القطاع المصرفي في سوريا بين العقوبات وانعدام الثقة

نورمان العباس – دمشق

يواجه القطاع المصرفي في سوريا تحديات متراكمة تعمقت بفعل العقوبات الاقتصادية، ما جعله من أكثر القطاعات تأثراً في بيئة اقتصادية متقلّبة.

فالعقوبات لم تعُد مجرد قيود قانونية، بل تحولت إلى عائق يومي أمام تدفق الاستثمارات وتعافي السوق، وفقاً لتجار.

العقوبات والاستثمار

يقول فادي أنجو، من سكان دمشق، لنورث برس، إن “العقوبات على القطاع المصرفي شلّت حركة الاستثمار في البلد، ورفعها ضرورة لعودة المستثمرين والتجار من الخارج والاستثمار.”

ويطالب “أنجو” الحكومة بأن تستمع مباشرةً إلى المستثمرين في الداخل والخارج، مشدداً أنه بإمكانهم المساهمة الفعلية في تحسين الوضع الاقتصادي.

لكنه يشير أيضاً إلى مشكلة داخلية في القطاع المصرفي، موضحاً أن “من يعمل في القطاع المصرفي اليوم يفتقر للخبرة، والكادر القديم غير موجود.”

من جانبه، يرى سليمان عبد الله أن العقوبات “أرهقت الاقتصاد السوري”، وأغلقت أبواب الاستثمار، في وقت يعاني فيه السكان من تدني الدخل وتبعات الحرب.

ويقول لنورث برس، إن “رفع العقوبات خطوة ضرورية لتحسين الواقع الاقتصادي.”

أما محمد عبد المجيد، الذي يعمل في القطاع التجاري، فيشير إلى أن “الشعب هو من يدفع الثمن في النهاية.”

ويبين أن العقوبات تسببت بمعاناة حقيقية للتجار والمستثمرين، وأن “الخوف من هذه العقوبات هو ما يمنع الكثيرين من العودة إلى السوق السورية”.

فيما يشدد الدكتور عبد الرزاق حساني، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أن القطاع المصرفي السوري لا يعمل بمعزل عن المنظومة الدولية، إذ إن جزءاً أساسياً من نشاطه يتعلق بالعمليات الدولية كاستقدام رؤوس الأموال لتمويل الاستثمارات وعمليات الاستيراد والتصدير.

ويضيف أن هذه العمليات تمر عبر نظام التحويلات العالمي (سويفت)، مما يجعل استمرار العقوبات عائقاً حقيقياً أمام إتمام هذه الأنشطة المالية الحيوية.

والشهر الفائت، رفعت وزارة الخارجية البريطانية، 24 كياناً سورياً من قائمة العقوبات، من بينها البنك المركزي وبنوك أخرى وشركات نفط، وقالت إن الكيانات المرفوعة من قائمة العقوبات لم تعد خاضعة لتجميد الأصول.

أسباب تراجع المصارف

طوال مدة حكم عائلة الأسد 1970-2024 عانى القطاع المصرفي العام من خلل هيكلي على الرغم من إدخال بعض التحديثات على منظومته، لكنه بقي في مجمل الأمر أسير دوره باعتباره مقدم خدمة حكومية.

ويتألف القطاع المصرفي العام في سوريا من 6 مصارف مملوكة للدولة، أقدمها المصرف الزراعي التعاوني الذي أُسس في عام 1888، إلى جانب 3 مصارف حديثة تجاري وصناعي وعقاري ومصرفين للإقراض والتسليف الشخصي.

يضاف إلى ذلك 11 مصرفاً خاصاً و4 مصارف إسلامية أُسست في المدة الواقعة بين عامي 2004-2023 بعد أن أضفى النظام المخلوع الشرعية على البنوك الخاصة، وسمح بمنح تراخيص للبنوك الأجنبية في ديسمبر/كانون الأول 2002 بموجب قانون يسمح بإنشاء بنوك خاصة ومشتركة.

