ثغرات لهيمنة السلطة أم ضرورة لهيكلة الدولة؟.. حقوقيون بالرقة يعلقون على الإعلان الدستوري

زانا العلي – الرقة

يرى حقوقيون في مدينة الرقة، شمالي سوريا، أن الإعلان الدستوري في سوريا فيه ثغرات قانونية جوهرية قد تؤدي إلى استمرار هيمنة السلطة وإقصاء بعض المكونات، في حين يرى البعض أنه خطوة ضرورية نحو إعادة هيكلة النظام السياسي وتعزيز الحريات.

ومنذ صدور الإعلان الدستوري الجديد والذي وقع عليه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في 13 آذار/ مارس الجاري، لقي الكثير من المعارضات والاحتجاجات ونُظمت على إثره مظاهرات عدة تطالب بإعادة صياغته وتعديله.

يتناول هذا التقرير أبرز الملاحظات لحقوقيين سوريين من الرقة على لجنة الصياغة وبنود الإعلان، من تشكيل المحكمة الدستورية إلى دور رئيس الجمهورية، إضافة إلى الجدل حول مرجعية التشريع، ومدى توافقه مع تطلعات السوريين في بناء دولة مدنية ديمقراطية.

أخطاء لجنة الصياغة

يقول المحامي عواس علي، لنورث برس، إن المشكلة الأساسية في لجنة صياغة الإعلان الدستوري وما نتج عنها أخطاء قانونية فادحة في الإعلان الدستوري، وخاصة أن هناك الكثير من المختصين الحاصلين على شهادات الدكتوراه في هذا المجال بسوريا.

ويضيف “علي” أن “الأخطاء بلغت درجة معيبة، حيث أن أحد الأعضاء لم يكن يميز ما تعنيه عبارة الفصل بين السلطات، ولم يفهم الفقرة التي وردت فيها هذه العبارة”.

ويشير إلى أن القانون الدستوري في جميع دول العالم، وخاصة بعد عام 2000، توجه إلى أنه لا يوجد فصل تام بين السلطات، لأنها تكمل بعضها البعض، وهذه وجهة نظر العديد من فقهاء القانون الدستوري، على حد قوله.

لكن عندما صرح أحد أعضاء اللجنة برأيه، بدا وكأنه يعتبر أنه من المحرم أن تتداخل السلطات الثلاث أو تتشاور فيما بينها، بحسب “علي” الذي يرى أن هذه اللجنة “كارثة ومعيبة دولياً”.

ويغوص الحقوقي في تفاصيل الإعلان الدستوري قائلاً إن هناك خطأ فادح في المادة (8)، حيث جاء في نصها: “تلتزم الدولة بمكافحة جميع أنواع وأشكال التطرف العنيف مع احترام الحقوق والحريات”.

ويتساءل بتهكم: “فهل هناك تطرف عنيف وتطرف غير عنيف؟ بموجب هذا النص، يبدو أن التطرف غير العنيف مسموح به، وهذا خطأ كارثي”.

وكذلك، المادة 47 التي تنص على “تشكيل المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية”، وهذا خطأ فادح مقارنة بدساتير العالم، حيث يتم اختيار الأعضاء بموجب اقتراحهم على مجلس الشعب الذي يصوت عليهم، دون تدخل الرئيس لا من قريب ولا من بعيد، بحسب “علي”.

أما المادة 50، فتنص على أن “يتم تعديل الإعلان الدستوري بموافقة ثلثي مجلس الشعب بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية”، وهذا يعني أنه بدون اقتراحه لا يستطيع أحد تعديل أي مادة في الدستور.

ويرى المحامي السوري عواس علي أن الأخطاء لا حصر لها، والسبب برأيه يعود إلى اختيار أعضاء اللجنة وأنهم لا يملكون الخبرة الكافية وغير مطلعين على دساتير العالم، على حد تعبيره.

