عدنان منصور- نورث برس
يبسط الهدوء سيطرته منذ أيام على ساحة القتال في مدينة حلب، بعد الاحتفال بالذكرى الثالثة لاستعادة السيطرة على معظمها من قبل قوّات الحكومة السورية، في أعقاب هجوم عنيف نفذته فصائل المعارضة المسلّحة ومن ضمنها "هيئة تحرير الشام" التي كانت رأس الحربة في هذا الهجوم المضاد، في الوقت الذي تبث فيه المنابر الإعلامية الحكومية والنصيرة لها، الصور حول فشل الهجوم على الأطراف الغربية للمدينة المدمّرة مسبقاً بـ"سياسة البراميل المتفجرة" والغارات المكثفة والقصف البري العنيف، ما كان يوقع يومياً عشرات الضحايا، لتصل الأعداد في بعضها الأحيان لأكثر من /60/ شخصاً وفقاً لمراكز مراقبة الصراع في سوريا.
عَودٌ على بدء
هيئة تحرير الشَّام، نفذت عملية هجوم في الأطراف الغربية لمدينة حلب، ضمن منطقة حي جمعية الزهراء، ليكون هجومها هذه المرة عوداً على بدء، فبعد أكثر من شهر على الاحتفال بذكرى استعادة القوّات الحكومية والروس، مدينة حلب، بدأ الهجوم على محور جمعيّة الزهراء، هذا الحي الذي يتقاسمه الطّرفان، واستهلّت فيه "تحرير الشَّام" الهجوم بعربات مفخَّخة، وهو التكتيك الذي أظهر سيرة الهيئة، باتباعها له عندما تحاول كسب نتائج المعركة، وقطف ثمار الجولة القتالية بشكل مستعجل، وعلى نحو أكثر خصوصيّة، حين يكون الهجوم اغتسالاً من خسارة في محور أكثر أهميّة.
"هيئة تحرير الشَّام" والمعارضة المسلَّحة التابعة لها، تحضّران في كل مرة لهجوم من محور جديد، وتعتمد سيرة الهيئة وتاريخ معاركها في المنطقة، على أسلوب تحوّل من تكتيك إلى استراتيجية وأسلوب لمعظم المعارك، يماثل أسلوب العميد في القوّات الحكومية السورية، سهيل الحسن الملقّب بـ"النمر"، ويقوم التكتيك المعروف باسم (تكتيك الخاصرة الرَّخوة)، أو (إرخاء الخاصرة) وهو الذي ظهر في المرة الأولى خلال فك الحصار عن سجن حلب المركزي، في أيار / مايو من العام 2014، ويقوم التكتيك على إفساح المجال أمام الخصم، للتحشّد بشكل أكبر ضمن محور معيّن، عبر تكثيف الهجوم عليه، ومباغتة محور آخر يعرف بـ(المحور المنسي أو الميت).
تزامن المعارك بين حلب وإدلب
بدأ الهجوم في الوقت الذي يتواصل فيه هجوم القوّات الحكومية السورية على ريف إدلب، للأسبوع الثاني واقترابه لنحو /8/ كم من مدينة إدلب، التي اجتمعت جميع الفصائل قبل سنوات للسيطرة عليها، وحققت هذه القوّات الحكومية -وفقاً لإحصاءات مراكز رصد الصّراع السوري- تقدماً وسيطرة على أكثر من /50/ قرية وبلدة ومدينة أبرزها معرّة النّعمان، في معركة تظهر خرائط التقدم احتمالين أحدهما هو التحضير لحملة مقبلة ضد جبل الأكراد باللاذقية، للسيطرة عليه وعلى معقل المعارضة والقوى الراديكالية في منطقة كبانة، فيما الثاني هو تقسيم ما تبقى من شمال غربي سوريا إلى قسمين من خلال الوصول للحدود السورية – التركية من قبل القوّات الحكومية بدعم روسي – إيراني.
بيعة العصائب الحمراء
مجموعات العصائب الحمراء تسلّمت قيادة العملية داخل مدينة حلب، وهي مجموعات النخبة في قوّات "هيئة تحرير الشَّام"، بعد ما وصفه الإعلام التابع للهيئة بـ"بيعة" حضرها الزَّعيم الرّوحي للتنظيم أبو محمّد الجّولاني، مرتدياً عصابة حمراء، وملتزماً الهدوء طوال حديث البيعة، الأمر الذي ذهب معارضون من الهيئة للقول على أنه أراد عدم إثارة ضجَّة إعلامية بحديثه في حال تجاهل إدلب أو تبرير الخسارة لمرات متتالية في المنطقة، وانطلق البعض الآخر للقول أن الجّولاني فضّل كسب المعركة الإعلامية ضده بالتروي في الحديث.