ويرى الدكتور عبد الرزاق حساني أن أسباب تراجع القطاع المصرفي لا تقتصر على العقوبات فحسب، بل تتعداها إلى عوامل داخلية، من أبرزها ضعف الإدارة والخبرة في المصارف العامة، والانغلاق الإداري، وغياب الفكر الاقتصادي الحديث، حيث لا تزال “العقلية الحكومية” هي المهيمنة على هذا القطاع.

ويشير إلى أن “العمل المصرفي له طبيعة فنية خاصة، ويُعرف بأنه فن إدارة المال، لكنه في سوريا يعاني من ضعف الخبرات وتدني الأجور، إضافة إلى استخدام برمجيات قديمة أثرت عليها العقوبات بشكل مباشر.”

كما يوضح أن محدودية رؤوس الأموال في معظم المصارف، باستثناء المصارف الإسلامية، تعرقل تنفيذ عمليات استثمارية أو تمويلية كبيرة.

كما يلفت “حساني” إلى وجود فساد إداري ومالي في القطاع، خاصة في ملف القروض الكبرى الممنوحة لرجال أعمال متنفذين.

ويستذكر مرحلة تشكيل لجنة لمعالجة القروض المتعثرة في عهد حكومة عماد خميس في النظام السابق، مشيراً إلى أن بعض رجال الأعمال تمكنوا من “شراء الضمانات بمبالغ زهيدة، على حساب المقترضين الأصليين.”

الثقة والاستقطاب

يرى الدكتور “حساني” أن ثقة المواطن العادي بالقطاع المصرفي ما زالت ضعيفة، موضحاً: “عندما تودع مبلغاً كبيراً في المصرف، تجد نفسك مقيداً بسقف سحب يومي لا يتجاوز بضعة ملايين، وأي محاولة لسحب مبلغ كبير تتطلب موافقة من البنك المركزي.” ويعتبر أن هذا التقييد “دون وجود خطة واضحة أو مبررات معلنة أضعف الثقة لدى المواطن.”

أما عن ثقة المستثمرين العرب أو السوريين في الخارج، فيرى “حساني” أن العقوبات هي العائق الأبرز، ويقول: “لا يمكن الحديث عن جذب استثمارات بدون خطة واضحة من الحكومة والبنك المركزي، مع التنسيق مع هيئة الاستثمار وحتى مع بعض الدول الغربية في حال وجود استثناءات.”

ويحذّر من أن التحايل على العقوبات، كما حدث في فترات سابقة، قد يرفع تكاليف التعاملات أو يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية من جهات دولية مثل “منظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

ويعتبر أن هذا التحدي يستوجب موقفاً حاسماً من الحكومة والإدارة المصرفية، مشدداً على ضرورة الاستمرار بالمطالبة برفع العقوبات لتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي السوري.

ويشدد أنه من الضروري أن تعمل الحكومة الجديدة في المرحلة الانتقالية على وضع سياسة مالية ومصرفية شفافة لاستقطاب الاستثمارات مجدداً.

وأواخر شهر آذار/ مارس الفائت، نقلت وكالة رويترز عن محافظ البنك المركزي السوري السابق ميساء صابرين قولها “إن البنك المركزي بصدد إعادة هيكلة المصارف المملوكة للدولة، وتوسيع الخدمات المصرفية الإسلامية بمنح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية خيار افتتاح فروع مصرفية إسلامية، نظراً لوجود شريحة من السوريين تتجنب استخدام الخدمات المصرفية التقليدية”.

وبحسب الوكالة، فإن العمل جارٍ على إعداد مسودة تعديلات على قانون البنك المركزي لتعزيز استقلاليته، بما في ذلك منحه مزيداً من الحرية في اتخاذ القرارات بشأن السياسة النقدية.

تحرير: خلف معو