تراجع الثروة الحيوانية في حلب لغلاء الأعلاف وغياب الدعم الحكومي   

صالح سليم – حلب

يعاني مربو الثروة الحيوانية في مدينة حلب، شمالي سوريا، من تدهور حاد في هذا القطاع الحيوي، مما يثير مخاوف واسعة حيال تأثيره المباشر على الأمن الغذائي المحلي، خاصة في ظل ظروف اقتصادية ومناخية معقدة تُثقل كاهل العاملين في هذا المجال، لا سيما في ريف المدينة.

واقع صعب وتكاليف متصاعدة

يصف زياد أبو جنيد (35 عاماً)، وهو مربي مواشي ومن سكان الريف الشرقي لحلب، الواقع الحالي الذي يعيشه مربو الأغنام بـ”المرير”، مشيراً إلى الصعوبات الكبيرة التي تواجههم في تأمين مستلزمات التربية، نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف، وتراجع أسعار اللحوم ومنتجات الحليب.

وفي حديثه لنورث برس، يقول أبو جنيد إن “ارتفاع سعر طن العلف إلى أربعة ملايين ليرة سورية، وكيلو التبن إلى ثلاثة آلاف، يشكّل عبئاً لا يمكن تحمله، خصوصاً مع اضطرار المربين إلى استئجار أراضٍ زراعية بأسعار تتراوح بين مليون وثلاثة ملايين ليرة، بحسب جودة الأرض وإنتاجيتها، ما ينذر بانهيار قطاع تربية الأغنام”.

ويضيف: “في السابق، كانت أسعار الأعلاف منخفضة وأسعار الأغنام مرتفعة، أما اليوم فقد انقلبت الموازين؛ ويضطر المربين لبيع أربعة خرفان مقابل طن علف واحد، بينما كان سابقاً يشتري أربعة أطنان من العلف بثمن نعجة واحدة”.

ويشير “أبو جنيد” إلى أن سعر بيع الأغنام تراجع من 70 ألفاً إلى ما بين 32 و40 ألف ليرة للكيلو الواحد، معلقاً باللهجة المحلية: “خسارة معلنة الظهر الحمرة، يعني خسارة حتى حليب ما بو السنة، دحك للأرض تعرفها إن فيها خسارة ولا لا”.

ويبين أن الحاجة المتكررة لتوفير طن من العلف كل أسبوع أو عشرة أيام، بتكلفة تتراوح بين مليون ومليون ونصف، تجعل الاستمرار في هذه المهنة أمراً شبه مستحيل.

غلاء الأعلاف وغياب المراعي

يقول عبد الغني خلف (46 عاماً)، وهو مربي مواشي ومن سكان بلدة تل عرن في ريف حلب الشرقي، إن “الخسائر الكبرى هذا العام تعود بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار الأعلاف”، مشيراً إلى أن سعر طن النخالة وصل إلى أربعة ملايين، وطن الشعير إلى ثلاثة ملايين ونصف، فيما تجاوز سعر التبن مليونين ونصف – وهي مواد أساسية في تغذية الأغنام.

ويشير إلى أن هذه الأسعار باتت تفوق القدرة الشرائية للمربين، ما يؤثر بشكل مباشر على صحة الحيوانات وإنتاجيتها، مضيفاً: “لا توجد مراعٍ طبيعية، والوصول إلى الأراضي الخضراء يتطلب دفع مبالغ باهظة، ما يزيد من التكاليف”.

ويبين “خلف” أنه يمتلك 17 رأساً من الأغنام، وقد أنفق عليها أكثر من سبعة ملايين ليرة من أجل الأعلاف، بعد أن اضطر لبيع أربعة خراف مقابل خمسة ملايين ليرة، مضيفاً: “أنا أبيع من الغنم لأكل لقمة العيش، وأشتري العلف ليعيشوا الباقي”، في إشارة إلى حلقة مفرغة تؤدي إلى تقليص حجم القطيع وإضعاف فرص تكاثره.

وينبّه إلى أن نقص الغذاء الجيد يؤدي إلى ضعف صحة الأغنام، وقلة الولادات، وارتفاع نسب الوفيات بين المواليد الجدد، قائلاً: “هذا يؤثر على تكاثر الغنم لأنه ما في منبوت أو أعشاب تتغذى عليها الخرفان”.

من جانبه، يقول الأستاذ رضوان بشار، من بلدة تل عرن بريف حلب، إن هناك تراجعاً كبيراً في الثروة الحيوانية مقارنة بالعام الماضي، بسبب نقص الأعلاف وارتفاع أسعارها، إضافة إلى الظروف المناخية السيئة.

ويشير إلى أن مشروع الري غرب مسكنة شهد تدفقاً لمياه النهر في 15 نيسان/أبريل الماضي، معرباً عن أمله في أن ينعكس ذلك إيجاباً على المحاصيل.

ويضيف “بشار” لنورث برس، أن الاعتماد على الموسم الماضي من محاصيل القمح والشعير والخضروات لم يكن كافياً هذا العام، مما اضطر المربون لبيع جزء من مواشيهم لتأمين العلف.

ويطالب مربو المواشي من الجهات الحكومية بالتدخل السريع لإنقاذ هذا القطاع عبر توفير الأعلاف بأسعار مدعومة، بما يتناسب مع الظروف الحالية، حفاظاً على هذا القطاع الحيوي للأمن الغذائي.

ويمثل تراجع قطاع الثروة الحيوانية في ريف حلب جرس إنذار حقيقي، وفي ظل استمرار ارتفاع تكاليف الأعلاف وغياب الدعم الكافي، يتجه هذا القطاع نحو أزمة تهدد بفقدان مصدر رزق مئات العائلات، وتراجع القدرة على تأمين منتجات أساسية كاللحوم والحليب.

تحرير: خلف معو