ما تداعيات حل “العمال الكردستاني” على المشهد السوري؟

القامشلي – نورث برس

يعتبر متابعون إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه، وانتهاء أكثر من أربعة عقود من الكفاح المسلح ضد الدولة التركية “قراراً تاريخياً يعيد تشكيل المشهد السياسي في المنطقة”.

وأصدر حزب العمال الكردستاني، أمس الاثنين، البيان الختامي لمؤتمر الحزب الثاني عشر والذي عقد في الفترة الممتدة بين 5 -7 أيار/ مايو الجاري، وجاء ضمن قرارات المؤتمر، حلّ الهيكلية التنظيمية للحزب وإنهاء الكفاح المسلح.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب اجتماع لمجلس الوزراء في أنقرة، إن القرار “يمثل خطوة بالغة الأهمية”، واعتبره “نقطة تحول مهمة نحو مساعي أنقرة لبناء دولة خالية من الإرهاب”.

وبدأت عملية السلام الجديدة بمبادرة من رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت بخجلي، أواخر العام الفائت، وفي شباط/ فبراير الماضي، أعلن قائد العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، عبر خطاب وصف بـ “التاريخي” الانخراط في عملية السلام مطالباً بحل الحزب لنفسه.

نقطة تحوّل

يقول جمعة محمد لهيب، وهو باحث سوري، إن إعلان العمال الكردستاني يعد “قراراً تاريخياً سيعيد تشكيل المشهد السياسي في المنطقة ويمثّل انتقالاً نوعياً نحو مسارات جديدة أكثر ارتباطًا بالحلول السياسية”.

ويضيف محمد في تصريح لـ”نورث برس” أن قرار الحزب “يمثّل نقطة تحوّل كبرى في المشهدين السياسي والعسكري، وسيؤثر بشكل مباشر على ما يجي في سوريا”.

ويشير إلى أنه “سيكون لهذا القرار تأثير مباشر وغير مباشر على التوازنات في مناطق شرق الفرات، ومن المرجح أن يؤدي إنهاء الدور العسكري للحزب إلى إعادة تشكيل التحالفات داخل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وربما يفتح الباب أمام مفاوضات جديدة مع دمشق أو أنقرة، كما يعزّز من إمكانية تثبيت اتفاق آذار/ مارس بين قائد قسد مظلوم عبدي والرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع”، وفق تعبيره.

وعلق الجنرال مظلوم عبدي على قرار “العمال الكردستاني” عبر منصة إكس قائلاً: “كلنا ثقة بأن هذه الخطوة ستمهّد الطريق أمام مرحلة جديدة من السياسة والسلام في المنطقة”.

أدوات بديلة عن السلاح

ويرى الباحث السوري أن تركيا، التي لطالما اعتبرت “العمال الكردستاني” تهديدًا وجوديًا، قد تجد في هذا التطور فرصة لتقليل توتراتها العسكرية مع المناطق الكردية في سوريا، “مما يمنحها مساحة أكبر للضغط السياسي، وربما لمحاولة فرض تغييرات على قسد بما يتماشى مع مصالحها”.

ويبيّن جمعة محمد أن هذا القرار “يعكس تحوّلاً في قناعة القيادة الكردية بأن النضال المسلح لم يعد الوسيلة الأنجع لتحقيق الطموحات القومية”، مشيراً إلى أن “التحوّلات الإقليمية والدولية تفرض اليوم أدوات سياسية ودبلوماسية بديلة عن السلاح”.

ويشير الباحث السوري إلى أن نجاح تنفيذ هذا القرار “يعني تحوّلاً فعلياً من العقلية الثورية إلى المؤسساتية، مع توجّه نحو نماذج سياسية مندمجة مثل الفيدرالية أو اللامركزية ضمن كيانات الدول القائمة”.

ويرى أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة قد يكون فيها العنف خيارًا مستبعدًا، في مقابل صعود قضايا التنمية والاستقرار والسلام، ويقول: “ربما تحمل هذه التحوّلات بذور أمل، لا في سوريا فقط، بل في عموم المنطقة المضطربة. لعلّها بداية خير”.

وفي ختام حديثه، يقول الباحث السوري إن إنهاء الصراع المسلح قد يمهّد لتفاهمات جديدة بين القوى الكردية ودول الجوار، وهو ما قد يُعيد تشكيل المشهد السياسي الكردي بأكمله، متسائلاً: “هل يمثّل هذا القرار نهاية للأيديولوجيا العسكرية، أم مجرد إعادة تموضع؟ وهل سيتمكّن الأكراد من تحقيق مكاسبهم عبر المسارات الديمقراطية؟”.

فرصة نادرة

يرى السياسي السوري ورئيس “حركة البناء الوطني”، أنس جودة، أن إعلان حل حزب العمال الكردستاني وتخليه عن العمل المسلح  “يشكل تحولًا إقليميًا لافتًا، يحمل في طياته فرصة نادرة لإعادة التفكير بمسارات الصراع والتفاوض”.

ويقول في تصريح لنورث برس، إن هذا الإعلان “سيكون له دور كبير في إعطاء مساحة تحرك أكبر للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية بعيداً عن الضغوط التي كانت تفرضها تركيا والاتهامات بالإرهاب وضرورة الانفصال عن حزب العمال، فهذه المطالب لم يعد لها أساس ولم يعد هناك حجة لدى تركيا ولا السلطة الجديدة في سوريا،  للبدء بمسار سياسي واضح قائم على الشراكة للوصول لدولة تعددية لامركزية”.

وإذا ما تطورت عملية السلام في تركيا وتحسنت علاقات الأخيرة والإدارة الذاتية واستُثمر قرار العمال الكردستاني بحكمة، فقد يمهد الأمر الطريق نحو تفاهمات سورية – سورية أكثر واقعية، خفض التصعيد في الشمال الشرقي ودمج الجهود المحلية لبناء نموذج حكم لا مركزي عادل ضمن دولة واحدة، بحسب جودة.

ويشدد السياسي السوري على أن الفرصة الآن سانحة لتجاوز سرديات “الاستئصال” وبناء مساحة مشتركة تقوم على الشراكة والمواطنة وليس على المعادلات الصفرية، وفق تعبيره.

ما علاقة “قسد” بقرار العمال الكردستاني؟

يعتقد الباحث في مركز “الفرات” للدراسات، وليد جولي، أن نتائج مؤتمر العمال الكردستاني ستؤثر على توازنات المنطقة وستترك بصمة واضحة على التوازنات السياسية فيها، نظراً لما يتمتع به الحزب من ثقل عسكري وسياسي.

ويضيف أنه لا يمكن اعتبار ما تمخض عنه المؤتمر أو ما يجري من مباحثات بين الزعيم الكردي عبد الله أوجلان والدولة التركية، على أنه هزيمة لأي طرف، “بل هو انتصار لكل من الشعبين الكردي والتركي، وهو ما قد يشكل منعطفاً تاريخياً مهماً في مسار العلاقة بينهما”.

ويشير  جولي  إلى أنه “ما يُشاع حول التزام  القوات الكردية في سوريا بقرارات المؤتمر “غير دقيق”، ولا توجد علاقة تنظيمية بين العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية أو وحدات حماية الشعب والمرأة، لأن “قسد” باتت تركز على مكافحة الإرهاب والمساهمة في صياغة مستقبل سوريا السياسي، وفق قوله.

ويشدد الباحث الكردي على أن الوضع في تركيا يختلف جذرياً عن سوريا من حيث البنية الأمنية، المؤسسات، والدستور، مشيراً إلى أن غياب هذه المقومات في سوريا يجعل من المستحيل استنساخ أي نموذج تركي في السياق السوري.

إعداد وتحرير: عبدالسلام خوجة/ عكيد مشمش