية دمشق، فجأة، بعد أن اقتحمت مجموعة مسلحة المكان، اعتدت على الزبائن، وساد الرعب في الأرجاء.
لم يكن ذلك الحادث الذي وقع أواخر قبل حوالي شهر معزولاً، فقد تلته اقتحامات أخرى لمطاعم وبارات في باب توما ودمشق القديمة، مرفقة بتهديدات شفوية بإغلاق تلك المنشآت ومنع تقديم الكحول، بينما شهد “نادي الكروان الليلي” سقوط قتلى وجرحى، بحسب سكان محليين.
ورغم إصدار وزارة الداخلية لاحقاً بياناً أكدت فيه اعتقال المجموعة المسؤولة عن الهجوم، فإن الأثر النفسي والاقتصادي كان قد وقع.
جدل الإغلاق
أواخر أيار/ مايو المنصرم، أثار قرار إغلاق بعض أماكن السهر في المطاعم الليلية والبارات في دمشق، جدلاً واسعاً، لكنه سرعان ما تم التراجع عنه في اليوم ذاته.
ونفت مديرية مدينة دمشق في بيان رسمي إصدار أي تعليمات بإغلاق ليلي للمنشآت السياحية أو تدخلات أمنية في عمليات الإغلاق، مؤكدةً أن الإجراءات المتخذة تمت ضمن جولات رقابية دورية ووفق الأصول القانونية.
وأشارت إلى أن الجولات الرقابية الأخيرة استهدفت التحقق من مدى التزام المنشآت بالأنظمة والقوانين النافذة، وأسفرت عن إغلاق عدد من المنشآت السياحية والتجارية، لأسباب تتعلق بالعمل من دون ترخيص أصولي أو مخالفة شروط التراخيص الممنوح.
فيما أتى ذلك، بعدما سرت أنباء مؤخراً على مواقع التواصل ومنصات إعلامية محلية بإغلاق بعض البارات والملاهي في حي باب شرقي بدمشق القديمة، بعد توجيه إنذارات شفهية لعدد من المحال التي تقدّم الكحول.
وتنقسم أماكن السهر في دمشق إلى عدة أنواع، منها المطاعم التي تقدم حفلات غنائية أسبوعية، والمرابع الليلية التي تقدم برامج فنية يومية بالإضافة إلى ما يُعرف بـ”فتيات الطاولة”، وهي ما يتفق سكان العاصمة على تسميتها بـ”الكباريهات”.
وكذلك البارات الشبابية التي يرتادها شباب وشابات في عطلة نهاية الأسبوع، وتمتاز بأجوائها الخاصة، وتنتشر في حارات دمشق القديمة، خصوصاً في الشارع المستقيم من باب شرقي إلى القشلة، وكذلك في بعض أحياء القصور والقصاع.
تراجع وانحسار
يقول “سامر” (اسم مستعار)، صاحب مطعم في دمشق، لنورث برس، إن “الأحداث الأخيرة أثرت بشكل كبير على الحفلات، وبعدها بدأ انحسار الزبائن، رغم عدم وجود قرار رسمي، إلا أن الخوف يمنع الناس من الحضور”.
وبعد ذلك الهجوم بدأ الزبائن بالانحسار، والمطاعم والمرابع الليلية شهدت تراجعاً ملحوظاً في الحركة، حتى باتت بعض المنشآت، رغم التراخيص النظامية، مهددة بالإغلاق أو عاجزة عن تجديد رخصها لأسباب غير معلنة.
ويقول المطرب مجد الباشا، من سكان دمشق، لنورث برس، إنه كان يغني في المرابع الليلية (أماكن السهر)، لكنه فقد عمله بعد الأحداث الأخيرة التي تسببت بإغلاقها.
ويضيف الباشا”: “كانت هذه الأماكن تدر مردوداً مالياً جيداً وتجذب السياح، وكل محل كان يعيل حوالي ست عائلات، والآن أصبحنا بلا عمل. كنت مطرباً، واليوم أعمل مع معلم دهان”.
كما يقول المطرب جاد سرور، لنورث برس، “كنت أعمل مطرباً في لبنان وهربت من سوريا بسبب اعتقال شقيقتي من قبل أجهزة النظام السابق”.

ويضيف: “بعد السقوط عدت للعمل في سوريا، لكن المشاكل الأخيرة في المطاعم تسببت بتوقفي عن العمل”.
