ريف دير الزور.. حرفة تقليدية متوارثة لا تزال تنبض بالحياة رغم التحديات
علي البكيع – دير الزور
وسط مدينة هجين، الواقعة في ريف دير الزور الشرقي، شرقي سوريا، حيث تتشابك أزقة الأسواق القديمة وتفوح رائحة المعادن المطروقة، لايزال صالح محمد الصالح، رغم كبر سنه، متمسكًا بحرفة الأجداد (الحدادة) التي تنبض بالحياة في ورشته المتواضعة.
حرفة الحدادة أو صناعة الأدوات الزراعية واليدوية بالحديد، التي ورثها عن آبائه وأجداده، “ليست مجرد مهنة لكسب الرزق، بل هي جزء أصيل من هويته وتراثه، ونافذة تطل على تاريخ المدينة العريق، وتجسيد لروح الصمود التي يتحلى بها سكان هذه المنطقة”، بحسب “الصالح”.
هوية ثقافية
يقول الحداد صالح محمد الصالح (أبو صبيح)، لنورث برس: “هذه المهنة ورثناها من أجدادنا وآبائنا، وسنورثها لأولادنا، هذه الصنعة قديمة جدًا، نصنع الأدوات الزراعية وغير الزراعية، مهنة حرفية حلوة، أنا وأخواتي نعمل بهذه المهنة منذ أكثر من 35 عاماً.”
في ورشته المتواضعة في هجين، تتشكل المعادن بأيدي ماهرة، لتتحول إلى فؤوس وبلاطات وسكاكين ومطارق نجارة وأزميل وكريك، هي أدوات بسيطة، ولكنها ضرورية لحياة الناس اليومية، ورمز لصلتهم بالأرض وتراثهم.
كل قطعة تخرج من بين يديه تحمل بصمة التاريخ وعبق الماضي، وتحكي قصصًا عن أجيال مضت، وعن حياة بسيطة تعتمد على قوة السواعد وإتقان الحرف.
هذه الأدوات ليست مجرد منتجات، “بل هي جزء من نسيج الحياة اليومية في هجين، وتجسيد لروح التعاون والتكافل التي تميز سكان هذه المدينة”، وفق “الصالح”.

ويضيف: “نصنع الفأس والبلطة والسكاكين ومطرقة النجارة والأزميل والكريك، هذه الأدوات التي نصنعها بأيدينا.”
ورغم تراجع الطلب على هذه الأدوات مع دخول الآلات الحديثة، إلا أن صالح وأخواته يرفضون الاستسلام، ويصرون على الحفاظ على هذا الإرث الثمين، متيقنين بأن حرفتهم جزء لا يتجزأ من هوية مدينتهم هجين، وأنها تستحق البقاء والاستمرار، حتى في وجه التحديات والصعاب. فهم يدركون أن هذه الحرفة ليست مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل هي جزء من الذاكرة الجماعية للمدينة، وتعبير عن الهوية الثقافية لسكانها.
تحتاج الدعم
يقول الحداد “الصالح”، “تراجع الطلب على الأدوات التي نصنعها، رغم ذلك لن نترك هذه المهنة، سنورثها لأولادنا، وأولادنا سيورثونها لأولادهم، هذه المهنة تجري في دمائنا، الصنعة قديمة وناجحة ونادر وجودها.”
فيما يناشد الحداد المنظمات الإنسانية والمجتمع المحلي لدعم هذه الحرفة القديمة، التي تواجه خطر الاندثار في هجين، مشيراً إلى أن الدعم ليس مجرد مساعدة مادية، بل هو اعتراف بقيمة هذا التراث الإنساني، وتقدير لجهود الحرفيين الذين يحافظون عليه.
ويشدد بأنهم بحاجة إلى دعم يمكنهم من تطوير حرفتهم وتحسين جودة منتجاتهم، والمنافسة في السوق، وتوفير فرص عمل للشباب في المدينة.
ويشير إلى أن العديد من الحرفيين في هجين يفتقرون إلى المعدات اللازمة للعمل، وأن الدعم الموجه للحرف اليدوية غالبًا ما يذهب إلى مشاريع أخرى لا تخدم الحرفيين الحقيقيين.
ورغم التحديات، يواصل صالح وأخوته العمل بإصرار في هجين، مؤمنين بأن حرفتهم جزء لا يتجزأ من هوية مدينتهم، وأنها تستحق البقاء والاستمرار، تجسيداً لقيم الأصالة والتراث التي يجب الحفاظ عليها في هذه المنطقة التي عانت الكثير.