قلة الدعم وتوالي سنوات الجفاف تهدد “السلة الغذائية” في سوريا
دلسوز يوسف – الحسكة
للعام الرابع على التوالي يجد المزارع المسن هجيج الياسين نفسه أمام تحديات صعبة في ري حقله نتيجة قلة الأمطار والجفاف، مما ينذر بخسائر مادية كبيرة قد تدفعه للتخلي عن مصدر رزقه العام المقبل.
التغير المناخي يهدد الزراعة
يعاني المزارعون شمال شرقي سوريا من قلة الأمطار خلال الموسم الحالي حيث بات التغير المناخي يهدد مستقبل الزراعة التي تعد الركيزة الأساسية للاقتصاد وخصوصاً الجزيرة السورية التي تصنف بأنها “السلة الغذائية” للبلاد.
ويقول “الياسين” من بين حقله المزروع بالقمح والشعير والكمون، لـنورث برس، “مساحة حقلي 25 دونماً نثرت 50 كيلو غرام من بذار القمح والشعير لكل دونم، لكن لا توجد أمطار حتى الآن والموسم صفر (..) ولا يوجد دعم لتشغيل محركات الديزل”.
ويضيف أنه بعدما أنهى من تبديل أماكن الرذاذات المائية لري محصول الكمون “استدنت ثمن البذار ويجب أن أسددها نهاية الموسم، لكن كما ترون الأرض جافة ولا بوادر لنجاحه”.
ويشير المزارع السبعيني إلى أنه إذا لم يهطل الأمطار ستفوق خسائره 15 مليون ليرة ما بين القمح والشعير (نحو 1300 دولار أميركي).

نتيجة الخسائر في السنوات الماضية، بات غالبية مزارعي المنطقة يعتمدون فقط على الزراعة البعلية هذا العام إلا أن قلة الأمطار فاقم من معاناتهم لتضاف خسائر الموسم الحالي أيضاً إلى المواسم الماضية.
وبين حقله في قرية أم المسامير جنوب الحسكة، يجهد المزارع خضر العبدالله في سقاية محصوله بعدما أفقد الأمطار آماله في الزراعة البعلية.
ويقول المزارع الذي يملك 100 دونماً لـنورث برس “هذه الري الثالثة التي أسقيها لمحصولي، فغيرنا ربما لم يسقي حتى الآن وهذا يؤثر علينا سلباً، إن لم تهطل الامطار سيكون نسبة الانتاج ضعيفة أيضاً”.
ويضيف بنبرة يغلبها اليأس “أغلب زراعتنا من البذار والحراثة بالدين، صرفت 40 مليون حتى الآن ولا يزال الموسم الزراعي طويلاً”.
ويقول “إذا استمر الحال هكذا لربما سوف نتوقف في الأعوام القادمة”.
غياب الدعم وتراجع الزراعة المروية
رغم لجوء الكثير من المزارعين لتركيب ألواح الطاقة الشمسية نظراً لقلة الدعم في المحروقات، إلا أن المزارعين عمدوا إلى تقليص المساحات المروية نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة.
وفي قرية حسينية شمالي الحسكة، قلص المزارع علي عبيد مساحة حقله ليزرع 25 دونماً فقط من أصل 100 دونماً يملكها ما بين القمح والشعير والكمون.
وتحت أشعة الشمس، يقول “عبيد” لـنورث برس، “أسقي محصولي بواسطة آبار عبر ألواح الطاقة الشمسية، كون المحاصيل إن لم تسقى لن تنبت نتيجة قلة الأمطار”.
ويضيف: “منطقتنا باتت تعتمد على البعل لكن بسبب قلة الأمطار لم نعد نزرعها أيضاً، ولسوء الوضع المعيشي نضطر للتوجه إلى المروي بمساحات قليلة”.
ويشير المزارع الخمسيني إلى أن مساحة محصوله الصغير كلفته 4 ملايين ليرة، وتابع متسائلاً “جميع زراعاتنا أصبحت بالدين وإن لم يأتي الموسم لا نعرف ماذا نفعل؟”.
يرى خبراء زراعة أن الموسم الزراعي البعلي انتهى بشكل شبه تام نتيجة عدم إنبات المحصول في وقته المحدد، وهو ما يهدد بانخفاض الإنتاج لأكثر من النصف.
توقف أغلب الآبار الزراعية
ويقول برجس سيدو، وهو خبير زراعي، لنورث برس إن تأخر هطول الأمطار أثر بنسبة 100 بالمائة على الزراعة، “كون الأمطار هطلت بقلة وتوقفت وحالياً الموسم الزراعي بالنسبة للبعلي تضرر بنسبة 50 بالمائة”.
ويضيف أنه “بالنسبة للزراعة المروية، بسبب قلة المحروقات وارتفاع تكلفة الأعطال والزيوت توقفت أغلب الآبار، بينما الذين يعتمدون على الطاقة الشمسية ولا يتجاوز نسبتهم 20 بالمائة قلصوا من المساحات المزروعة”.
ويصف “سيدو ” الموسم الزراعي الحالي “تحت الصفر”، مشدداً على أنه يتوجب على الجهات المعنية بدعم الزراعة.
ويشير إلى أن الأمطار في السنوات الماضية كانت تهطل قبل رأس السنة كانت تحيي المحاصيل، لذلك مهما تأخرت الأمطار بعدها لحتى شهري شباط أو آذار كانت تنبت المحصول، لكن لحتى الآن لم تهطل وحتى إن هطلت الآن سيكون الانتاج سيئاً”.
ووسط استمرار الصراع العسكري في البلاد بالرغم من سقوط النظام السابق، لا يزال بوادر دعم القطاع الزراعي مجهولاً ويكتنف القلق مصير أهم القطاعات في البلاد.
ويرى الكثيرون أن استمرار خسائر المزارعين عاماً بعد آخر جراء التغير المناخي دون وجود دعم للمزارعين، قد تواجه المنطقة في السنوات القادمة كارثة إنسانية بتأمين الغذاء.