“تُدفع من جيوب المرضى”.. خدمات ضعيفة وأدوية مفقودة في المشافي الحكومية بدمشق

نورمان العباس – دمشق

يجمع سكان قادمون من مختلف المحافظات السورية إلى المشافي الحكومية في دمشق، رحلة البحث عن علاج يرحمهم من أسعار المشافي الخاصة، ليتفاجؤوا بنظام صحي يئن تحت وطأة العقوبات، وغياب الأدوية والمعدات الطبية، وخدمات طبية تُدقع تكاليفها من جيوب المرضى.

فقدان  الخدمات والأدوية

يروي فواز خضير القادم من الحسكة، شمال شرقي سوريا، إلى مشافي دمشق للعلاج معاناته منذ 25 يوماً، قائلاً بلهجته المحلية لنورث برس: “علاج مافي وأدوية مافي، حتى الإبرة نشتريها من الخارج، المشفى لا يملك سوى الأطباء والممرضات”، منتقداً سوء معاملة الكادر التمريضي.

ويضيف: “التنظير الطبي كلفني 8 ملايين ونصف المليون ليرة، بينما يفوق سعر الإبرة أحياناً 400 ألف ليرة”، داعياً وزارة الصحة بتحسين أوضاع المشافي وتأمين الخدمات الطبية.

ومن الرقة، يصل علي براك إلى مشافي دمشق حاملاً ذات الهم، ويقول لنورث برس: “اخترنا مشافي الدولة لأنها أرحم، لكنهم يطلبون الآن إجراء التحاليل خارجها وأقل تحليل يكلف 100 ألف ليرة، وبعض الصور الطبية بـ 4 ملايين”،

ويضيف أن “كشفية (معاينة) الطبيب تصل إلى 300 ألف، والأدوية أسعارها فاحشة”، مطالباً الحكومة الجديدة بمراعاة ظروف المرضى الذين يعجزون عن تحمل تكاليف القطاع الخاص. 

أما خضر عدنان الخلف القادم من دير الزور والذي وضع طفلته منذ نحو 50 يوماً في مشفى الأطفال، فيشيد بالعناية الطبية في مشفى الأطفال بدمشق، رغم غياب الدعم الدوائي ويقول: “حتى السيروم والبلاستر نشتريهما من الخارج”، داعياً وزارة الصحة لتوفير الحد الأدنى من الأدوية.

 بينما يختصر عصري شيخو من حماة الأزمة بعبارة “كل شيء من برا حتى التحاليل تكلف 3.5 مليون”، مطالباً وزارة الصحة أن تنظر إلى معاناة الشعب القادم من محافظات أخرى.

عقوبات وتهالك صحي

في حين يشير الدكتور عثمان حمدان، المدير الطبي ومعاون مدير مشفى الأطفال في دمشق، إلى أن “غالبية المؤسسات الصحية الحكومية تمر بمرحلة تهالك واقتراب من انتهاء صلاحيتها، في ظل غياب قطع التبديل اللازمة، رغم أن الأجهزة الطبية المستخدمة قديمة ويُفترض استبدالها بأخرى حديثة”.

ويقول “حمدان” لنورث برس، إن عملية استيراد الأجهزة الطبية تتطلب أولاً رفع العقوبات المفروضة، بالإضافة إلى ضرورة توفير تمويل كافٍ لذلك، مشيراً إلى وجود صعوبات كبيرة في تأمين الأدوية المستوردة، وحتى تلك المنتجة محلياً.

ويعزو معاون مدير مشفى الاطفال بدمشق، تراجع الإنتاج المحلي من الأدوية إلى الأضرار التي لحقت بعدد كبير من معامل الأدوية، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على الوضع المالي للمؤسسات الصحية نتيجة نقص التمويل.

ويشير إلى أن غالبية المواطنين أصبحوا تحت خط الفقر، وغير قادرين على تحمّل تكاليف العلاج وشراء الأدوية، مبيناً أن مشفى الأطفال يعاني من نقص حاد في أبسط المواد الأساسية، حيث لا يوجد كحول طبي، وحتى المحاقن (السيرنغات) يُطلب من ذوي المرضى تأمينها بأنفسهم.

وفيما يخص الأدوية السرطانية، يبيّن الدكتور “حمدان” أن المؤسسات الحكومية قادرة فقط على تأمين ما بين 10 إلى 20 بالمائة فقط منها.

معامل أدوية متوقفة

يقول مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة زهير قراط، لنورث برس، إن العقوبات المفروضة على سوريا أثرت على القطاع الطبي بشكل شامل، وتسبب بتوقف عشرات المعامل الدوائية، مشيراً إلى أنها لم تخلق صعوبات في تأمين الأدوية فحسب، بل شملت  استيراد الأجهزة الطبية المتطورة مثل الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي”.

ويضيف أن هناك “صعوبات باستيراد الأدوية التي نحتاجها من دول متطورة خاصة أدوية السرطان بسبب حصر الاستيراد بدولة أو دولتين لا تُنتج أدوية ذات كفاءة عالية”، على حد قوله.

ويشير “قراط” إلى أن رفع جزء من  العقوبات عن بعض المنشآت الطبية لم يترجم عملياً، وأعطى مثالاً عن مشفى الأطفال بدمشق حيث مُنع تحويل الأموال لشراء جهاز طبقي محوري مُتفق عليه مسبقًا بسبب عقوبات مفروضة بشكل مباشر على المشفى.

ويكشف قراط عن نقص الأدوية في المشافي السورية كما لوحظ خلال زيارات ميدانية لمشافي درعا وحمص وحماة  مُرجعاً الأسباب إلى عوامل عدة ليس فقط بسبب العقوبات، منها توقف أكثر من 30 معمل دوائي محلي عن العمل، بالإضافة إلى ضعف المنح والمساعدات الإنسانية الطبية، خاصة بعد قرار ترامب بوقف الدعم الأميركي.

أما الأدوية المستوردة، فهي الأخرى تتسبب بمشاكل تتعلق بعدم توفر التمويل الكافي، وعدم القدرة على الاستيراد، فضلاً عن القيود المفروضة على البنك المركزي.

وتدرس وزارة الصحة إجراءات مؤقتة لتعويض النقص، مثل تعزيز الإنتاج المحلي لكنه لن يغطي أكثر من 20-30% من الاحتياجات، والتعاون مع شركاء دوليين لتأمين الأدوية والمعدات، بحسب “قراط”.

تحرير: خلف معو