“معامل متوقفة”.. تدفق المنتجات التركية يضر بالإنتاج المحلي في حلب
آردو جويد – حلب
تعكس دخول الألبسة والصناعات التركية إلى الأسواق السورية أزمة جديدة للمنتجين في مدينة حلب التي تعتبر شريان سوريا الصناعي وعاصمتها الاقتصادية.
وبعد أكثر من عقد من الحرب والدمار، وبينما يواجه الاقتصاد السوري أزمات عميقة، يتصاعد تأثير تدفق المنتجات التركية والتي تدق المسامير في نعش الاقتصاد الوطني.
ضرر البضائع التركية
يقول عبد الله سمسوم (35 عاماً)، وهو أحد المنتجين وصاحب مشغل خياطة في حلب، إنهم يعانون من كساد البضائع التي تراكمت في المستودعات في ظل تدفق البضائع الأجنبية، وخاصة التركية، إلى الأسواق، مما أثر بشكل كبير على قدرتهم التنافسية.
ويضيف أن مدينة حلب التي لها تاريخ عريق وطويل في إنتاج الألبسة والصناعات بمختلف مجالاتها، تعيش ركوداً غير مسبوق خلال سنوات الحرب الماضية وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي تهدد استمرارية أعمال المنتجين وكساب العيش.
ويشير “سمسوم” إلى أن البضائع الأجنبية أثرت كثيراً، قائلاً: “أنا وغيري نواجه صعوبات كبيرة، هناك الكثير من البضائع مكدسة ولا أحد يأخذها، الكل يفضل البضاعة التركية.”
ورغم أن هذه البضائع قد تكون أغلى سعراً، إلا أن الإقبال عليها لا يزال مرتفعاً بسبب التوجه نحو الأسماء التجارية المعروفة.
وتبدو صورة الوضع في حلب مضطربة بشكل أكبر عندما تتم الإشارة إلى أسعار المواد الخام، حيث كان يتم شراء قماش الشمواه السويدي بسعر 6.30 دولار للكيلو، أما اليوم فيباع بـ 3 دولارات، مما يزيد من معاناة المنتجين الذين يواجهون ضغوطاً في تسويق منتجاتهم.
ويذكر “سمسوم” أن هذه التغيرات أدت إلى خسائر كبيرة لهم، معتبراً أنه لا يمكن للمنتج أن يستمر في العمل في ظل هذه الأسعار المتدنية.
أغلب المعامل متوقفة
يقول “سمسوم” إن أغلب المعامل بنسبة 90 بالمائة من معامل وورشات حلب متوقفة عن العمل.
ويضيف: “عندما أخرج كل يوم، يأتي إليّ خمسة إلى عشرة صناع يسألون عن العمل، وأنا لا أملك شيئاً لأقدمه لهم.”
يعكس حديثه مدى الغبن الذي يشعر به المنتجون في الأوضاع الراهنة، فقد تأثرت ظروف العمل بشكل جذري، وأصبح توظيف اليد العاملة أمراً صعباً.
فالأجور لا تغطي حتى تكاليف العيش، يقول “سمسوم” إن “الأجور في حلب تعبانة جداً مقارنةً بالمدن الأخرى، مثل دمشق فالصانع الذي يحصل على 400 ألف في حلب يحصل على 600 ألف في دمشق، نحن لا نستطيع تقديم هذا المبلغ بسبب أسعار البضائع”.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، يظل المنتجين متفائلين نوعاً ما، “علينا أن نمنح بلدنا الفرصة للعمل”، آملين ضبط أسعار البضائع الأجنبية بشكل مؤقت حتى تتمكن الصناعة المحلية من استعادة قوتها.
فيما يشير إلى أن استمرار هذه الأوضاع فإن “الإنتاج المحلي لن يكون قادراً على الصمود لفترة طويلة”.
جمود حركة التجارة
بينما يصف محمد واعظ (40 عاماً)، وهو تاجر ألبسة في حلب، الوضع الراهن للصناعة المحلية وما تواجهه من تحديات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة بالجمود التام، ويشير إلى أن الوضع الاقتصادي “سيء جداً”، حيث أن حركة البيع في السوق ضعيفة للغاية.
ويقول “واعظ” في حديثه لنورث برس، إن الضعف الكبير في القيمة الشرائية، رغم تحسن الأسعار بشكل نسبي ليس له تأثير ملموس على القوة الشرائية للناس.
ويضيف أن حركة السوق تعتمد بشكل كبير على صرف رواتب الموظفين مما يعطي التدفق النقدي في الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على دفع الرواتب، على حد قوله.
فيما يؤكد “واعظ” على جودة الملابس المصنعة محلياً ويشير إلى أن المنتجات السورية تتفوق على التركية في بعض الجوانب فإن الكثير من التحديات المتعلقة بالتكاليف والتسويق تظل قائمة بفعل حالة التضخم وتذبذب سعر الصرف، يعوق حركة البيع بشكل كبير.
ويطالب “واعظ” الحكومة الجديدة بالتواصل الفعال مع الصناعيين والمنتجين، لوضع حلول جذرية للتحديات التي تواجه القطاع الصناعي وإلى ضرورة تثبيت سعر الصرف.
كما ينوه بأن الحدود المغلقة مع الأردن والعراق أثرت سلباً على القدرة على تصدير المنتجات وزيادة الحركة التجارية.
الرسوم الجمركية
يرى محمد الغريب أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، ضرورة فرض الرسوم الجمركية كأداة فعالة لحماية الإنتاج المحلي ولتوفير أجواء تنافسية عادلة بين المنتجين المحليين والمستوردين.
ويقول لنورث برس، إن فرض الرسوم الجمركية هو ضرورة لحماية الإنتاج الوطني، ولكن يجب أن تكون هذه الرسوم مدروسة بعناية.
ويضيف أنه “ليس من المنطقي فرض رسوم موحدة على جميع المنتجات، حيث يجب أن تعكس كل فئة من الفئات الرسومية تكاليف الإنتاج والمنافسة في السوق”.
ويشير “الغريب” إلى ضرورة إيجاد هيكلية واضحة للرسوم الجمركية، حيث تحظى المنتجات الحساسة لدعم أكبر من خلال رسوم مرتفعة، بينما يمكن تقليل الرسوم على المنتجات التي تتمتع بقدرة تنافسية أقوى، على حد وصفه.
ويبين أيضًا تأثير سعر الصرف المباشر على الصناعة المحلية، مضيفاً: “يلاحظ أن هناك تقلبات في سعر صرف الليرة السورية نتيجة تلاعب بعض الصرافين في السوق السوداء، وأن انخفاض سعر الصرف الفعلي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال بناء اقتصاد قوي يدعم استقرار العملة الوطنية”.
ويقول الخبير الاقتصادي إنه في حال تمكنت الحكومة من تثبيت سعر الصرف، فإن ذلك يعد أحد عوامل جذب الاستثمارات، ومن ثم فإن تحسين الإنتاج المحلي وتوقيع عقود تصدير سيكون أكثر سهولة.
ويشدد على أن الرسوم الجمركية ليست مجرد عائق أمام حرية التجارة بل هي أداة استراتيجية لحماية الصناعات المحلية وتعزيز الاقتصاد الوطني.