مزارعون بريف الحسكة يتخوفون من التصحر بسبب الجفاف وانحسار الأنهار
سامر ياسين – نورث برس
قلص سليمان من مساحات زراعته بريف الحسكة هذا العام إلى حوالي الربع، بسبب التكاليف الباهظة التي تترتب عليه للسقاية والرعاية بالأرض عقب موجات الجفاف التي تشهدها المنطقة منذ أعوام.
وتشهد مناطق شمال وشرقي سوريا – التي تعتبر المنطقة الزراعية الأولى في البلاد – وسوريا بشكل عام، موجة جفاف قاسية بسبب شح الأمطار الموسمية خلال فصلي الشتاء والربيع، وبالتالي الانخفاض الكبير بمنسوب الأنهار والمياه الجوفية في المنطقة.
انحسار الأمطار والأنهار
يقول المزارع سليمان الطرخو (40 عاماً)، من سكان تل تمر شمالي الحسكة، إن موجة الجفاف على المنطقة نتيجة انحسار الأمطار أدت إلى انخفاض كبير في مستوى جريان الأنهار مما أجبرهم على التحوّل المباشر لسقاية الأراضي الزراعية من الآبار الجوفية، التي هي أيضاً انخفضت مناسيبها بشكل كبير، حسب وصفه.
ويعتمد القسم الأكبر من سكان مدينة الحسكة وريفها على الزراعة في تأمين المعيشة، وخاصة أصحاب الأراضي القريبة من أسرّة الأنهار الجارية في المنطقة، وأهمها نهر الخابور الذي يعتبر المروى الأول لسكان ريف الحسكة الشمالي.
ومنذ بداية الحرب في سوريا يتكرر السيناريو نفسه في نهر الخابور حيث يتدفق بغزارة في الشتاء والربيع، ثم ينحسر بشكل متسارع مع حلول الصيف، مما يؤدي إلى جفافه الكامل في منتصف كل عام.
ومنذ بداية الحرب في سوريا يتكرر السيناريو نفسه في نهر الخابور حيث يتدفق بغزارة في الشتاء والربيع، ثم ينحسر بشكل متسارع مع حلول الصيف، مما يؤدي إلى جفافه الكامل في منتصف كل عام.

ويمتد نهر الخابور من الأراضي التركية إلى أجزاء عدة من الشمال السوري، حيث يدخل سوريا من ريف سري كانيه وصولاً إلى بلدة تل تمر، ليلتقي مع نهر الجقجق في الحسكة ، ويتهم مسؤولون محليون تركيا وفصائل تابعة لها بقطع المياه عن النهر.
ويشير المزارع إلى أنه بسبب صعوبة توفير مادة المازوت وشح الأمطار الموسمية والانقطاع المتكرر لمياه نهر الخابور، اضطر لتخفيض مساحاته المزروعة من 400 دونم (40 هكتار) إلى نحو 120 دونم (12 هكتار)”.
ويقول “الطرخو”: “نقوم بزراعة الأراضي القريبة من نهر الخابور فقط، أما المساحات الأخرى باتت غير مروية وتعتمد على الأمطار فقط (أراضي بعل)، ونتيجة الأمطار القليلة باتت هذه الأراضي صحراء”.
ويعتبر النهر الذي يصل طوله إلى 320 كم مصدراً حيوياً للزراعة على مساحة تبلغ حوالي 10 مليون دونم، يعتمد عليها أصحاب الأراضي لري محاصيلهم عند توفر المياه.
فيما يقول المزارع محمد العبدالله، من ريف تل تمر، لنورث برس، إن جفاف نهر الخابور وانخفاض منسوب الآبار عمقت من معاناتهم، داعياً إلى توفير الدعم بالمحروقات وحول بديلة لاستمرارية الزراعة من خلال تركيب منظومات الطاقة الشمسية لتخفيف الأعباء المالية على المزارعين.
ملوحة المياه الجوفية
يقول المزارع سركون صليو، من قرية تل نصري بريف تل تمر، خلال حديثه لنورث برس، إن “انحسار الأمطار وانخفاض منسوب المياه الجوفية أدى إلى التصحّر في الأراضي الزراعية”.
ويستذكر قريته التي كانت تحوي الآلاف من الأشجار المثمرة والكروم والتي لا أثر لها الآن بسبب انقطاع مياه نهر الخابور وازدياد ملوحة المياه الجوفية، مما أدى إلى تلفها بشكل شبه كامل”.
ويضيف أن زراعة ما يقارب 1000 دونم ( 100 هكتار) من الأشجار انخفضت إلى دونمين أو ثلاثة فقط، على حد قوله.
ويشير “صليو” إلى أن موجات الجفاف وشح الأمطار أدت إلى تقلّص كبير في المساحات الزراعية في المنطقة بشكل خاص، “لأنها أصبحت مكلفة ولا تدر قيمة التكلفة على المزارع”.
ويقول: “سابقاً كنا نستخدم مياه نهر الخابور التي كان استهلاكها رخيص بالنسبة لنا، ولكن الآن نعتمد على الآبار الارتوازية السطحية، والتي باتت مكلفة وباهظة للغاية، من الناحية الميكانيكية والمحروقات”.
ويضيف “في الأعوام السابقة كانت تصل المساحات المزروعة المروية في المنطقة إلى 100 ألف دونم (10 ألاف هكتار)، ولكن عام بعد عام تقلصت هذه المساحة لتصل إلى ما لا يتجاوز 30 ألف دونم، بسبب التكلفة العالية للإنتاج”.
ويتخوف سركون من تراجع الحالة الزراعية إلى هذا الحد في المنطقة، مطالباً بدعم المزارعين بالأدوية المناسبة والفعالة، ومنح المزارعين المواد الزراعية كاملة على شكل قرض، لأن الفلاح في المنطقة أنهك، حسب وصفه.
ويشدد على ضرورة منح الغدارة الذاتية البذار والأدوية والأسمدة للمزارعين على شكل قروض تسدد بعد انتهاء الموسم الزراعي، لمحاولة إنقاذ الأراضي الزراعية من التدهور بشكل أكبر.
وعلـى الرغـم لمـا تشـير إليـه الدراسـات الهايدروجغرافيـة مـن غنـى المحافظة بالمـوارد المائية الطبيعيـة الغنيـة بالميـاه السـطحية الجاريـة والجوفيـة نظـرًا لتوضعهـا فـي قلـب حـوض دجلـة والخابـور، إلا أنهــا تشــير إلــى أن التغيــرات المناخيــة، ونــدرة الأمطــار، والعوامــل الجيوسياســية (الخارجيــة منهــا والداخليـة)، قبـل وبعـد النـزاع المسـلح فـي 2011 لعبـت دورًا كبيـرًا فـي تحـول مشـكلة شـح الميـاه إلـى أزمـة حقيقيـة منـذرة بكـوارث بيئيـة وصحيـة واجتماعيـة.