بين مهاجمة السجون والمخيمات.. أولويات تنظيم “داعش” في سوريا

لامار أركندي – نورث برس

يثير مخيم الهول الذي يقع على مشارف بلدة الهول شرق مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، حفيظة البلدان المجاورة لسوريا وحكومات الدول التي قدم منها آلاف الجهاديين من الرجال والنساء المنضمين لأخطر تنظيم دموي عرفه العالم، إلى جانب السجون التي تحتجز قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فيها ما لا يقل عن 10 آلاف من الجهاديين الأكثر فتكاً ودموية من بين التنظيمات الجهادية التي تتالت ظهورها خلال السنوات السابقة .

ومع إطلاق تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عبر معرفاته على وسائل التواصل الاجتماعي بياناته المرئية والمسموعة وعوداً بتحرير جهادييه وتحرير عوائله من مخيم الهول الذي بلغ ذروة عدد قاطنيه في 2019 بعد انهيار دولة الخلافة ما لا يقل عن 70 ألف، أكثر من نصفهم من الأطفال، يطرح المهتمون بملفات الإرهاب السؤال الأكثر أهمية وهو أيهما  أولوية  التنظيم: مهاجمة السجون أم المخيمات في شمالي سوريا؟

صدارة أجندة التنظيم

إخراج محتجزي التنظيم يتصدر أجندته حسبما تعتقد الكاتبة الصحفية رنا الأحمدي، المتخصصة في شؤون المجموعات الجهادية، وتقول لنورث برس، إن التنظيم خطط على مدار السنوات السابقة لتنفيذ عمليات على عدة سجون في شمال شرقي سوريا، وعملية سجن الصناعة في 2021 كانت أكبرها تحولت لمعارك ميدانية داخل السجن ومحيطه شارك فيها بحسب معلومات خاصة حتى عدد من جهاديي الإيغور الذين قتلت قوات مكافحة الإرهاب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية عدداً منهم.

وتشير الأحمدي إلى فشل خلايا تنظيم “داعش” في إخراج محتجزيها من سجون قسد، مضيفة: “إلا أن آمال التنظيم لم تتوقف لتحرير جهادييه فهو حاول مرات عديدة تنفيذ عمليات مشابهة في الرقة وغيرها  إلا أنه رغم الوعود الوردية التي يطلقها بين الفترة والأخرى لاقتحام المخيم وتحرير نسائه وأطفاله لكنه لم يحاول تنفيذ عمليات مشابهة لعملية سجن الصناعة ضد المخيمات”، بحسب قولها.

استقطاب مخزون بشري

بدأت قصة مخيم  الهول قبل ما يقرب العشر سنوات مع توسيع “داعش” رقعة تمدده داخل الأراضي العراقية والسورية، وما صاحبه من إعدامات وخطف وسجن وإرهاب للسكان الأصليين، فأعيد فتح المخيم لاستقبال النازحين والمتضررين من جرائم التنظيم.

وعقب إزاحة “داعش” عام 2019 وتفكيك “دولة الخلافة” استقبل المخيم وغيره من المخيمات التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية العديد من أسر عناصر “داعش” الذين قتلوا في المعارك أو الذين ألقي القبض عليهم وتركوا أسرهم وراءهم.

وكان التنظيم المتطرف يستقبل أعداد كبيرة من المنتسبين إليه من جنسيات مختلفة للإقامة في دولتهم المزعومة آنذاك.

وقد وصلت أقصى سعة لمخيم الهول عام 2019، إلى 75 ألف شخص من 48 جنسية في العالم، واليوم وصلت الأعداد إلى قرابة 50 ألف، منهم 90 بالمائة من النساء والأطفال، وبينهم 25 الف عراقي و18 ألف سوري و8 آلاف من باقي الجنسيات، وهذه الأعداد تقسم حسب الأعمار كالتالي: منهم 23 بالمائة دون الخامسة و 42 بالمائة تتراوح أعمارهم ما بين 5 – 18 سنة، وفق ما بينه لنورث برس، الكاتب والباحث بالإرهاب الدولي والإسلام السياسي، طارق أبو السعد.

ويضيف أبو السعد أن “أول استفادة لداعش من مخيم الهول كانت من خلال الأعداد الكبيرة الوافدة من عوائله والقاطنين فيه ممن وفروا رصيدًا بشريًا ضخمًا وإمكانية تجنيده كخلايا بدرجة مرتفعة، ومن المتوقع أن يشهد هذا الجيل خلق تنظيمات وجماعات أكثر وحشية وإرهاباً من داعش”.