بيعة الموت للعصائب الحمراء بحضور أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام
https://videos.ebaa.news/watch/xb7AW5vWSs6lQNY
الشريط المصور الذي بثته معرفات رسمية تابعة "لتحرير الشام"، بدأ بخطبة تحفيزية لأحد القادة العسكريين في الهيئة، والتي أراد من خلالها حثَّ المقاتلين في المجموعات المتطوعة للقتال حتى الموت، ولتقديم "البيعة على الموت" للجّولاني، الذي يرى مراقبون أنه يحاول كسب معركة عاجلة تعوِّض خسارة إدلب، التي بدأت القوّات الحكومية استعادة مناطقها واحدة تلو الأخرى، وسط صمت تركي إلا من الرد على القوات الحكومية في استهدافها الأخير، على الرغم من الإعلان السابق للجّولاني، تأييد العمليات التركية في شمال شرقي سوريا، وإرساله مجموعة من مقاتليه إلى رأس العين / سري كانيه، وتل أبيض / كري سبي، بهدف ضرب الإدارة الذاتية وقوّات سوريا الديمقراطيّة، وذلك دعماً لتركيا التي عمدت لجمع المقاتلين المتطرفين في إدلب، ودعمهم منذ بداية الأزمة السورية بمساعدات عينية ونقدية واستخباراتية وعسكرية.
ارتباطات المحاور
تأتي أهمية الهجوم من قبل العصائب الحمراء في هذا المحور ليس لكونه مرتبطاً فقط بريف حلب، بل لارتباطه الأكبر بريف إدلب، حيث تظهر خرائط سير المعركة والتفاصيل السابقة والمزامنة لها، أن العملية تهدف لزعزعة الثقة بين القوّات الحكومية السورية وأنصارها في المدينة الهادئة بشكل دائم إلا من القذائف، من خلال دفع الأخيرة لاستقدام القوّات العسكرية من محاور مختلفة ومن جبهات القتال بهدف حماية المدينة، بعد أسابيع من استبدال المخابرات الجويّة والعسكريّة في مدينة حلب بقوّات من الجيش الحكومي، وفق ما كانت أعلنته وكالة "نورث برس" في الـ29 من كانون الأول / ديسمبر من العام الفائت 2019، بالإضافة لإحداث ضغط بهدف وقف المعركة في إدلب وريف حلب، عقب عجز "تحرير الشَّام" وبقية الفصائل عن صد الهجوم الذي يبدو في ظاهره كالهجوم الذي جرى السيطرة فيه على ريف حماة الشمالي وخان شيخون، من حيث سرعة التقدم، وهو ما ذهب أنصار المعارضة من خلاله لاتهام فصائل المعارضة بالتآمر مع الحكومة السورية والعمالة لها ونسيان "الواجب الجهادي"، بعد المِنَح التركية لهم، وفتح الأخيرة جبهة ليبيا التي استغلها مقاتلون واصلون إلى هناك، للفرار إلى أوروبا، وفق ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان (جهة حقوقية مركزها المملكة المتحدة) في الأول من شباط / فبراير من العام 2020، والذي أكد على أن "نحو /64/ مقاتل سوري من ضمن الذين توجهوا إلى ليبيا، باتوا في أوروبا، من أصل /1800/ نقلتهم تركيا إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق ضد قوات خليفة حفتر".
تاريخ العصائب
وتعد قوّات العصائب الحمراء، قوة النخبة في "هيئة تحرير الشَّام"، ويقودها "الجهادي" المعروف باسم أبو اليقظان المصري، وهو محمد ناجي الذي يقارب الخمسين عاماً، المنحدر من محافظة الإسكندرية في جمهورية مصر العربية، ويعتبر نفسه من "المتفرّغين للعمل الجهادي"، وفق ما تحدّث به في مقابلة أجريت معه ونشرت في في الـ19 من شباط / فبراير من العام 2019، مع الإعلامي الأمريكي بلال عبد الكريم (داريل لامونت فيلبس) المقيم في شمال غربي سوريا، أنه "جاء نصرة للمستضعفين ضد بشار الأسد وإيران وروسيا"، فيما كان أحد المحرّضين للمجموعات المتشددة في إدلب وشمال غربي سوريا، ضد الاتفاق الروسي – التركي الموقع في 17 أيلول / سبتمبر من العام 2018، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خلال حضّهم على الامتناع عن تنفيذ بنود الاتفاق وعدم تسليم أسلحتهم.
