سامر ياسين – الحسكة
بالتزامن مع عملية “ردع العدوان” في 27 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام المنصرم، والتي انتهت بسقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الاول/ ديسمبر الماضي، بدأت فصائل موالية لتركيا ومدعومة من جيشها بالهجوم على مناطق كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بريف حلب الشمالي.
العملية بدأت في قرى وبلدات بريف حلب الشمالي، وصولاً إلى مدينة منبج في الريف الشرقي من حلب، لتصل المعارك إلى سد تشرين الواقع على نهر الفرات في منتصف الشهر الأخير من العام الفائت، في ظل المحاولات المتكررة من قبل الفصائل الموالية لتركيا للسيطرة على السد وعبور نهر الفرات إلى ضفته الشرقية.
منذ ذاك الحين وحتى لحظة إعداد هذا التقرير والهجمات مستمرة بشكل شبه يومي على السد، إلى جانب القصف المكثف والعنيف على محيط السد وجسمه من قبل الطائرات الحربية والمسيرة التركية، والمدفعية الثقيلة والقذائف.
“خارج الخدمة”
يقول عماد عبيد، المسؤول العام عن السدود في شمال شرقي سوريا، لنورث برس، إن “العمليات العسكرية بمحيط السد ألحقت أضراراً بجسم السد ومحطة التوليد وساحتي التحويل والتوزيع الملحقة بالسد وأنها حالياً بالكامل بالإضافة للسد خارج الخدمة”، ما يهدد حياة مليون نسمة نتيجة انقطاع مياه الشرب والكهرباء.
ويعد سد تشرين من أهم السدود السورية الواقعة على نهر الفرات من الناحية الاستراتيجية ومن ناحية الموقع والطاقة الكهربائية ومياه الشرب والري للمناطق التي تتغذى عليه، ويبعد ما يقارب 125 كم عن مدينة حلب، ويغذي مناطق منبج وصرين وكوباني والجرنية والقرى المحيطة بالسد بالكهرباء والمياه، ويقدر سكان هذه المناطق بحدود المليون نسمة، بحسب “عبيد”.
ويضيف مسؤول السدود في الإدارة الذاتية، أن “السد لا ينتج أي كمية من الكهرباء لتلك المناطق بالإضافة لحرمانها من مياه الشرب ومياه الري للمزارعين”.
ويشير إلى أنهم يعملون بالوقت الحالي بطاقم للطوارئ فقط “من أجل الحفاظ على السد من الغمر، وضمان تمرير المياه منه، حيث حدث في وقت سابق غمر لمجموعات التوليد ومضخات التجفيف التي باتت بالوقت الحالي خارجة عن الخدمة تماماً، وحدثت أضرار أخرى بساحتي التوزيع والتحويل”.
وينوه المسؤول إلى أن الاستهداف المتكرر يتضمن مخاطر كبيرة على جسم السد ومحطة الطاقة الكهرومائية والتجهيزات حيث أن فقدان التغذية المحلية في السد واستمرار ورود المياه إلى بحيرة السد سيؤدي إلى غمر تجهيزات السد من المضخات ولوحات التحكم وتوربينات وخروجها عن الخدمة وبالتالي خروج السد عن الخدمة نهائياً.
ويؤكد أنهم في الوقت الحالي عاجزون تماماً عن إيصال الفرق الخاصة بالصيانة إلى السد لتقييم حجم الأضرار والعمل على معالجتها وصيانتها، وذلك بسبب الأعمال الحربية والهجمات المستمرة بمحيط السد.
ويولّد سد تشرين ما يقارب 1.6 كيلو واط ساعي في العام الواحد، ويحتوي على 6 مجموعات للتوليد، استطاعة كل مجموعة 105 ميغا واط، وطول السد يقدر بـ 1500 متر، وحجم البحيرة 1.9 مليار متر مكعب، ومساحتها 164 كيلو متر مربع، بحسب مسؤول السدود.
تحذير من الانهيار
يحذر عماد عبيد من تعرض السد للضغط بسبب المياه التي تغمره من الداخل على الأساسات والمخاطر على جسم السد بحد ذاته، مبيناً أنه “في المراحل المتقدمة سترتفع المياه في بحيرة السد”.
ويضيف: “وفي حال عدم التمكن من الوصول إليه والعمل بتجهيزاته والسيطرة على المياه وارتفاع المياه في البحيرة سيستمر ليتجاوز الحدود المسموحة للتخزين”.
