نورمان العباس – دمشق
رغم فرحة السوريين بحلول أول عيد فطر بعد سقوط نظام الأسد الذي حرمهم من بهجة العيد طوال 54 عاماً، إلا أن الانفتاح السياسي لم يترجم بعد إلى تحسن ملموس في معيشة الناس.
فالأزمات الاقتصادية طغت على فرحة العيد، لتبقى الأسعار المرتفعة ونقص السيولة النقدية هما العنوان الأبرز في شوارع العاصمة دمشق.
ضعف القدرة الشرائية
في دمشق، يقول رامي بشير وهو من سكان درعا ومقيم بدمشق، لنورث برس، إن القدرة الشرائية لدى الناس ضعيفة والرواتب بقيت كما هي دون زيادة والأسعار غالية في الأسواق.
ويضيف بلهجته المحلية: “الناس ليس معها رواتب وبدون عمل، تم فصل عدد كبير من الموظفين، والحركة في السوق معدومة، وكأنه لا يوجد عيد والملابس غالية نار، والزيادة الموعودة لم تأتِ، والراتب بقي 300 ألف ليرة ولا تكفي شيئًا”.
ويطالب الحكومة أن تدع أصحاب البسطات التي تبيع حلوى العيد وغيرها من المواد الغذائية ليعملوا، قائلاً: “الناس تحتاج إلى عمل، والأب يضطر أن يعمل هو وأولاده على بسطة لكي يأكلوا”، على حد تعبيره.
فيما تصف ريم صالح من سكان الساحل السوري ومقيمة بدمشق، الأسعار وحركة العيد بالمثل الشعبي “الجمل بـ ليرة ومافي ليرة”، مشيرة إلى أن هناك أسعاراً مبالغًا فيها، خاصة مع غياب الرواتب وفرص العمل.
وتقول “صالح” لنورث برس، إن السوريين يقضون حاجاتهم الأساسية فقط، وإن العيد أصبح يوماً عادياً وأضافت “بالنسبة لي، لا أستطيع شراء ملابس العيد، وأغلب السوريين يلجؤون لمحلات البالة (الأوروبية المستعملة) لشراء الملابس.”
وتضيف بتساؤل: “هل يوجد عيد في سوريا؟ خاصةً في ظل أوضاع الساحل وكيف نستطيع أن نعيد؟ وجيراني وأهلي بالساحل ماتوا واحترقت منازلنا.”
وفي منطقة الساحل السوري غربي البلاد، تسببت موجة من العنف بين أيام 6 و 10 من شهر آذار/مارس الجاري، بصدمة محلية ودولية، حيث وثقت منصات حقوقية وأممية مقتل مئات الأشخاص وسط اتهامات حوادث قتل بدواعٍ طائفية، وأحداث وصفت بالأعنف منذ سنوات، وهو ما أوجد لدى السوريين حالة من خيبة الأمل بمستقبل البلاد.

“حلويات العيد صارت حلماً”
تقول خديجة الدحوس من بلدة داريا، بريف دمشق، لنورث برس، “الحلويات صارت حلماً، فالأسعار نار وراتبي 180 ألف ليرة فقط، طقم ملابس طفل صغير بـ 350 ألف من أين نأتي بهذا المبلغ؟”
من جهته، يشير خليل حدة صاحب محل حلويات في دمشق إلى أن حركة السوق خفيفة، ويقول لنورث برس، إن “شراء الحلويات صارت رفاهية بالنسبة لشريحة كبيرة من السوريين الذين يفضلون تأمين الأساسيات”.
وحول أسعار الحلويات يقول “حدة” لنورث برس، إن “سعر الهريسة بمبلغ 90 ألف ليرة، اللوزة 50 ألف والنمورة 70 ألف و النابلسية 75 ألف”، وهي مبالغ كبيرة بالنسبة لشريحة كبيرة من السكان الذين ليس لديهم عمل أو انقطعت رواتبهم مؤخراً بعد سقوط النظام السابق.
بينما يرى محمد قصاب من سكان دمشق أن الوضع “أفضل من السابق” بسبب انخفاض بعض الأسعار، لكنه يشير إلى أن الأسعار ما زالت عالية، ولا سيولة نقدية لدى الناس، والكثير من السكان يعتمدون على الحوالات الخارجية.