مقابلة أبو اليقظان المصري مع الصحافي الأمريكي بلال عبد الكريم:
العصائب الحمراء كانت واحدة من القوّات الرئيسية التي شاركت في قتال المجموعات المحلية من المعارضة المسلحة، ومنها حركة "نور الدين الزنكي" في النصف الأول من العام الفائت 2018، تتميز بوضع شريطة حمراء على رؤوسهم، تيمناً بأحد صحابة النبي محمد (سمّاك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي) المعروف بـ"أبي دجانة"، الذي ارتدى عصابة حمراء يوم أحد وبعد أن سلمه النبي سيفه وتوفي في عام 12 للهجرة /633/ ميلادية
كما أن مجموعات العصائب الحمراء ظهرت للمرة الأولى في تسجيل مصور للهيئة بعنوان "لن نركع إلا لله" في آب / أغسطس من العام 2018، ويتلقّون تدريباتهم من قبل شركة تسمّى بـ"تاكتيكال الملاحم" أو "بلاك ووتر الإسلامية"، وهي شركة أمنية تعمل في شمال غربي سوريا، والتي جرى تأسيسها هي الأخرى من قبل مقاتلين من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي لتدريب المقاتلين.
هذه الشركة – أي "تاكتيكال الملاحم" – يقودها أبو سلمان البيلاروسي الذي كشف في مقابلتين منفصلتين إحداها نشرت وهو يتحدث اللغة الروسية، من قبل بلال عبد الكريم على قناته في موقع اليوتيوب المعروف باسم ((OGN TV))، عن لقبه وتفاصيل أخرى تتعلق بآليات عملهم في شمال غربي سوريا.
مقابلة الصحفي الأمريكي بلال عبد الكريم مع أبو سلمان البيلاروسي:
https://www.youtube.com/watch?v=3_E6dIioqVU
فيما المقابلة الثانية كانت لأبي سليمان البيلاروسي، مع موقع ميدان التابع لقناة "الجزيرة" في الـ 27 من كانون الأول / ديسمبر من العام 2018، الذي قال فيها: "الآن وصلنا إلى مرحلة بات بها خريجونا أفضل حتى من جيش النظام السوري، ولدينا مجموعة قوات خاصة مثل العصائب الحمراء"، وأردف قائلاً: "هناك أيديولوجيا، فنحن لسنا مرتزقة أو شركة أمنية خاصة مثل ما يصفنا الكثيرون، بل إننا فريق تدريبي مستقل.
وعن البرامج التي يعتمدونها في تدريبها قال البيلاروسي: "لدينا الكثير من البرامج، فمثلا يوجد معسكرات مدتها شهران للأمراء، ويوجد دروس مدتها /٤٥/ يوما، كما يوجد مثلا دورة حراري مدتها عشرة أيام، ودورة أسلحة خفيفة مدتها أسبوع، كما أن هناك البرنامج الخاص للعصائب الحمراء وقوات خلف الحدود والذي يتضمن عدة مراحل تصل لشهور".
تساؤلات طرحتها العودة
تعد هذه العملية هي أول عودة إلى حلب من قبل "انغماسيي" هيئة "تحرير الشَّام" وهم المقاتلون الذين يعمدون لتفجير أنفسهم بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وبدء الهجوم على مواقع خصومهم، حيث كانت الهيئة حوّلت "الانغماسيين" الخارجين من حلب بعد خسارة المعارضة لها، إلى قوّات العصائب الحمراء التي تعد كقوة نخبة وقوّات خاصة متدربة بشكل كبير، لكن التساؤلات لا تزال تتصارع حول السبب المباشر من قبل جمهور المراقبين ما وراء هذا الهجوم، إن كان عودة للمطرودين من حلب للانتقام، وهل سيكون باكورة أعمال خلط أوراق من جديد في المنطقة وإبقاء الفوضى بذراع عصائب النصرة الحمراء؟!.