ومطلع الشهر الجاري، خلال مؤتمر صحفي، وجهت نورث برس سؤالاً لنقيب الفنانين مازن الناطور حول ما إذا كانت النقابة تلقت شكاوى بخصوص اقتحام المطاعم والاعتداء على الفنانين، فأحال الناطور الإجابة لنائبه صلاح طعمة، الذي أوضح أن بعض الاقتحامات كانت نتيجة خلافات شخصية أو شكاوى إزعاج من الجوار.
وأضاف أنه “لا يوجد شيء ممنوع، ولم نسمع عن أي قرار منع، وسنعيش كما نحب، قد تكون هناك سلوكيات غير مرضية حالياً، لكن سنتغلب عليها خلال أقل من ستة أشهر”، مشيراً إلى أن المجلس المركزي لم يتلق شكاوى، وربما وردت شكاوى إلى فرع دمشق فقط، على حد قوله.
رخصة الكحول
قبل الأحداث الأخيرة، التقت نورث برس بمدير أحد البارات في دمشق (إليان) في نيسان/ أبريل الماضي، قال حينها إنه لم يغلق المحل بعد سقوط النظام السابق في ديسمير الماضي، ولم يتعرض لأية ضغوط لناحية تقديم المشروبات، وإنه أصبح الإقبال أكبر وكان هناك تنوع في طبيعة الزبائن.
ويضيف: “شهدنا حضور لأشخاص من خارج سوريا وذلك نتيجة التقارير الصحفية التي صنعت عن هذا المكان، مشيراً إلى أن المكان له أجواءه الخاصة وهذا ما يجذب الزبائن إليه.
فيما بعد تلك الأحداث والهجمات المسلحة على المطاعم الليلية، واستكمالاً للتقرير وجدنا البار مغلقاً، وعندما استفهمنا من المدير عن الأمر قال إن السبب في إغلاق البار هو عدم وجود رخصة لتقديم الكحول.
بينما يشير صاحب أحد المطاعم في دمشق القديمة، لنورث برس، إن “عدد الزبائن انخفض بشكل كبير، ورغم امتلاكه رخصة نظامية لتقديم الكحول، إلا أنها غير قابلة للتجديد حالياً لأسباب يجهلها.
ويضيف أن دمشق القديمة تمثل وجهة سياحية مهمة، وأن ما يحدث أثّر سلباً على السياحة الأجنبية، داعياً الحكومة بإيجاد حلول مثل تجديد الرخص الكحولية، وحماية المنشآت السياحية.
كما لفت إلى أنه يعاني من خسائر كبيرة تتعلق برواتب العاملين في البار وتكاليف المواد الأساسية التي قد تتعرض للتلف، إضافة إلى تكلفة الطاقة الكهربائية البديلة، مشيراً إلى التزامه بسداد الضرائب المالية بشكل منتظم.
فيما يقول “جورج” (اسم مستعار)، صاحب مطعم في دمشق القديمة، إن الشائعات حول إغلاق مطاعم باب توما واعتقال أصحابها والمطربين غير صحيحة، مشيراً إلى أن العديد من المطاعم لا تمتلك تراخيص كحولية، ما يستدعي تنظيماً من الدولة، على حد تعبيره.
ويضيف: “لم نتلقَّ أي قرار رسمي بإيقاف تقديم الكحول”، موضحاً أن الخسائر تعود إلى الوضع المعيشي الصعب، وتكاليف التشغيل المرتفعة، خاصة الكهرباء والمازوت.
كما يشير إلى أن باب توما لم تعد آمنة ليلاً، مقارنة بمناطق أخرى مثل القصور والقصاع، داعياً إلى توفير الأمن والكهرباء، ومناشداً التجار بخفض أسعار المواد لتقليل التكاليف على الزبائن.
ورغم التطمينات الرسمية بعدم وجود قرارات إغلاق ممنهجة، تعيش مطاعم دمشق ومرابعها الليلية حالة من الترقب والقلق، في ظل تراجع الإقبال، وتصاعد التهديدات غير الرسمية، وغموض الإجراءات التنظيمية.
وبين انحسار الحركة الاقتصادية، وفقدان كثيرين لمصدر رزقهم، تبرز الحاجة الملحّة إلى مقاربة واضحة وشفافة من الجهات المعنية، توازن بين تطبيق القانون، وضمان استمرارية القطاع السياحي الذي يُعد من آخر ما تبقى من نوافذ الحياة في العاصمة. فاستعادة الثقة تتطلب أكثر من نفيٍ في بيان، بل إجراءات ملموسة تعيد الطمأنينة إلى أصحاب المنشآت وروادها.