سامر ياسين – تل تمر
ينهمك عصمت محمد (60 عاماً) المعروف باسم “أبو شاهين” في كل صباح بتنظيف شجرة الزيتون التي زرعها فور وصوله من مكانه الأصلي في عفرين إلى مكان نزوحه الحالي بقرية تل نصري الآشورية بريف تل تمر شمالي الحسكة، شمال شرقي سوريا.
ومنذ سبع سنوات نزح عصمت وزوجته مع الآلاف من سكان مدينته إبان الهجوم التركي وسيطرة الأخير وفصائل سورية موالية له على منطقة عفرين بريف حلب في 18 آذار/ مارس 2018.
الزيتون ثقافة متجذرة مئات السنين في منطقة عفرين وباتت زراعتها هوية للمدينة الكردية السورية.
ظروف النزوح
يقول عصمت محمد من سكان قرية (علمدارا) بريف ناحية راجو بعفرين، إنه نزح مع زوجته في البداية إلى داخل مدينة عفرين على أمل العودة إلى قريته وعقب سيطرة تركيا على كامل المدينة، وصل بهما الحال قبل سبع سنوات إلى قرية تل نصري بريف بلدة تل تمر مع عشرات العوائل من عفرين وريفها.
وفي 20 من شهر كانون الثاني/ يناير عام 2018، أطلقت تركيا بمشاركة فصائل سورية مسلحة موالية لها عملية عسكرية بمنطقة عفرين وريفها، واستمرت المعارك ضد قوات سوريا الديمقراطية هناك لمدة تقارب الشهرين، انتهت بسيطرة تركيا على المدينة والقسم الأكبر من ريفها.
إثر العملية نزح ما يقارب 190 ألف كردي من مدينة عفرين خوفاً من عمليات التصفية والقتل من قبل الفصائل الموالية لتركيا، مما ساهم بتغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة هناك، عقب جلب تركيا الآلاف من النازحين من الداخل السوري إلى المدينة وريفها وتوطينهم فيها، بحجة عدم قدرتهم على العودة إلى مناطقهم التي كان يسيطر عليها النظام السوري السابق آنذاك.
وعقب سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة يقودها أحمد الشرع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، زار الأخير بنفسه وبعض من قوات الأمن السورية مدينة عفرين وريفها بغية فرض السيطرة عليها وحل الفصائل.
فيما لم يتم هذا الأمر حتى الآن، وتعرض المئات من سكان المدينة وريفها لمضايقات من قبل الفصائل الموالية لتركيا عقب عودة العديد منهم لمنازلهم وترحيبهم بسيطرة “قوى الأمن العام” السورية على المدينة.

“نريد العودة بأمان”
يقول عصمت محمد إنه يتأمل العودة إلى منزله وقريته وخاصة بعد عودة مئات آلاف السوريين إلى منازلهم ولكن حتى الآن لا يرى الأجواء الآمنة التي تشجعه على العودة هناك، على حد تعبيره.
ويضيف: “رأينا أن جميع السوريين من حماة وحمص وحلب والمدن الأخرى عادوا إلى منازلهم، نحن أيضاً نريد العودة، ولكن نريد العودة ضمن أجواء يعمها السلام والاحترام والأمان”.
ويشير إلى أنه علم بعودة الكثيرين من السكان إلى عفرين، مضيفاً: “لكن عندما سألنا عن الوضع هناك سمعنا عن استمرار التجاوزات في المنطقة هناك، من تشليح وقتل وخطف، ولا يوجد أي شيء يشعرك بالأمان هناك كي تعود”.
ويقول: “نحن لا نريد العودة لنا فقط، بل نريد لصاحب هذا المنزل وللجميع أيضاً أن يعودوا إلى منازلهم ووطنهم، فنحن نتمنى أن يعود الجميع إلى منازلهم بسلام، فالإنسان لا يرتاح إلا في وطنه والمكان الذي ولد وترعرع فيه”.
ويطالب العم “أبو شاهين” من المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة أن يضغطوا على تركيا لفتح المجال للمدنيين بالعودة الآمنة إلى منازلهم وقراهم، رغم الأخبار التي تصلهم من قراهم بأن المسلحين سرقوا حتى أبواب المنازل ولم يتبق سوى الجدران”.