الأمر الذي قد يؤدي إلى عبور المياه فوق جسم السد الترابي، وبالتالي الجسم الترابي سينهار، وستتوجه كتلة المياه المقدرة بحوالي 1.9 مليار متر مكعب إلى بحيرة سد الفرات وستسبب بكوارث في المناطق المحيطة، وفق مسؤول السدود.
ويحذر المسؤول العام عن السدود بشمالي سوريا، من أنه “في حال الفشل في استيعاب هذه المياه لأي سبب من الأسباب، سيتأثر سدي الفرات والحرية وتتمدد الأضرار إلى داخل الأراضي العراقية”.
ويشير إلى أنه “قد تصل الموجة المائية إلى ما يتجاوز 7 آلاف متر مكعب بالثانية الواحدة مما سيسبب دماراً بالمدن الواقعة على سرير النهر، بالإضافة لكوارث بيئية واقتصادية على مساحات واسعة تقدر بثلث الأراضي السورية، إلى جانب الأراضي العراقية”.
وحذرت الإدارة الذاتية في بيانات ونداءات سابقة من انهيار جدار سد تشرين بسبب القصف التركي، فيما أكد مسؤول بهيئة الطاقة في تصريح سابق لنورث برس، أن “هناك آثار واضحة على السد وخاصةً العنفة رقم 6 ورقم 3 نتيجة سقوط قذائف بالقرب منها مما أدى إلى تسريب المياه إلى داخل السد والذي يهدد بغرق المناسيب وخروجه عن الخدمة بشكل كامل”.
وقال الرئيس المشارك لهيئة الطاقة في الإدارة الذاتية زياد رستم، إن “وجود كمية من المياه تقدر بـ 2 مليار متر مكعب في السد، من الممكن أن تكون خطراً بعد حدوث تصدعات أو تشققات إذا استمر القصف التركي والذي سيؤدي إلى تسريب المياه ومن ثم انهيار جزء من جدار السد وبالتالي هناك تخوف على تلك المناطق كاملة لأن المياه ستغمر مساحات واسعة”.
جرائم حرب
توقف السد عن العمل منذ 10 ديسمبر/كانون الأول 2024 نتيجة تضرره أثناء الاشتباكات، ما حرم قرابة 413 ألف شخص من المياه والكهرباء في منطقتي منبج وكوباني، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي صدر نهاية الشهر الفائت.
واتهمت المنظمة الدولية تركيا وفصائل “الجيش الوطني” الموالي لها بارتكاب جرائم حرب مفترضة بمحيط سد تشرين.
وعدت المنظمة الغارة التي شنها تحالف تركيا و”الجيش الوطني” بطائرة مسيّرة وأصابت سيارة إسعاف تابعة لـ “الهلال الأحمر الكردي” في 18 يناير/كانون الثاني الجاري، في شمال سوريا، “جريمة حرب مفترضة”.
وقالت هبة زيادين، باحثة أولى في شؤون الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “أظهر الجيش الوطني السوري والقوات التركية نمطاً واضحاً ومقلقاً يتمثل في الهجمات غير القانونية ضد المدنيين والأعيان المدنية، ويبدو أن الطرفان يحتفيان بهذه الهجمات”.
وأضافت أن “تركيا بصفتها الداعم الرئيسي للجيش الوطني السوري، فهي ملزمة بردع الانتهاكات التي يمارسها الجيش الوطني السوري، وإلا فإنها تخاطر بالتواطؤ في جرائمه”.
وأشارت المنظمة إلى أن “سد تشرين أصبح نقطة محورية للقتال بين تحالف تركيا والجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي”.
وبينت أن سيارات الإسعاف، كما المستشفيات، تتمتع بحماية خاصة، ولا يجوز استهدافها في حال كانت تستُخدم لتقديم الرعاية الطبية من أي نوع، بما في ذلك علاج مقاتلي العدو. ينبغي السماح لسيارات الإسعاف ووسائل النقل الطبية الأخرى بالعمل وحمايتها في جميع الظروف.
كما أن الهياكل، مثل السدود، هي أيضاُ أعيان محمية بشكل خاص بموجب القانون الإنساني الدولي، حيث ينص القانون الإنساني الدولي على أنه ينبغي التعامل مع السدود والمنشآت المماثلة “بعناية خاصة” في النزاعات، لتجنب إطلاق مياه الفيضانات الخطيرة التي تؤدي إلى خسائر فادحة بين السكان المدنيين، بحسب المنظمة.