بعد سقوط الأسد.. فتح أبواب السجن الأحمر في سوريا

القامشلي – نورث برس

بعد يومين من البحث عن معتقلين محتملين في سجن صيدنايا بريف دمشق، أعلن الدفاع المدني السوري، الثلاثاء، انتهاء البحث دون العثور على أي زنازين أو سراديب سرية لم تفتح بعد.

وكانت فصائل معارضة للنظام السابق قد تمكنت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 من اقتحام السجن، وتحرير المعتقلين رجالاً ونساء وأطفالاً منه، وذلك بعد دخولها العاصمة السورية دمشق.

وقال الدفاع المدني في بيان إن السجن كان يضم آلاف الأبرياء الذين اعتقلهم نظام بشار الأسد، وسط اعتقاد بأن بعضهم لم يتمكن من الخروج مع مئات المعتقلين خلال اليومين الماضيين.

وأعرب عن خيبة أمله لوجود آلاف المعتقلين الذين ما زالوا في عداد المفقودين، داعياً المؤسسات الدولية المختصة الكشف عن مصير المفقودين ودعم جهود العدالة الانتقالية.

موقع ومواصفات

تأسس سجن صيدنايا في ثمانينيات القرن الماضي، وأطلقت عليه “منظمة العفو الدولية” قبل سنوات وصف “المسلخ البشري”، والسجن الذي “تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.

ويقع السجن قرب سهل صيدنايا على بعد 30 كيلومترا شمال دمشق، وبني عام 1987، ويتبع لوزارة الدفاع السورية وتديره الشرطة العسكرية.

وتقدر مساحته بـ1.4 كيلومتر مربع، أي ما يعادل “ثمانية أضعاف مساحة ملاعب كرة القدم الدولية في سوريا مجتمعة”.

ويتكون من مبنيين منفصلين يُعرف الأول بـ “المبنى الأحمر” الذي كان مخصصاً للمعتقلين السياسيين والمدنيين، في حين يُعرف الثاني بـ “المبنى الأبيض”، وهو مخصص للسجناء العسكريين.

ويتميز سجن صيدنايا بتصميم فريد يجعله أحد أشد السجون العسكرية تحصيناً، ويتكون السجن الأحمر وهو القديم من 3 مبان كبيرة تلتقي في نقطة يطلق عليها “المسدس” ويمكن أن يستوعب ما بين 10000 و20000 سجين.

ويتكون كل مبنى من 3 طوابق لكل منها جناحان، ويحتوي الجناح الواحد على 20 مهجعاً جماعياً بقياس 8 أمتار طولا و6 أمتار عرضاً، تتراص في صف واحد بعيدة عن النوافذ، لكن تشترك كل 4 منها في نقطة تهوية واحدة.

واكتسب سجن صيدنايا العسكري سمعة سيئة ولقب بـ “السجن الأحمر” بسبب الأحداث الدامية نتيجة استخدام التعذيب والقوة المفرطة إثر عصيان قام به بعض نزلاء السجن في عام 2008.

ومنذ بداية الأزمة في سوريا في عام 2011، أصبح سجن صيدنايا الوجهة النهائية لمعارضي السلطة السلميين وأيضاً لأفراد عسكريين اشتُبِه في أنهم عارضوا نظام الأسد.

أدوات وحبال

تداولت تقارير حديثة العثور بداخل السجن على أدوات حادة وحبال قوية عليها دماء لشنق وإعدام المعتقلين، إلى جانب الأجهزة المخصصة لعمليات ضرب أقدام السجناء بالكابلات، في وقت يبحث فيه الأهالي عن أي أمل لمعرفة مصير ذويهم.

ويعتبر “صيدنايا” واحداً من “أكثر الأماكن سرية في العالم”، ولطالما بث اسمه “الرعب في قلوب السوريين”. وهؤلاء ارتبط ذكر هذا المكان عندهم بفقدان الأحبة وغيابهم، بينما حفر في ذاكرة المجتمع الكثير من الأسى، وفق “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”.

وخلص تحقيق عملت عليه الرابطة لعام كامل ونشرته في أكتوبر 2022، إلى إثبات دور مشفى تشرين العسكري والقضاء، بأن الأول يظهر كمكان للتصفية بشهادة الوفاة، والثاني كـ “جهة إصدار حكم الإعدام”.

ويختلف عن باقي السجون من حيث التبعية ومن حيث الممارسات والقوانين المطبقة فيه، إذ يتبع لوزارة الدفاع السورية، بينما لا تتمتع وزارة العدل بأي سلطة عليه.

فيما “لا يستطيع أحد دخوله أو زيارة أي معتقل، من دون إذن الشرطة العسكرية، بعد الحصول على موافقة مسبقة من شعبة الاستخبارات العسكرية”، وفق تحقيق الرابطة الحقوقية.

وخلصت الرابطة في إحدى جزئيات تحقيقها إلى أنه يتبع لجهتين قضائيتين منفصلتين: الأولى هي “القضاء العسكري”، الذي ينظر في الجنايات أو الجنح التي يرتكبها عسكريون، والثانية هي “محكمة الميدان العسكري”.

غرفتي إعدام

بين 2011 و2015 كانت الأوضاع بالسجن في غاية السوء، وتراجعت أعداد السجناء داخله بسبب عمليات التصفية.

ويذكر التحقيق أن النظام أعدم في سجن صيدنايا خلال 10 سنوات من 30 إلى 35 ألف معتقل، بشكل مباشر أو تحت التعذيب، أو بسبب قلة الرعاية الطبية والتجويع.

ودائماً ما تكون عمليات الإعدام المباشر بشكل دوري (يومين في الأسبوع)، فيما توضح الرابطة الحقوقية أن “المعتقلين لا يتم إبلاغهم بقرار الإعدام، بل ينقلون مساء لينفذ بهم الحكم في اليوم نفسه أو في اليوم التالي”.

وكان يحضر الإعدام رئيس القلم الأمني ومدير السجن، والنائب العام العسكري في المحكمة الميدانية، واللواء قائد المنطقة الجنوبية، وضابط من شعبة المخابرات، ورئيس فرع التحقيق (248) وأحد أطباء السجن، وأحياناً “رجل دين”، فضلاً عن رئيس المحكمة الميدانية العسكرية، وهي الجهة التي يصدر عنها الحكم.

وتحدث التحقيق عن غرفتي إعدام، الأولى في “البناء الأبيض” والثانية في “البناء الأحمر”، وأن العملية تتم “شنقاً” وفي كلا الغرفتين “عدة منصات لذلك”.

وجرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة.

وقُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا، جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية.

إعداد وتحرير: خلف معو