فيما تقول الخمسينية أمينة دلّو، زوجة أبو شاهين، لنورث برس، “في هذه الظروف لن نعود إلى منازلنا بوجود الأتراك، وإن لم نعود سوياً ويعم الأمان هناك نحن لسنا بذاهبين، سنبقى هنا في هذا المنزل فهؤلاء جميعاً أهلنا أيضاً، استقبلونا برحابة صدر، ولن نعود لأننا نفتقر للأمان هناك”.
وتضيف: “حتى الأشخاص الذين عادوا ومن نفس قريتنا حتى الآن يقبعون في السجون، وأغلبهم من النساء والفتيات ونحن لا نقبل هذا الشيء على أنفسنا، فنحن دفعنا الكثير من الضحايا وقاومنا كل هذا الظلم ليس لنعود تحت رحمة العدو هناك”.
ذكريات القرية
مع احتساء القهوة في كل صباح أمام شجرة الزيتون التي تعرف بها عفرين، تأخذهم الأحاديث لاسترجاع ذكريات قريتهم في ناحية راجو بريف عفرين.
ويتذكر الستيني عصمت بحسرة فترة عودته من مدينة حلب إلى عفرين قبل انطلاق الثورة السورية ويقول “بعد عودتي من حلب إلى القرية، أسست مشروعاً زراعياً هناك وكنت أعمل به، وكان جميع أقربائي يعيشون حولي وبالقرب مني”.
فيما تستذكر زوجته حياتها وعملها في قريتها (علمدارا) بريف عفرين، وخاصة في مواسم الخضروات والفواكه ويزداد اشتياقها للعودة أكثر حيث قالت “أتذكر أوقات موسم الزيتون هناك، كانت الحياة تمر بكل سهولة وفرح هناك.
وتضيف: “أتذكر موسم العنب عندما كنا نقوم بقطفه وصناعة الدبس وبعض أنواع الحلوى منه، وأتذكر موسم اللوزية والتين، وخاصة أننا نفتقدها هنا في هذه المنطقة”.
وتشير بالقول إلى أنه “حتى إن وجدت تلك الفواكه هنا لن يكون طعمها لذيذاً كما في منطقة عفرين”، على حد تعبيرها.
فيما رغم الاشتياق تتخوف أمينة من العودة إلى قريتها في الوقت الحالي بسبب استمرار الانتهاكات بحق المدنيين هناك وخاصة الأكراد حيث سرد أحد أقاربها لها موقف حصل قبل عدة أيام عندما تواصلت معهم.
وأشارت إلى أنها من خلال تواصلها مع أقارب في القرية علمت بأن قائد فصيل مسلح دخل قبل عدة أيام إلى القرية التي لا يقطنها سوى أربع عائلات من السكان الأصليين.
وتقول: “دخلوها بغية فتح أبواب المنازل والسرقة، فتعرض لهم شخص من القرية ومنعهم فطالبوه بمنحهم مبلغ 500 دولار أميركي للكف عن فتح الأبواب”.
وتضيف: “فيما بعد سمعنا أن منازلنا نهبت وسرقت بالكامل ولم يتبق فيها أي شيء”.
ويوثّق تقرير “’كل شي بقوة السلاح‘: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا” الصادر في 75 صفحة بتاريخ 29 شباط/فبراير من عام 2024، عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني والعنف الجنسي والتعذيب من قبل فصائل مختلفة في تحالف فضفاض من جماعات مسلحة، وهو “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وكذلك “الشرطة العسكرية”، وهي قوة أنشأتها “الحكومة السورية المؤقتة” والسلطات التركية في 2018، ظاهرياً للحد من الانتهاكات.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أن القوات المسلحة ووكالات المخابرات التركية متورطة في تنفيذ الانتهاكات والإشراف عليها. وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضا انتهاكات الحق في كل من السكن والأراضي والملكية، بما فيها عمليات النهب والسلب الواسعة، فضلا عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، وفشل محاولات المساءلة في الحد من الانتهاكات أو تقديم تعويضات للضحايا.