صيدنايا.. سنوات طوال وعوائل مفقودين لم يحصلوا حتى على شهادة وفاة

ناديا صباغ – دمشق

رأى محمد العبد الله، من الساكنين قرب سجن صيدنايا، يوم الأحد الفائت طائرة هليكوبتر هبطت بحدود الساعة 2:30 صباحاً على سطح السجن وصعد عليها ضباط وعناصر من النظام، وبقي هناك يراقب ما يحدث.

ويقول العبد الله، لنورث برس، أنه “في الساعة 4 فجراً رأى أن أبواب السجن فتحت ومئات من الأشخاص بلباس مدني يخرجون ويركضون في الشارع”.

ويشير إلى أنه بعد ذلك دخل هو وأهل المنطقة إلى السجن لتتزامن تلك اللحظة مع إعلان سقوط نظام الأسد”.

وتقول والدة معتقل، لنورث برس، وهي جالسة خارج البناء على التراب تراقب عمليات الحفر وتنتظر بلهفة خروج ابنها الذي غيبه النظام في سجونه منذ أكثر من 10 أعوام، إنه وبدون سبب اعتقل لمجرد أنه يدرس الشريعة الإسلامية في جامعة دمشق.

وتضيف أنها “لم تتوقف في البحث عنه في السجون والأفرع الأمنية ودفع مبالغ طائلة لمسؤولي النظام على أمل معرفة خبر صغير عنه، وانتهى بها المطاف جالسة في أمام سجن صيدنايا بانتظار ابنها”.

ومن بين المتواجدين في السجن رجل جاء مستعجلاً من مدينة الرقة للبحث عن أخيه المعتقل منذ عام 2012، وبرفقته شابان كل منهما يبحث عن أخيه المعتقل في سجون الأسد، حيث بحثوا عنهم طوال الأعوام الفائتة دون جدوى وكان سجن صيدنايا أملهم الأخير بأن يجدوا لهم أثراً حتى لو كان شهادة وفاة.

“المسلخ البشري”

يبين العبد الله أن التسمية لم تكن عن عبث، بل هو “مسلخ بشري” حقيقي ومكان للتعذيب نفسي والجسدي يفوق الوصف ولا تستطيع الكلمات أن تعبر عن المشاهد.

وعلى تلة صغيرة في مدينة صيدنايا المتواجدة في ريف دمشق العاصمة السورية دمشق، يتواجد سجن شكله الخارجي كافٍ لمعرفة عدد المعتقلين بداخله والذي يتجاوز الآلاف، تم بناؤه في عام 1987 بعهد حافظ الأسد.

يحاط السجن بسياج كبير وألغام على كامل التلة القائم عليها، ويمثل نموذجاً مرعباً للعنف الممنهج الذي كان يمارسه النظام السوري بحق المعتقلين، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين.

ويتكون السجن من قسمين الأحمر والأبيض والمعروف أنه كان مخصص للسجناء العسكريين، فيما خصص الأحمر للسياسيين والمدنيين.

تضم الطوابق الأربع الظاهرة فوق الأرض السجون الجماعية ومقسمة إلى “أ، ب، ج” وكل حرف يتفرع إلى يمين ويسار وكل جهة تتفرع إلى أرقام من ال 1 حتى 15، هو أشبه بالمتاهة فعندما تدخل إلى قسم “أ” يسار وتنتهي لتجد نفسك في قسم آخر مختلف وأدراج خفية صعوداً ونزولاً.

وعلى سطح السجن توجد فتحات تهوية عبارة عن مربعات من الباطون وبداخلها أربعة أنابيب تهوية وهذه ليست لتهوية المكان، بل هي أنابيب للتنفس، والتي تصل للسجون تحت الأرض.

ويبين العبد الله، أن السجانين كانوا يقومون بفتحها لمرة واحدة ليعيش السجين بمكان مظلم تماماً وبدون هواء متجدد وبغرفة ارتفاعها متر ليترك فيها جالساً القرفصاء طول الوقت أو متسطحاً.

أقسام وسجون سرية

في أول يوم من سقوط النظام السوري تم تحرير السجناء وذهب الناس للبحث عن مفقوديهم وقالوا إنهم كانوا يسمعون أصواتهم من تلك الفتحات والتي تودي إلى الزنزانات المخفية، ولكن بعد بحث استمر لأيام لم يتمكنوا من الوصول إليها، وقالوا فيما بعد أنه لا سجون سرية فبها تحت الأرض، بحسب العبد الله.

وفي غرفة المشفى تجد فيها آثار دماءٍ جديدة عمرها أيام قليلة مما يدل على وجود جثث قد أخرجت مؤخراً قبيل سقوط النظام ومئات الأكياس المخصصة للجثث والأوراق المبعثرة والتي لا يمكنك فهمها أو معرفة لمن تعود حيث أن السجين يعامل برقم وليس باسمه.

وكل المعلومات مرمزة بأرقام ولا يمكنك معرفة الحقيقة إلى بالعودة إلى سجل أكبر موجود عند مكتب مدير السجن ويبدو للأسف أن هذه الملفات قد أخذها السجانون معهم عند هروبهم.

وعند النزول للأسفل تصل لقسم الفرن، حيث ما زال سكان يبحثون بأيديهم وأدوات حفر بدائية بسيطة يحاولون البحث عن الفراغ في الأرض بالنقر وسماع صدى الصوت ليبدؤوا عملية البحث.

ويقول سكان ما زلوا في يبحثون في السجن، إن الصدمة في الأمر أن فرق الإنقاذ المتخصصة التي أذيع قدومها للبحث جاءت وقامت بالبحث لمدة لا تتجاوز الساعتين، وأعلنوا بعدها عدم وجود مساجين وانتهاء عمليات البحث، ولكن “ماذا عن أصوات النداءات التي سمعها السكان، وماذا عن الرائحة المنبعثة من الأنابيب، وماذا عن الفراغات الموجودة في الأرض!”.

وغرف التعذيب فظائع لا يمكن للعين رؤيتها، فغرفة المكبس يوجد فيها مكبس الذي يستخدم عادة لكبس علب الحديد لتصغير حجمها، ولكن هنا كان يتم تعذيب المساجين بالضغط عليهم بالمكبس للاعتراف، وأيضاً كان يتم ضغط الجثث لتقليل المساحة اللازمة لهم ولتسهيل نقلها.

أمّا غرفة الأسيد، وهي عبارة عن حفرة بعمق مترين تقريباً كان يوضع فيها جثث المساجين وتسكب مادة الأسيد من فوقهم من أنبوب لتذيب أجسادهم، وفي سفل الحفرة فتحة لمجرور يتم صرف ما تبقى من خلالها.

وتحتوي غرفة البحرة، على بحرة مياه وهي إحدى أساليب التعذيب أيضاً، بغمر السجين في المياه لتعذيبه ودفعه للاعتراف، وخارجها يوجد لوح باطون ضخم عليه مشانق كان يتم الإعدام فيها.

وغرفة الملح، أشبه بمستودع بدائي، وهي مفروشة بملح خشن، يبلغ سمكه ما بين 20 إلى 30 سم، اذ يوضع فيهما الجثث حتى يحين وقت نقلها، وبخاصة مع ارتفاع عدد الموتى داخل السجون وغياب المشارح المبردة ليتم لاحقاً نقلها إلى مستشفى عسكري، لتوثيق الوفاة قبل نقلها إلى مقابر جماعية أو حرقها.

تحرير: محمد القاضي