وتتوالى شكاوى السكان في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وخاصة الموظفين من قلة الرواتب التي كانوا يتلقونها وذلك خلال أزمات اقتصادية عاشها السوريون على مدار أكثر من 14 عاماً.
السكان يرون أن الأجور الحالية لم تعد تكفي لشراء جرة غاز، أو لشراء المستلزمات الأساسية للمعيشة واليومية علاوة عن أمور نساها السكان خلال سنوات الحرب.
وتقدر كلفة زيادة الرواتب بنحو 1.65 تريليون ليرة سورية (نحو 127 مليون دولار بسعر الصرف الحالي)، والتي يعتقد أنها ستُمول من خزانة الدولة الحالية ومساعدات إقليمية واستثمارات جديدة والجهود الرامية إلى فك تجميد الأصول السورية الموجودة في الخارج.
انعدام السيولة.. وخبراء يحذرون
يحذر نائب رئيس جمعية حماية المستهلك وعضو غرفة تجارة دمشق، ماهر الأزعط، من أن انعدام السيولة النقدية “كارثة حقيقية”، رغم انخفاض بعض الأسعار.
ويقول الأزعط لنورث برس، “ناشدنا الحكومة زيادة رواتب الموظفين، لكن القرارات مثل منح إجازة 3 أشهر لموظفين دون دراسة العواقب زادت الأزمة تعقيداَ”.
ويشير إلى أن ارتفاع الأسعار ليس بسبب سعر الدولار فقط، بل أيضًا بسبب تكاليف الكهرباء والضرائب غير المنخفضة، مضيفاً “التاجر اليوم لا يستطيع سحب أكثر من مليون ليرة من البنك، وهو مبلغ لا يكفي حتى لرواتب عماله”.
ويطالب الأزعط الحكومة بـ “حلول سريعة” لتجنب العودة لسياسات النظام السابق الفاشلة، منوهاً إلى أهمية أن يكون هناك تشارك بين الوزارات، ويصف الوضع بأن كل وزارة تعمل منفردة.
ويشدد على ضرورة أن تتعاون وزارتا الصناعة والتجارة لإنقاذ المنتج السوري، قائلاً: “إلى متى ستظل غرف اتحاد الصناعة والتجارة تعمل بمنطق كلٌ يغني على ليلاه؟ نريد سياسة وفرة لا ندرة، لأن الندرة تخلق احتكاراً”، على حد وصفه.
فيما يرى الدكتور في كلية الاقتصاد عبد الرحمن محمد، أن الأزمات في سوريا لم تعد مجرد أرقام إحصائية، بل تحوّلت إلى جرح يومي ينزف في حياة الناس.
ويبيّن أن في كل المدن السورية تحوّلت الأزمات الاقتصادية إلى واقع يومي يُثقِل كاهل السكان، حتى طغت على بهجة الأعياد والمناسبات.
ويضيف “محمد” لنورث برس، “اليوم، صارت هذه المناسبات محطات تذكِّر الناس بمرارة الأوضاع المعيشية، حيث الأسعار المرتفعة تُجهض فرحة العيد.
ويشير الاقتصادي إلى أن “نقص السيولة النقدية يعقّد المعاملات اليومية، وأن رواتب الموظفين، إن وُزِّعت، لم تعد تكفي لسد أبسط الاحتياجات. يعتمد البعض على تحويلات الأقرباء من الخارج، أو على التكافل الاجتماعي من خلال زكاة الأموال أو صدقات الفطر”.
ويحذر من أن هذه الأوضاع ستؤدي إلى انعكاسات اجتماعية ونفسية، حيث تقلصت الزيارات العائلية في العيد بسبب كلفة المواصلات، كما يرى أنه زادت حدة التوترات الأسرية الناتجة عن الضغوط المادية، وانتشرت مشاعر اليأس والإحباط بين الشباب السوري، الذين يرون المستقبل مغلقاً أمامهم في ظل غياب فرص العمل واستمرار التدهور الاقتصادي.
وعانت سوريا من أزمات اقتصادية في السنوات القليلة الماضية إضافة إلى شح العملة لأسباب من بينها الانهيار المالي، ما أدى بمعظم السوريين إلى ما دون خط الفقر في ظل ضعف أجور القطاع العام وانهيار عدد من الصناعات.