الحسكة.. ركود في سوق الصاغة بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار الذهب

دلسوز يوسف – الحسكة

وسط سوق مدينة الحسكة المركزي في شمالي سوريا، يرى الشاب محمد عمر أن أحلامهم كشباب في الزواج تبدو صعبة المنال في الفترة الحالية نتيجة ارتفاع سعر غرام الذهب بشكل كبير وصعوبة الظروف الاقتصادية.

وتخطى سعر غرام الذهب في أواخر شهر نيسان/ أبريل الفائت عتبة 3500 دولار أميركي للأونصة للمرة الأولى في تاريخها، وسط توقعات أن تصعد سعر الذهب إلى أرقام قياسية جديدة، وفق خبراء اقتصاديين.

وتسبب ارتفاع سعر الذهب أيضاً بركود حركة البيع والشراء في محلات الذهب بالمنطقة.

ضعف المردود وغلاء الذهب

يقول محمد عمر (28 عاماً) وهو وحيد لعائلته، إن ضعف المرود اليومي بالنسبة له ولأقرانه الشباب يجعل فكرة الزواج تبدو شبه مستحيلة بالنسبة لهم نظراً لعادات مجتمعية تفرض شراء الذهب.

ويشرح عمر ظروف حياتهم لـ نورث برس “أجورنا اليومية 50 ألف (نحو 3.5 دولار أمريكي) بينما غرام الذهب بـ 95 دولار ويتطلب على المتزوج شراء 50 غرام من الذهب (..) ضعف مردودنا لا يساعد على الزواج وهذا الأمر ينطبق على الكثير من أمثالي”.

ويضيف بنبرة استياء “طبعاً كل ذلك ما عدا تجهيز المنزل من الاثاث وغيره، فهي مسؤوليات صعبة، لا يوجد دافع مساعدة لأًصل إلى درجة الزواج”.

وسجل المعدن الأصفر أرقاماً قياسية عالمياً في الآونة الأخيرة، نتيجة الاقبال عليه كملاذ أمن للاستثمار، وذلك عقب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أكثر من 60 دولة.

وفي المحل المجاور لعمر، يشير الشاب خليل الشامخ أنه تزوج قبل 8 أشهر لكنه لم يستطع شراء أكثر من غرامين من الذهب فقط، نتيجة سوء الوضع المعيشي.

ويقول “الشامخ” من داخل محل الأقمشة الذي يعمل فيه: “الوضع حالياً لا يسمح بشراء 50 غراماً كما السابق، يوميتي 70 ألف ليرة ولكن أعيش في منزل بالآجار أدفع 400 ألف شهرياً بالإضافة إلى فواتير الكهرباء والماء”.

ويضيف: “إذا بقيت الأمور هكذا سيتجاوز عمر الشاب 30 عاماً ولا يستطيع الزواج”.

وبينما تشهد مواقع التواصل الاجتماعي دعوات بين الحين والآخر تدعو إلى تسهيل إجراءات الزواج نتيجة الأعباء المالية الكبيرة التي يضطر الشباب لتحملها، إلا أن أخرون يجدون شراء الذهب جزء من تقليد اجتماعي راسخ.

“حركة ضعيفة وغياب السيولة”

في شارع الصاغة في مدينة الحسكة، تشهد المحلات تراجعاً ملحوظاً في عمليات البيع والشراء وهو ما يعكس الواقع المعيشي.

ويقول عمار رباح وهو صائغ في مدينة الحسكة، لنورث برس، إن “حركة البيع والشراء ضعيفة جداً، بسبب ارتفاع أونصة الذهب عالمياً والتي وصلت لـ 3400 دولار بما يعادل 95 دولار للغرام الواحد ما عدا الصياغة، هذا الارتفاع أثر على عملية البيع والشراء”.

ويضيف، أنه “من كان يود البيع بات يتريث بغية ارتفاعها أكثر ومن يود الشراء يتريث لحين انخفاض سعرها قليلاً، فهذه العملية تؤثر على حركة عمل الذهب”، مشيراً إلى أن نسبة قليلة جداً من الزبائن تتردد لشراء الذهب بهدف الادخار وذلك نتيجة ارتفاع سعر الذهب وتوقف العمل.

ويتابع: “أما بالنسبة للمتزوجين فيلجؤون إلى شراء خاتم يزن غرام أو غرام ونصف فقط، بينما يلجأ آخرون إلى شراء الذهب الروسي (التقليد)، حيث بات يكلف شراء الذهب للمتزوج ما يقارب فوق 3 آلاف دولار، لذلك يعزف الكثيرون لشراء الذهب بهذه القيمة، وهذا وضع السوق الذي يعيش في ركود عام”.

ويرى “رباح” أن ارتفاع الذهب يعود  إلى الحروب التي تعيشها العالم نتيجة زيادة الطلب عليها عالمياً، مشدداً على أن عدم الاستقرار في سعر الذهب أدى إلى توقف حركة السوق وجموده.

وأمام محله لبيع التوابل في سوق الحسكة، يشير الخمسيني عبدالإله عثمان، بأنه أوقف زواج اثنين من أولاده المقيمين حالياً في ألمانيا قبل مدة بسبب مبالغ باهظة طلبتها عائلات العروستين بشأن الذهب.

ويقول “عثمان” لنورث برس: “في مجتمعنا أثناء الزواج يطالبون بالذهب أولاً، لكن غرام الذهب فوق 95 دولار حالياً، ومجتمعنا يعاني من الفقر وهذه الطلبات بالنسبة للذهب لربما تزيد من نسبة العنوسة”.

ويضيف: “الذهب غرامه مع الصياغة يصل فوق 100 دولار والسكان لا يوجد معها السيولة، بالنسبة لي بات من الصعب ادخار 5 غرامات من الذهب فليس لدي مورد آخر سوى هذا المحل والوضع المعيشي صعب جداً، وعادة في مجتمعنا ندخر الذهب لاستعمالها وقت الحاجة لكن الأمر بات صعباً في الوقت الراهن”.

ويعتبر اقتناء الذهب من العادات القديمة للسوريين لاستخدامها وقت الحاجة، إلا أن سنوات الأزمة أطاحت بهذه العادة بشكل كبير نتيجة الانهيار الاقتصادي في البلاد.

تحرير: خلف معو