“سراديب مظلمة”.. معتقل سابق في صيدنايا يروي تفاصيل تعذيبه بسجون الأسد
دير الزور – نورث برس
في أقبية السجون السورية، تتجاوز أساليب التعذيب حدود الجسد لتصل إلى أعماق النفس، مارس نظام الأسد المخلوع أساليب وحشية جعلت المعتقلين يعيشون في خوف دائم، حيث لا صوت ولا حركة تمر دون عقاب.
تروي قصة الرجل الستيني عماد حسن الطه آلاف القصص التي عانت الظلم والتعذيب خلال عقود في سجون نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
“اتهامات باطلة واعترافات مزورة”
يقول عماد الطه (63 عاماً)، الذي كان يعمل في مؤسسة المياه بدير الزور، لنورث برس، إنه اعتقل من قبل عناصر أمن الدولة بتاريخ 28 أيلول/سبتمبر من عام 2011، من مكان عمله دون مذكرة اعتقال باتهام واضحة.
ويضيف أن 20 عنصراً من أمن الدولة هاجموه بالضرب حتى فقد وعيه وكسروا أسنانه من شدة التعذيب والضرب المباشر على وجهه بعد تكرار السؤال عن اسمه وربه، وبعد نحو شهرين نقلوه إلى سجن كفر سوسة بدمشق”.
ويشير إلى أنه بعد خمسة أيام نقلوه إلى غرفة منفردة وطلبوا منه أن يدلي خلال مقطع مصور بمعلومات مكتوبة أعدت مسبقاً واتهامات باطلة لأسماء لم يعلم بها، على حد قوله.
ويقول: “طلبوا مني قراءة ورقة اعترافات مزورة تشير إلى تدريبي على القتل، لكنني رفضت الامتثال لذلك، وعندما حاولوا ضربي، لاحظوا أن جسدي كان متورمًا بشدة بسبب التعذيب الذي تعرضت له سابقًا، ربما أشفق الجلاد عليّ قليلاً، فتوقفوا عن ضربي”.
وبعد خمسة أيام في كفرسوسة نقل إلى القابون وبقي هناك ليلة واحدة ومن ثم نقلوه إلى سجن صيدنايا، المعروف بـ “المسلخ البشري”.
وتأسس سجن صيدنايا في ثمانينيات القرن الماضي، عام 1987 ويقع على بعد 30 كيلومترا شمال دمشق، وأطلقت عليه “منظمة العفو الدولية” قبل سنوات وصف “المسلخ البشري”، والسجن الذي “تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.
“سراديب مظلمة ومخيفة”
يقول المعتقل السابق في سجن صيدنايا، إنه أمضى ست سنوات في سجون النظام السابق، سنتان بصيدنايا وأربعة أخرى في سجن السويداء المركزي.
ويضيف: “خلال وجودنا في سجن صيدنايا كنا نسمع أصوات تعذيب النساء، وحتى أصوات تعذيب ضباط وعساكر كانوا يتعرضون لنفس المصير”.
ويشير إلى أنهم قضوا شهرين وعشرة أيام في سراديب مظلمة ومخيفة، قائلاً “خلال هذه الفترة فقد اثنان من أبناء مدينة البوكمال حياتهم أمام أعيننا بسبب التعذيب القاسي وسوء المعاملة”.
وكان السجناء بصيدنايا لا يتمنون زيارة أهاليهم لهم، ويقول “الطه” إنه “عندما أتوا أهلي لزيارتي في سجن صيدنايا للمرة الأولى، تمنيت أنهم لم يأتوا لأنني تعرضت للتعذيب والتنكيل بأشد الوسائل وأقسى كلمات الشتائم لأنهم عرفوا مكان وجودي”.
ويضيف: “تمنيت ودعوت أن لا يزوروني مرة أخرى، لأنني كنت أعلم أنني في كل مرة يزورني فيها أهلي، سأتعرض لنفس العذاب بل ربما أشد. هذا ليس فقط بالنسبة لي، بل لجميع المساجين الذين كانوا يدعون أن لا يزورهم أهلهم لتجنب مزيد من التعذيب.”
ويشير إلى أنه بقي في سجن صيدنايا قرابة سنتين ونيف، وبعدها أخرجوهم بالآلاف وتم توزيعهم على جميع السجون في المحافظات السورية.
ويضيف: “كانت وجهتي إلى أحد السجون في السويداء حيث بقيت هناك لمدة أربع سنوات. وبعد ذلك، أخلوا سبيلي دون أي أوراق تثبت أنني كنت مسجونًا، فقط قاموا بوضع بصمة أو ختم على يدي حتى أستطيع أن أعبر على الحواجز.”
ويقول: “عندما خرجت من السجن في السويداء بعد قضاء ست سنوات ونصف، لم أتعرف على كامل عائلتي. ابنتي الصغيرة التي كانت تزورني في سجن صيدنايا مع والدتها، كان عمرها ثلاثة أشهر، وجدتها في الصف الثاني. ابني الذي كان في الصف الرابع، وجدته أطول مني، ولم أتعرف عليه”.
ويضيف أنه “حتى أصدقائي، جيراني، وأقاربي، كانوا يسلمون عليّ، وكنت أقول لهم أنني أحتاج إلى وقت لكي أتذكركم من هول ما رأيت في سجن صيدنايا وفي سجن السويداء وفي معتقلات النظام البائس”.
“جدران من الحديد المصفح”
يعود السجين في صيدنايا سابقاً، والذي أخلي سبيله بعام 2017، بذاكرته إلى أيام التعذيب في السراديب المظلمة، قائلاً: “لم نكن نستطيع رؤية السجانين لأننا كنا نضع يدينا على أعيننا ولانستطيع إنزالها عندما يدخل السجان، الذي كان يقوم بتدوير المفاتيح في أقفال تلك السجون الحديدية أثناء الطعام أو لتنفيذ عقوبة جسدية.”
ويضيف: “بالنسبة للطعام، كان طعامنا عبارة عن نصف رغيف طوال اليوم وأربع زيتونات في وجبة الفطور، وبيضة واحدة تُقسم على أربعة أشخاص، ويتم تقطيعها بخيط من البطانية”.
ويشير إلى أنه كان الجوع شديدًا لدرجة أن بعض المساجين كانوا يقومون بطحن العجوة من الزيتون بسبب قسوة الظروف، مضيفاً: “أما أنا، فلم أتمكن من فعل ذلك لأنهم قاموا بتكسير أسناني الأمامية خلال التعذيب.”
ويبين السجين أنه بالنسبة للتحصين في سجن صيدنايا، كان محصنًا بطريقة رهيبة، حيث كانت جميع جدران السجن من الداخل، وكذلك جدران السجون الأخرى مصنوعة من الحديد المصفح، حتى الباب كان من الحديد المصفح، وسمكته بما يقارب الستين أو السبعين سنتيمترًا”.
ويشير إلى أنه لا يوجد سوى سقف السجن الذي كان من مادة الباطون أو مادة الإسمنت، قائلاً: “كانوا يخافون من هروبنا، لذلك جعلوا الجدران جميعها من الحديد المصفح المقوى.”
ويمثل سجن صيدنايا نموذجًا قاتمًا للديكتاتورية والظلم المستشري في الأنظمة الاستبدادية، وتوثيق شهادات مثل تلك التي تم سردها عن عماد حسن الطه وغيره من المعتقلين هو جزء من الجهود الضرورية لكشف هذه الانتهاكات وتحقيق العدالة لحفظ الحقوق الإنسانية.