ويشير إلى أنه يمكن استقطابهم من قبل منظمات عالم الجريمة المنظمة والعنف في العالم، ما لم تتدخل حكومات الدول التي قدم منها هؤلاء الجهاديين وكذلك المجتمع الدولي وبحكمة لإيجاد حلول تتمحور في آلية تفكيك هذه المخيمات ، وفق قوله.

“علاقات لإنجاب جيل جديد”

في ذات السياق يقول الصحفي المصري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية والإسلام السياسي أديب منير، إن المخيم تحول لنقطة استقطاب للخلايا النائمة ومركز مهم لتجنيد النساء والأطفال وممارسة الأعمال المنافية للآداب مشيراً خلال حديثه لنورث برس، إلى “سعي نساء داعش إما بالترهيب أو الترغيب على إقامة علاقات غير مشروعة مع الأطفال الذكور وإنجاب جيل جديد من الأطفال الذين ربما يصبحون نواة للإرهاب والتطرف في هذا المكان مستقبلاً”.

ويرى “أبو السعد” أن قادة داعش يرغبون بإخراج نسائهم وأطفالهم (الذين ربما الآن في سن الشباب) أو على الأقل تهريب عناصرهم المقاتلة من مخيم الهول ليكونوا نواة جديدة لإعادة تمركزهم من جديد في ظل الفوضى الأمنية والعسكرية التي تعاني منها سوريا.

عوائق وتحديات التنظيم

فيما ينوه الصحفي المصري إلى عدة عوائق تعرقل نية قادات التنظيم في تنفيذ هجمات واسعة على المخيمات، أبرزها: “عدم توفر أماكن وملذات آمنة لتلك الآسر فالتنظيم يعمل سراً ولا يملك بقعة جغرافية يتمركز فيها ويحمي حدودها إذ يتطلب ذلك بقاء قوة لحمايتهم في منطقة تمركزهم مما يعيق حركة داعش الذي يشن عمليات خاطفة سريعة (كر وفر) واضطرار التنظيم التمركز مع أسره في مناطق قد تصبح مكشوفة بسبب أعدادهم الهائلة وتعرضهم لهجمات من قبل التحالف الدولي”.

ويضيف: “كما أن الأعداد الكبيرة من هذه العوائل تحتاج تمويلاً كبيراً قد يعجز داعش توفيرها في ظل الضعف الذي يكتنفه بعد انهيار دولته لذا فمطلب تحرير المخيمات بات مؤجلاً وربما ملغياً ينادون به ولا يقوون على تنفيذه”.

وفي هذا السياق ذهبت الكاتبة الصحفية رنا الأحمدي المتخصصة في شؤون الإرهاب والتي عملت سابقاً مع عدة منظمات دولية تنشط داخل مخيم الهول، إلى طرح آخر حول ما إذا كان التنظيم قد استفاد فعلاً من المخيم ومن صور نسائه وأطفاله ليتلاعب بعاطفة مؤيديه حول العالم وبالتالي فتح باب للحصول على  تمويل ذاتي عبر مشاهد لعوائله في المخيم وعرضها على المنصات الخاصة به؟

ترى الأحمدي أن “داعش استفاد من تصدير صور أطفاله ونسائه في المخيم وأنهم يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة ليضمن داعش كسب تعاطف الموالين لهم في الخارج لتغدقه أموال التبرعات التي تصل إلى أرقام كبيرة والتي تعتبر ضمن أحد أبرز أدواته للتمويل الذاتي”

وتقول: “داعش يخصص تلك الأموال في دفع رواتب عناصره وتنفيذ عملياته”.

وفي ذات النسق يوضح منير أديب أن قاطني الهول من عوائل التنظيم كانوا يتلقون حوالات مالية من الخارج خاصة من تركيا، مضيفاً أن “حركة الأموال في الهول كانت سريعة وكبيرة قدمت لداعش فرصة الحصول على أموال طائلة اذخرتها في تنفيذ عملياته الإرهابية داخل المخيم عبر خلاياه الخاملة والنشطة واستفادت دول مجاورة من حركة دخول الدعم المالي للمخيم عبر شركات سهلت دخولها للهول”.

ونفذت قوات سوريا الديمقراطية حملات أمنية عديدة لنزع السلاح من بين أيدي سكان المخيم، ضبطت خلالها كميات من الأسلحة والذخائر المتنوعة بين المحتجزين مما أجل انفجار قنبلة مخيم الهول بعض الوقت، وفق مراقبين، ولكنها تظل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة.

ورغم التغير الذي طرأ في سوريا على صعيد الواقع الأمني والعسكري في سوريا وحتى على مستوى الحكام الجدد إلا أن ذلك لم يكن كفيلاً بإنهاء “الخطر الكامن”، الذي لطالما حذرت منه دول العالم ودول الجوار المحيطة بالبلاد، وفق تقارير وخبراء ومراقبين.

تحرير: خلف معو