“القروض قد تصبح ديوناً مستحيلة السداد”.. ما هي أولى خطوات الانتعاش الاقتصادي بسوريا؟
نورمان العباس – دمشق
يتطلع السوريون إلى لملمة شتات اقتصاد بلدهم الذي دمرته سنوات الصراع الطويلة، فبعد ما يقرب من 14 عاماً من الحرب، أصبحت معظم البنى التحتية للمعالم الاقتصادية للبلاد، من آبار نفط وغاز وطرق وشبكات كهرباء وأراض زراعية في حالة خراب.
وفي الوقت ذاته، انهارت قيمة العملة السورية إلى مستويات قياسية، وباتت احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية مستنفدة تقريباً، فكيف يرى السوريون أولويات الانتعاش الاقتصادي بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة تدير البلاد في الفترة الانتقالية.
رفع العقوبات أولاً
يرى ماهر حشيش، من سكان دمشق، أن أهم خطوة وأولى الأولويات هي رفع العقوبات، لأنها برأيه “تفيد الوطن أيضاً وليس فقط المواطن”.
بينما يرى أسامة إبراهيم، من سكان دمشق، أن “رفع العقوبات أفضل من تقديم المساعدات، مشيراً إلى أن المساعدات قد تكون محدودة الزمن ولا تتجاوز توزيعها “مرة واحدة”، بينما يؤثر رفع العقوبات إيجاباً على المجتمع السوري بشكل طويل الأمد.
ويؤكد محمود أسومة مهندس كهرباء من دمشق أن رفع العقوبات المطلب الأساسي للشعب السوري لأنها أدت بحسب رأيه إلى توقف المصانع والمعامل، وتهجير الشباب بحثاً عن العمل.
ويقول “أسومة” لنورث برس، إن “رفع العقوبات سيمكننا من تحويل سوريا إلى بلد صناعي وتجاري قادر على المنافسة”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن “الشعب الذي يعتمد على المساعدات سوف يبقى عليها”.
وفي 17 آذار/ مارس الفائت، شاركت سوريا لأول مرة في مؤتمر بروكسل للمانحين بحضور رسمي رفيع المستوى، متمثلاً بوزير الخارجية أسعد الشيباني، وسط تعهدات أوروبية ودولية بتقديم 5.8 مليار يورو (6.3 مليار دولار) كمساعدات إنسانية.
وهي قيمة أقل من تعهدات العام الفائت، في انعكاس واضح لغياب الولايات المتحدة الأميركية عن التمويل، لكن هل تعد المساعدات الدولية بديلًا عن رفع العقوبات الغربية التي أنهكت الاقتصاد السوري؟
وبين أوساط الخبراء هناك اتفاق واسع النطاق على أن الخطوة الأكثر أهمية في إعادة بناء اقتصاد سوريا، لا يمكن اتخاذها إلا من قبل الولايات المتحدة التي يجب عليها رفع العقوبات التي قطعت سوريا عن التجارة والاستثمار الدوليين، فمن دون هذه الخطوة ستبقى عملية إعادة بناء الاقتصاد المدمر بطيئة ومؤلمة بالنسبة للسوريين.
وبهدف معاقبة نظام الأسد، فرضت الولايات المتحدة في عام 2019 قيوداً تستهدف التدفقات المالية إلى سوريا، إلا أن هذه القيود أصبحت اليوم تعرقل بشدة تدفق الأموال التي تحتاجها البلاد لإحياء عملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، بحسب خبراء.

المساعدات والاستثمارات الخارجية
يرى عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور علي كنعان، أن مؤتمر بروكسل حلقة جديدة من حلقات الانفراج في الاقتصاد السوري، مشيراً إلى أن التزام المجتمع الدولي بتقديم مساعدات بقيمة 6.3 مليار دولار يعكس توجهاً أوروبياً وعالمياً لدعم سوريا بعد 14 عاماً من الأزمات.
ويعتبر التركيز على المساعدات واستقطاب الاستثمارات السورية في الخارج، الحل الأمثل دون إرهاق الاقتصاد بديون مستحيلة السداد، على حد وصفه.
ورغم غياب الدور الأميركي المباشر عن المؤتمر، إلا أن الولايات المتحدة بحسب “كنعان”: “لو عارضت المؤتمر لمنعته”، معتبراً أن سماحها بانعقاده يشير إلى موافقة ضمنية على تقديم المساعدات للشعب السوري.
ويشير الاقتصادي لنورث برس، إلى وجود تلميحات في التصريحات الأميركية الرسمية وغير الرسمية حول دراسة رفع العقوبات عن سوريا خلال الأشهر المقبلة، قائلًا: “هناك نقاش بين الاقتصاديين والسياسيين الأميركيين حول هذه الخطوة”، على حد قوله.
فيما يصف الدكتور عبد القادر عزوز، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس قسم الاقتصاد بجامعة دمشق، التعليق الجزئي للعقوبات الأوروبية بأنه “غير كافٍ”، مشيرًا إلى أن “العقوبات الأميركية لا تزال الأكثر إعاقة على المستوى اللوجستي في موضوع التعافي الاقتصادي”.
وبينما يسعى زعماء سوريا الجدد إلى إعادة بناء الاقتصاد، فإنهم يواجهون مجموعة من التحديات، بما في ذلك إقناع القوى الغربية برفع العقوبات واستعادة السيطرة على قطاع النفط في البلاد، فالغرب لا يزال حذراً من التعامل مع زعماء سوريا الجدد الذين كانوا يرتبطون في السابق بعلاقة مع تنظيم القاعدة قبل أن يتم قطعها.
والأحد الفائت، سلمت واشنطن البعثة السورية مذكرة تم تسليمها من خلال الأمم المتحدة تنصّ على تغيير وضعها القانوني من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن الحكومة السورية الجديدة تحتاج للقيام بحزمة كبيرة من الخطوات العاجلة لإنقاذ اقتصاد البلاد، حيث يجب العمل على إعادة هيكلة البنك المركزي والسياسات المصرفية ورفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد.