التغير المناخي والهجمات التركية تهددان الزراعة في الحسكة
دلسوز يوسف – الحسكة
وسط حالة من اليأس على وقع التغيرات المناخية بانخفاض حاد في مستوى الأمطار خلال السنوات الأخيرة، يتفقد المزارع سعد بكر حقله المزروع بالقمح والذي لم ينبت بعد، بعدما كان يمني النفس أن يكون العام الحالي أفضل من سابقه.
وعلى بعد 10 كيلومتراً غربي مدينة الحسكة، يتحسر “بكر” على حقول قريته (مشيرفة) والقرى المجاورة التي باتت قاحلة.
التغير المناخي وغياب الدعم
بات التغير المناخي يهدد مصير الزراعة في منطقة الجزيرة على غرار مناطق أخرى من سوريا، وخصوصاً القمح الذي يؤمن مصدر دخل لشريحة واسعة من السكان المحليين في شمال شرقي البلاد.
ويقول المزارع سعد بكر (50 عاماً)، لنورث برس، إن “منطقتنا ضمن الاستقرار الثالث بالنسبة للأمطار وأراضينا بحاجة إلى مياه ولم تهطل بكميات جيدة قبل الدخول للعام الجديد ما ينذر بأن المحصول سيكون خاسراً”.
وعلى غرار مزارعين كثر، يشكو “بكر” من قلة الدعم المقدم له ولا سيما المحروقات مما دفعه كغالبية المزارعين إلى تركيب ألواح الطاقة الشمسية إلا أنها خياراً ناجعاً أثناء فترات تشكل الغيوم الذي يؤثر على جر المياه من الآبار.
ويضيف: أن “الزراعة المروية لا يوجد دعم لها وحالياً سوف ينتهي شهر كانون الثاني أيضاً ولم نحصل على دفعة واحدة من المازوت”.
ويشير إلى أنه في العام الفائت اشترى المازوت بسعر حر وكان الموسم ضعيفاً، قائلاً: “بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف (..) تكبدنا خسائر كبيرة”.
وبينما تعيش المنطقة شحً في الأمطار، يصف المزارع الخمسيني كيف أثر ذلك على مداخيلهم “لم يعد لدينا القدرة لتمويل آبارنا لنحصل على إنتاج جيد”.
حقول خالية من المحاصيل
في ريف الحسكة التي تعرف بأنها السلة الغذائية لسوريا، يمكن معاينة الكثير من الحقول الخالية من المحاصيل، أو انحسار المساحات التي كانت تنتج محاصيل وفيرة سنوياً.
وأثر غياب الدعم وارتفاع تكاليف الزراعة بشكل كبير على المزارعين في السنوات الأخيرة، الأمر الذي دفع بالكثيرين بالبحث عن مصادر دخل أخرى.
وفي قرية أم الدبس المجاورة لقرية مشيرفة، لا يختلف حال المزارع جمعة العلي عن سابقه (بكر)، فقد أنهك الجفاف محصوله في السنوات الأخيرة مما دفعه إلى تقليص مساحة زراعة حقله المروي من 200 دونماً إلى 15 دونماً فقط، لعدم استطاعته المادية على تحمل أعباء زراعة.
ومن بين حقله على أطراف القرية بينما يعمل أحد أبنائه في ري المحصول بالقرب منه، يقول “العلي”: “صار ثلاث سنوات والمطر قليل والمواسم قليلة لكن هذه السنة معدومة نهائياً”.
ويشكو المزارع الستيني أيضاً من قلة المحروقات بالرغم من تركيبه ألواح الطاقة الشمسية للري.
ويضيف: “حتى الآن صرفت 25 مليون ليرة تكاليف المازوت لسقاية 15 دونماً فقط، العام الفائت صرفت فوق 50 مليون ولم ينتج محصولي سوى 10 ملايين”.
ويشير المزارع إلى أن قريتهم وقرية مجاورة لهم يوجد فيها نحو ألفي دونماً للمحاصيل المروية لكن لا يزرع منه سوى بضع عشرات من الدونمات بسبب قلة المحروقات والأمطار.
ويعتمد “العلي” كما أقرانه على الزراعة في معيشتهم، ويقول “إذا استمر الوضع هكذا سوف تنعدم الزراعة، ومناطقنا تعتاش على الزراعة وتربية الحيوان ولكن هاتين الثروتين نحو التراجع”.
سوء المحروقات وتوقف المشاريع
أمام هذه التحديات، يشكو المزارعين من سوء جودة المحروقات أيضاً في الآونة الأخيرة التي تسبب أعطال في محركات الديزل مما يضيف أعباء أخرى على المزارعين.
ويقول صلاح خانو وهو مزارع من قرية الخانات شمالي الحسكة، لنورث برس، إنه استلم دفعة من المحروقات هذا العام لكن بسبب سوء جودتها أدت إلى تعطل محركه مما اضطر لدفع مبالغ باهظة لصيانتها.
ويشير إلى أنه يملك مشروعين زراعيين بمساحة 150 دونماً لكن “بسبب ارتفاع التكاليف اضطررت إلى إيقاف أحد المشاريع الزراعية والاعتماد على الآخر بمساحات صغيرة”.
وبعد تكبده خسائر في محصوله العام الفائت وضعف القدرة المادية على إدارة مشروعه الزراعي، يطالب “خانو” من الجهات المعنية بالنظر في حال المزارعين وتقديم الدعم لهم.
فيما يشير المسؤولين في الإدارة الذاتية إلى أن تراجع الدعم للمزارعين يعود إلى قصف القوات التركية للمنشآت النفطية مما أحدث أضراراً كبيرة فيها في ظل عدم وجود قطع تبديل لآلات استخراج النفط مما يضطرون إلى استخدام وسائل بدائية لا تغطي حاجة المنطقة.
ونتيجة الهجمات التركية برفقة فصائل مسلحة موالية لها، على سد تشرين وجسر قرقوزاق بشمالي سوريا منذ نحو شهر، استنفرت الإدارة الذاتية جميع طاقاتها في خدمة ردع هذه الهجمات وحماية المنطقة، وفق مسؤولين لـ نورث برس.
ويقول جوان أيوب، الرئيس المشارك لمديرية المحروقات في الجزيرة، لنورث برس، إن ظروف الحرب الحالية واستكمال توزيع المحروقات للتدفئة خلال فصل الشتاء على السكان خلق ضغطاً كبيراً لتغطية كافة القطاعات الأخرى.
ويشير إلى أنهم يسعون جاهدين لتقديم المحروقات للقطاع الزراعي الذي يعد الركيزة الاقتصادية الرئيسية، إلا أن الظروف الراهنة تضعهم أمام تحديات كبيرة ولا سيما أن البنية التحتية للمنشآت النفطية بحاجة إلى تأهيل عقب استهدافها من قبل الطيران التركي.
في العام الماضي، وخلال أسبوع واحد، استهدفت المسيرات التركية 26 موقعاً في شمال شرقي سوريا، تركزت على البنى التحتية والمرافق الحيوية مثل حقول النفط والغاز.
وحينها، حصلت نورث برس على وثائق حصرية، تُظهر خسائر وتكاليف إعادة تأهيل المواقع التي قصفتها تركيا، والتي تصل إلى قرابة 81 مليون دولار أمريكي، وتنقسم هذه التكاليف على القطاعات التالية: قطاع التعليم، الصحة، الزراعة والطاقة.