“القوى المدنية مفقودة”

يقول المحامي عبدالله العريان، إن “هذا إعلان دستوري وليس دستور دائم، بل يمكن أن يتطور إلى الدستور حسب فعالية القوى المدنية التي لا تتبع لأي إدارة، وهي، بلغة قانونية، الجهاز الذي يحكم، لكنها غير متوفرة حالياً، أي أن القوى المدنية مفقودة، نحن نفتقد لهذه البنية القانونية”.

ويضيف: “رغم ذلك، هناك العديد من الأمور الإيجابية في الإعلان الدستوري، مثل حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وحرية كافة المكونات واللغات الثقافية، وحرية التعبير عبر الإعلام والصحف، وتشكيل المجمعات، واستقلال السلطات”.

ويشير إلى إن عدم تبعية المنظمات لأي سلطة، واستقلال السلطات عن بعضها البعض، ومراقبتها لبعضها، تعد من الجوانب الإيجابية، على حد وصفه.

فيما ينوه “العريان” إلى أن هناك إشكالية تتعلق بالنص الذي ينص على أن “الإسلام هو مرجع التشريعات”، مضيفاً: “فالسؤال هنا: عن أي إسلام نتحدث؟ هل هو الشيعي أم السني؟ وأي مذهب من المذاهب السنية؟ هذه العبارة وردت في جميع الدساتير السابقة، لكنها كانت مجرد حبر على ورق، وتطبيقها يكاد يكون مستحيلاً”.

ويشدد بأنه “علينا في جميع المناطق السورية أن نسعى إلى إيجاد مجتمع مدني حقيقي، يتجسد في أحزاب سياسية وليست أحزاباً عسكرية، وهو العيب الذي كان متواجداً في جميع الأنظمة التي حكمت سوريا”.

ويقول الحقوقي إنه لا يمكن تطبيق أي بند من بنود الدستور إلا في حال وجود ضغط من الشارع، أي المجتمع المدني، على صانع القرار.

ويشير إلى أن الخطأ في سوريا هو أن “من يحكم يريد تشكيل المجتمع على مقاسه الخاص”، دون أن يتنازل ليسأل المجتمع ماذا يريد.

“دستور دائم”

بينما المحامي فرهاد باقر يحسم الجدل ويقول “هذا ليس إعلاناً دستورياً مؤقتاً، بل هو دستور دائم لهذه الفئة”، ويتساءل: لماذا جاء الإعلان بعد يومين من توقيع الاتفاق بين “قسد” ودمشق؟ مشيراً إلى أن هذا الإعلان جاء متناقضاً مع توقيع رئيس الجمهورية.

وفي العاشر من الشهر الجاري، أعلنت الرئاسة السورية، أن الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، وقعا اتفاقاً ينص على دمج قوات “قسد” والإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، ولاقى هذا الاتفاق ترحيباً عربياً ودولياً واسعاً.

ويضيف “باقر” أن الاعلان حدد دين رئيس الدولة، مما يقصي فئات كثيرة من المجتمع، ويقلص من حقوق المرأة، ولا يعبر عن طبيعة المجتمع السوري، ولم يحظَ بموافقة جميع السوريين.

ويدعو الحقوقي فرهاد باقر الناشطين السوريين إلى تشكيل لجان وعقد حوارات وندوات لتقديم رؤى وصياغة إعلان دستوري مؤقت لسوريا يجد فيه جميع مكوناتها تمثيلاً حقيقياً.

وبعد المصادقة على الإعلان الدستوري، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، خلال بيان، عن رفضه التام للإعلان الدستوري المقدم من السلطات الانتقالية، مشيراً إلى أن المسودة “تعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة”.

وشدد “مسد” على رفضه الشديد أي محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية تحت غطاء “المرحلة الانتقالية”، مؤكداً أن أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعًا مفروضًا من طرف واحد.

كما أعلن شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، رفضه الإعلان الدستوري، مطالباً بإعادة صياغته بشكل يؤسس لنظام ديمقراطي تشاركي، والحدّ من “الصلاحيات الاستئثارية” لمنصب الرئاسة فيه.

تحرير: خلف معو